عالم الاجتماع والعلاقات الدولية البارز الأستاذ السيد يسين مشغول منذ التسعينيات بقضية الحوار بين الحضارات حيث اصدر حولها أعماله « الوعى التاريخى والثورة الكونية : حوار الحضارات فى عالم متغير» ، «حوار الحضارات : تفاعل الغرب الكونى مع الشرق المتفرد»، « الديمقراطية وحوار الثقافات: تحليل الأزمة وتفكيك الخطاب» وفى عمله الأخير « جدل الحضارات : ثلاثية الحوار والصراع والتحالف 2015، يقول ان هذا الاتصال بالحوار بين الحضارات قد قطعته أحداث 11 سبتمبر2011، حيث شعر بأنه يحتاج أن يتفرغ لدراسة الآثار المتوقعة الدولية والسياسية والثقافية لهذا الحادث الارهابى الخطير وآثاره السياسية والدولية. والواقع فيما رأى أن قصة حوار الحضارات، ليست منعزلة عن أحداث 11 سبتمبر، بل يمكن القول إنها أعطتها أبعادا أعمق باعتبار أنها رسخت الاعتقاد بأن جميع من نفذوا هذه الهجمات الإرهابية كانوا من أصول إسلامية، قد حركت مشاعر العداء بين الإسلام والغرب، وذهب البعض إلى أن هجمات 11 سبتمبر جاءت تأكيدا لنظرية صاميول هينتنجتون والتى توقع فيها أن الصراع القادم سيكون بين الحضارة الغربية الحضارات الشرقية وخاصة الإسلام. ............................................................. وفى كتابه «جدل الحضارات...ثلاثية الحوار والصراع والتحالف» يخصص الأستاذ السيد يسين القسم الثانى من الكتاب لصراع الحضارات، ويستخدم كدراسة حالة، ظاهرة العداء بين الإسلام والغرب، وهو فى هذا اختار أهم من تصدوا لاكتشاف الآخر الاسلامى باحثا بارزا هو « فرد هاليداى»، أستاذ العلاقات الدولية فى مدرسة لندن للاقتصاد، ولخبرته الطويلة بالعالم الاسلامى العربى والاسلامى وروح الموضوعية التى يتسم بها فى كتاباته، فضلا عن انه أول باحث غربى ألف كتابا عن أحداث الحادى عشر من سبتمبر، التى فجرت مشاعر عدائية صارخة ضد المسلمين والعرب، وذلك فى كتابه « ساعتان هزتا العالم» فى هذا الكتاب ينطلق فرد هاليداى فى كتابه من تفنيد أوهام العداء بين الإسلام والغرب من عدة منطلقات نقدية. ولعل من أهم هذه المنطلقات ضرورة التقييم الموضعى للدور التاريخى الذى تلعبه الأفكار والثقافات والحضارات. وأيا ما كان الأمر فإن هاليداى يشير إلى أن التحليل الثقافى اكتسب أهمية استثنائية بعدما نشر صمويل هنتنجتون كتابه الذائع الصيت الذى أثار جدلا عالميا وهو « صراع الحضارات». ويعقب الأستاذ يسين بأن هاليداى محق فى قوله ان من يريد معادلة جاهزة لتفسير « الصراع الابدى» بين الشرق والغرب لن يجد أفضل من أطروحة هنتنجتون! غير أن البديل لهذه التعميميات الزائفة عن التاريخ والثقافة، هو التحليل الرصين للظواهر المتعددة التى تحدث داخل المجتمعات وللعلاقات التى تنشأ بين الدول. ولكى يدلل هاليداى على مقولاته المنهجية التى تتمثل أساسا فى رصد سلوك الناس لمعرفة ماذا يفعلون فى الواقع، بدلا من تحليل النصوص الإيديولوجية سواء كانت ماركسية لينينية إسلامية، فهو يحلل حالتين نموذجيتين. الحالة الاولى قيام الثورة الإيرانية ( 1978 - 1979 ) والحالة الثانية الغزو العراقى للكويت. وهو ينتقل الى الحالة النموذجية الثانية وهى الغزو العراقى للكويت عام 1990، ويقرر أن هناك اصواتا متعددة وصفت هذا الصراع باعتباره صراعا بين الإسلام والغرب. ورغم هذا فإنه لوحللنا خطاب صدام حسين لوجدناه فى بعض المواضع يستخدم مصطلحات لينين فيهاجم الامبريالية، غير انه فى موضع آخر يستخدم لغة إسلامية ويشير الى الرسول عليه الصلاة والسلام، ويصف المعركة بأنها «جهاد» فى سبيل الله! ويعتقد الأستاذ يسين انه فى ضوء هذه الملاحظات النظرية علينا- إذا أردنا ان ندرس العلاقات بين الإسلام والغرب – سواء كانت علاقات تعاون أم صراع، أن نخوض فى غمار الخطابات الإيديولوجية والسياسية الصاخبة التى عادة ما تصدر عن الدول، لكى نصل إلى رصد السلوك الفعلى للدول، وتشريح دوافعها الحقيقية بعيدا عن صخب الخطاب. ولنأخذ على سبيل المثال الخطاب الامريكى المهيمن الذى صاغته الإدارة الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001. هذا الخطاب اتخذ له عنوانا مدويا هو محاربة « الإرهاب العالمى» وتجفيف منابعه ووقف نموه فى كل ركن من أركان الكرة الأرضية، بالوسائل العسكرية والسياسية والاقتصادية، وابعد من ذلك من خلال التدخل الثقافى. فإذا انتقلنا من مجال تحليل الخطاب الى ميدان تحليل السلوك، فلابد لنا من تفكيك كل من «الإسلام» و«الغرب» لكى نصل الى فهم متعمق لسلوك الدول الإسلامية والغربية بعيدا عن صخب خطاباتها السياسية التى تتبناها. وفى هذا المجال ينطلق فرد هاليداى من ضرورة التركيز – فى مجال تحليل السلوك الواقعى- على الفاعلين الرئيسيين فى العلاقات الدولية وهى الدول. وهكذا يخلص الى نتيجة أساسية مفادها؛ أننا حين نحلل سلوك الدول فى مجال العلاقات الدولية، فليس هناك لا «إسلام» واحد ولا «غرب» واحد. هناك 55 دولة إسلامية أعضاء فى منظمة المؤتمر الاسلامى.وهناك دول مثل إثيوبيا والهند توجد فيها جاليات إسلامية كبيرة. وهناك نحو 16 مليون مسلم فى روسيا. وهناك نحو 60 دولة المسلمون فيها يمثلون أقلية. وكل دولة من هذه الدول لها مصالحها المستقلة، كما ان لها تعريفاتها الخاصة لتقاليدها القومية. وبالتالى لكل منها طريقتها فى الارتباط بالتقاليد الإسلامية، وذلك فيما يتعلق بمجالات الواقع وليس بطنين الخطاب. ولكل منها أيضا سياساتها الخاصة فى مجال العمالة، وبالبنية السياسية، ووضع المرأة ،ومعاملة الأقليات. بعبارة اخرى كل دولة كيان مستقل له ذاتيته الخاصة التى اكتسبها من تاريخه الاجتماعى الفريد. وتلك مسالة واضحة وجلية. وينطبق ذلك على الغرب أيضا، كما يؤكد هاليداى. أنه ليس هناك «غرب» واحد لا من زاوية العلاقات الدولية، ولا من جانب المفاهيم السياسية ، واهم من ذلك ليس هناك غرب واحد لو ركزنا على مجال القيم السياسية، وهى أهم المتغيرات فى مجال المقارنة بين الدول. ويطرح الأستاذ يسين سؤالا: هل سادت فى أوروبا موجة عداء ضد الإسلام باعتباره دينا، أو ضد جماعات محددة من المسلمين وفى ظروف معينة ينبغى تجليتها وإبرازها؟ هذا هو السؤال المحورى الذى يضعه فرد هاليداى فى بداية مناقشته النقدية المثيرة لجذور العداء ضد المسلمين. غير أن لظاهرة العداء ضد المسلمين أسبابا أخرى ثقافية تضاف إلى الأسباب الاقتصادية. ولعل أهمها ان المسلمين المهاجرين فى أنحاء متعددة من العالم، اخذوا فى العقود الأخيرة يعبرون عن أنفسهم ثقافيا، ويمارسون طقوسهم الدينية بشكل علنى لافت للنظر، ويحيون طبقا لتقاليدهم، مما جعل سكان عديد من هذه البلاد يمارسون اتجاهات عدائية ضدهم، لأنهم لم يتعودوا العيش مع الذين يعبرون بوضوح عن تمايزهم الثقافى. وقد يعتبرون أن بعض عاداتهم تتسم بالغرابة بل وبالشذوذ والخروج عن مألوف حياتهم. ولعل المعركة التى دارت حول الحجاب فى فرنسا ومحاولة منع بعض الطالبات المسلمات المحجبات من دخول المدارس الفرنسية دليل على ما نقول. ويمكن القول انه فى عديد من البلاد الأوربية ترد مشاعر العداء ضد المسلمين الى مشكلات الهجرة والبطالة، غير أن هناك أسبابا برزت فى العقود الأخيرة، تتعلق بالإرهاب الذى مارسته جماعات متعددة ، ليست كلها إسلامية التوجه، غير أنها مع ذلك جمعت كلها فى سلة واحدة باعتبارها موجة إرهابية إسلامية. وللتدليل على ذلك يذهب هاليداى أن الموجات الإرهابية التى قامت بها جماعات فلسطينية وخصوصا فى مجال اختطاف الطائرات واحتجاز الرهائن،، كانت توجهاتها علمانية وليست إسلامية، بل إن بعضها كانت توجهاتها ماركسية. من ناحية أخرى فإن هذه الاتجاهات المعادية للمسلمين تجاهلت بتعمد ان هناك جماعات إرهابية أوروبية مثل الالوية الحمراء الايطالية وغيرها لاعلاقة لها البتة بالإسلام.ويظل السؤال إذا كان الوضع هكذا لماذا إذن ينسب الإرهاب للمسلمين وكأنهم هم وحدهم الذين يمارسون الإرهاب فى العالم ؟ وإذا انتقلنا الى الدعاية المضادة للمسلمين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وخصوصا بعد الحادى عشر من سبتمبر، لوجدنا تجاهلا للإرهاب الامريكى الذى مارسته طوال العقود الماضية ميليشيات اليمين الامريكى. لماذا إذن لم تتهم المسيحية التى يدين بها هؤلاء الإرهابيون انها باعثة على الإرهاب. ويطرح هاليداى سؤالا رئيسيا : متى بدأت الأصولية الإسلامية؟ ولنلاحظ اولا لفظ «الأصولية» ابتدعه الخطاب الغربى لوصف حالات التطرف الفكرى الاسلامى، والتى انقلبت فى حالات متعددة لتصبح إرهابا صريحا موجها لبعض الدول الإسلامية بغرض إسقاط نظمها التى توصف بأنها علمانية او بأنها لاتطبق شرع الله. ويعدد هاليداى التهم التى يوجهها المسلمون للغرب والتى تكون فى الواقع مفردات خطاب العداء للغرب، وهى بعبارة أخرى الأسباب الكامنة وراء هذا العداء. ولعل أول هذه الأسباب أن الغرب سبق له أن هيمن على العالم الاسلامى سواء بصورة رسمية من خلال الاستعمار أم بصورة غير رسمية. وفى غير حالات الهيمنة والسيطرة المباشرة فهو يتدخل لغير مصلحة الشعوب الإسلامية والعربية، كما حدث فى الخليج وشمال العراق والجزائر. والسبب الثانى الذى لعله من أهم أسباب العداء هو أن الغرب يحاول تقسيم العالم الاسلامى. ومن بين ابرز أسباب العداء للغرب هو ازدواجية المعايير الخاصة بتطبيق مبادئ حقوق الإنسان، فيما يتعلق بالسلوك الاسرائيلى إزاء الشعب الفلسطينى، والذى يمثل خرقا فاضحا لكل قيم ومعايير حقوق الإنسان . على اي حال فإن الجدل المتجدد حول العلاقة بين الإسلام والغرب قد اكتسب أخيرا أبعادا اشمل وأعمق مع ظهور جماعات التطرف التى تنسب نفسها الى الاسلام وعلى رأسها تنظيم ما يسمى نفسه تنظيم الدولة الإسلامية والذى وصفته بحق وبشكل مسئول «فرديريكا موغرينى» مسئولة العلاقات الخارجية للاتحاد الاوروبى بأنه أسوأ عدو للإسلام فى العالم اليوم وضحاياه من المسلمين، وأن الدين الاسلامى يعتبر ضحية لمثل هذه الجماعات الإرهابية.