تعد العلاقات مع مصر أحد ملامح التغير فى السياسة الخارجية الأمريكية فى عهد إدارة الرئيس ترامب، فالعلاقات بين البلدين تتسم بخصوصية كبيرة ويمكن وصفها بالإستراتيجية التى تنبع من أهمية كلا البلدين للآخر وحجم وتشابك المصالح المشتركة بينهما، وتشمل المحافظة على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية والتعاون والتنسيق العسكرى والأمنى بين البلدين والمرور العسكرى الأمريكى فى قناة السويس والتعاون فى مكافحة الإرهاب، والتى وضعت سقفا وحدودا للتباعد أو التصادم رغم البرود والجفاء فى بعض الأوقات نتيجة لتناقض المواقف بشأن القضايا الإقليمية، أو نتيجة للسياسة الأمريكية تجاه مصر. وفى الوقت الذى تشهد فيها توترا على الصعيد السياسى والدبلوماسى وتبادل الزيارات، فإنها دائما مستمرة على المستوى الإستراتيجى والأمنى والاقتصادى مع تغير الإدارات الأمريكية. شهدت العلاقات حالات من الشد والجذب فى العقد الأخير بسبب قضيتى الديمقراطية وفرض المشروطية السياسية من جانب الكونجرس على المساعدات لمصر، حيث طالبت إدارة بوش مبارك بإجراء إصلاحات سياسية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير وربطت بين المساعدات الاقتصادية وبين الإصلاح وتطوير التعليم، وهو ما رفضه مبارك باعتبار أن الإصلاح قضية داخلية تجرى وفقا للخصوصية المصرية، كما تناقصت تلك المساعدات من 800 مليون دولار إلى نحو 200 مليون دولار وتغير تركيبتها من دعم برنامج الإصلاح الاقتصادى إلى توجيهها صوب التعليم ومنظمات المجتمع المدنى خاصة المنظمات الأمريكية العاملة فى مصر وتوقف مفاوضات منطقة التجارة الحرة، ونتج عن ذلك توتر العلاقات وامتناع مبارك عن زيارة واشنطن منذ عام 2004، بينما ظلت العلاقات الإستراتيجية مستمرة حيث استمرت المساعدات العسكرية لمصر كما هى دون تغيير سواء فى قيمتها أو تركيبتها، والتى تصل إلى 1،3 مليار دولار تتعلق بتزويد مصر بطائرات الإف16 وطائرات الهليكوبتر الأباتشى، والإنتاج المشترك للدبابة أبرامز، كما استمر تعاون البلدين فى مكافحة الإرهاب. وقد شهدت العلاقات تحسنا ملحوظا فى عهد إدارة أوباما خلال فترته الأولى حيث انتهج الواقعية والتخلى عن المثالية وفرض الإصلاح السياسى خلال عهد مبارك، ثم تقاربه مع الإخوان بعد ثورة 25 يناير ودعم حكمهم، لكن العلاقات شهدت توترا وحالة من الجفاء على مستوى الخطاب السياسى خلال فترته الثانية نتيجة لموقفه الملتبس من ثورة 30 يونيو وانحيازه إلى الإخوان المسلمين والضغط من أجل إدماجهم فى العملية السياسية، بل وفرض المشروطية السياسية على المساعدات العسكرية لأول مرة، حينما تم تعليق جزء من تلك المساعدات وتجميد تسليم بعض المعدات العسكرية وربطها بمدى التقدم فى خريطة الطريق التى أعلنتها الحكومة المصرية، لكن التعليق شكل حالة مؤقتة واستثنائية ولم يصل إلى مستوى الصدام أو القطيعة، حيث أفرجت الولاياتالمتحدة عن تلك المساعدات بعد كتابة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ورغم استمرار الجمود السياسى وعدم تبادل الزيارات، إلا أن العلاقات الإستراتيجية استمرت بين البلدين خاصة على المستوى العسكرى والأمنى. ولذلك فى ظل إدارة الرئيس ترامب من المتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين تغيرا وانفراجا ملحوظا على مستوى الخطاب السياسى والدبلوماسى فى ظل العلاقة القوية بين الرئيس السيسى وترامب، وزيارة الرئيس السيسى المقبلة لواشنطن, وتتدفق الوفود الأمريكية المختلفة على مصر، وفى إطار انتهاج ترامب لسياسة الواقعية وعدم تبنى أجندة الترويج للديمقراطية وفرض الإصلاح على الدول الأخرى ومنها مصر، إضافة لزيادة وتيرة التعاون الإستراتيجى والعسكرى، ورفع مستوى التنسيق السياسى حول قضايا وملفات المنطقة وعلى رأسها التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب وخطر التنظيمات الإرهابية مثل داعش وغيرها، والتنسيق لمعالجة الأزمات فى سوريا والعراق وليبيا، حيث يرتكز الموقف المصرى على أهمية الحل السياسى لتلك الأزمات والمحافظة على سيادة الدولة الوطنية ومؤسساتها خاصة الجيش والشرطة. لكن إذابة الجليد السياسى، الذى خلفته سياسة إدارة أوباما، لا يعنى التطابق الكامل فى وجهات النظر بين البلدين، حيث هناك تباين فى بعض المواقف خاصة فيما يتعلق بعملية السلام ورفض مصر وتحذيرها الشديد من مخاطر توجه الإدارة الجديدة لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب القدس بما قد يشعل شرارة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة, كما أن تصنيف الولاياتالمتحدة لجماعة الإخوان كمنظمة إرهابية يخضع لحسابات المصالح والتوازنات داخل الإدارة الأمريكية والتى تتجه نحو توظيف الإخوان كورقة سياسية فى التعامل مع مصر، كما دأبت الإدارات الأمريكية السابقة. وفى كل الأحوال فإن الإطار الذى يحكم العلاقات المصرية الأمريكية بعد ثورة 25 يناير قد تغير بشكل كبير حيث تحول من نمط التبعية فى بعض الأحيان قبل الثورة، إلى نمط الاستقلالية والندية بين البلدين، فالولاياتالمتحدة كقوة عظمى لها مصالحها فى الشرق الأوسط، ومصر كقوة إقليمية تتحرك فى إطار استقلالية سياستها الخارجية وتنوع دوائرها والانفتاح على جميع الدول ومنها روسيا والصين بما يخدم المصلحة القومية ومصالح الشعب المصرى وتعظيم دورها فى قضايا المنطقة. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد