عندما تذكر كلمة «لوبى Lobby» أو «لوبيست Lobbyist» يحضر إلى الذهن المصرى والعربى تلقائيا اللوبى اليهودى والإسرائيلى داخل الولاياتالمتحدة، وهى تلك المنظمات التى تسهر على خدمة المصالح الإسرائيلية. وتحاول هذه المنظمات التأثير على صانعى القرار داخل الإدارة الحاكمة والكونجرس فى واشنطن، وخارجها فى المؤسسات التعليمية والإعلامية بما يخدم مصالح إسرائيل. وتتبنى هذه المنظمات شعارا مهما تدور حوله رسالتها مفاده أن المصالح القومية الأمريكية تتطابق مع نظيرتها الإسرائيلية. وخلال الفترة من1989وحتى2007 استعانت الحكومة المصرية بشركة بانرمان لتسهيل عمل الحكومة المصرية داخل العاصمة الأمريكية من خلال اتصالاته وعلاقاته المتشعبة فى واشنطن. ويدير جرايم بانرمان Graeme Bannerman شركته الخاصة للاستشارات الدولية التى تركز على منطقة الشرق الأوسط، وبالأساس المؤسسات الحكومية والصناعية الخاصة والتعليمية. وقبل تدشين شركته الخاصة فى أواخر الثمانينيات عمل«بانرمان» كمحلل للشئون الشرق أوسطية، كما عمل فى إدارة التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية. وفى الفترة من 1979 إلى1987 عمل ضمن موظفى لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى. وإضافة لمصر وفر بانرمان خدماته لدولة الفلبين وحكومة السلطة الفلسطينية.. وفيما يلى نص الحور الذى أجرته معه «الشروق»: بماذا تفسر آخر التطورات فى الكونجرس الأمريكى من إلغاء المشروطية على المساعدات العسكرية وفى نفس الوقت تخفيض المساعدات الاقتصادية ب200 مليون دولار لتصل إلى 215 مليون دولار فقط فى الميزانية الجديدة المقترحة؟ جرايم بانرمان: إن الميزانية المقترحة هى من السنة المالية المنتهية وتخص الإدارة الأمريكية السابقة، أما إلغاء المشروطية فبادر به الكونجرس الذى يسيطر عليه الديمقراطيون بمجلسيه النواب والشيوخ، بعدما كانت الشروط روتينا أثناء الإدارة السابقة. ويريد الكونجرس أن يعطى الرئيس الأمريكى حرية حركة فى التعامل مع علاقات أمريكا بالخارج. ولا يرى الكونجرس الآن وجود حاجة لفرض شروط على المساعدات. ومن قبل وافقت الحكومتان الأمريكية والمصرية منذ 11عاما على تخفيض فى حجم المساعدات الاقتصادية المقدمة لمصر بمقدار 40 مليون دولار سنويا مما وصل بها من 815 مليونا عام 1998إلى415 مليونا عام2007. ومن جانبها قدمت الحكومة المصرية وتحديدا الوزيرة فايزة أبوالنجا مقترحا للكونجرس بخصوص كيفية التعامل مع مستقبل المساعدات، إلا أن الكونجرس لم يأبه بهذا المقترح المصرى ولم ينظر إليه وتجاهله تماما. وبعد ذلك قرر الكونجرس بشكل أحادى تخفيض المساعدات. وقضية المساعدات هى من القضايا التى ستواجهها إدارة أوباما الجديدة، وسيتم ذلك بصورة مباشرة مع الجانب المصرى. ما سبب العلاقات المتوترة فى الأغلب بين القاهرة والكونجرس فى الوقت الذى تتمتع فيه الحكومة المصرية عموما بعلاقات جيدة مع السلطة التنفيذية كالبيت الأبيض ووزارة الدفاع؟ بانرمان: أختلف على محتوى السؤال، لمصر علاقات ممتازة مع جميع أركان الحكومة الأمريكية فى واشنطن. وطبعا هناك منتقدون لمصر فى الكونجرس كما أن لها أصدقاء كذلك، وللأسف صوت المعارضين يسمع صداه أكثر فى القاهرة. الكونجرس الديمقراطى لم يثق فى إدارة بوش، والآن يثق فى أوباما ويعطيه حرية الحركة اللازمة بإلغائه لشروط المساعدات العسكرية لمصر. وما سبب رفض الكونجرس عقد اتفاقية تجارة حرة مع مصر أسوة بدول أخرى فى المنطقة؟ بانرمان: قضية التجارة الحرة ليست بالأهمية التى تفهمها، وليس هناك ضغوط لتوقيع مثل هذه الاتفاقية الآن من كلا الطرفين، وتراجعت الرغبة فى واشنطنوالقاهرة لها. الاتفاقية شىء مهم، لكنها ليست كل شىء. وبدلا من ذلك تبنت الدولتان اتفاقية QIZ الكويز التى تعود على مصر بمزايا تجارية كبيرة. ولا أستبعد مناقشة اتفاقية التجارة الحرة فى المستقبل. المساعدات الأمريكية كان ينبغى أن تكون عنصرا داعما لعلاقات قوية بين الدولتين، إلا أن العكس هو الصحيح وأصبحت عنصر توتر، فالمصريون يتهمون واشنطن باستخدامها كأداة للتدخل فى الشئون المصرية، وواشنطن ترى أن المصريين لا يقدرون المنح الأمريكية المجانية؟ بانر مان: الاختلاف أساسا فى الثقافة بين الدولتين، المساعدات بدأت بمشروعات تنمية رحب بها المصريون مثل البنية التحتية للاتصالات وشبكات الصرف الصحى، والآن حدث تغيير وتوجه المساعدات لمشروعات دعم الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدنى. التغيير هو أهم الصفات التى لا يتمتع بها المصريون، نحن نغير الإدارة كل أربع سنوات، وكذلك تغير استخدام برامج المساعدات الأمريكية، مصر كانت تريد بقاء الحال كما هو عليه، وهذا الشىء لا يفهم فى واشنطن. التغيير يحدث فى واشنطن بسرعة ويحدث فى القاهرة ببطء. زيارة جمال مبارك لماذا قام جمال مبارك بزيارته الأخيرة لواشنطن؟ وفى هذا التوقيت؟ وهل تعتقد أن مصر ستشهد توريثا سياسيا؟ بانرمان: ليس لدى ما أقوله عن التوريث. أما بخصوص الزيارة فأعتقد أن الحكومة المصرية تحاول استغلال وجود إدارة جديدة وعدت بتغيير علاقات الولاياتالمتحدة مع العالم، وتحاول القاهرة التغلب على الخلافات التى وجدت خلال الثمانى سنوات الماضية، وزيارة جمال تجئ فى هذا الإطار. لماذا بادرت وأنهيت العلاقة مع الحكومة المصرية؟ وكيف كانت طبيعة هذه العلاقات؟ بانرمان: أنا عملت فى وزارة الخارجية منذ زمن طويل، وشاهدت عملية فض الاشتباك الثانى فى شبه جزيرة سيناء عام 1975، ثم عملت لعدة سنوات فى لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ، وكنت أؤمن منذ زمن طويل بأهمية العلاقات المصرية الأمريكية.. إننى عملت لسبعة عشر عاما لمساعدة المصريين فى فهم تعقيدات واشنطن. وأنا لا أتحدث بصوتهم، حيث إن الحكومة المصرية تتحدث بصورة مباشرة للحكومة الأمريكية، أنا فقط أساعدهم فى عرض وجهات نظرهم. والآن أنا أكثر فائدة لمصر، ومن قبل كنت إذا قلت شيئا أو كتبت مقالة يقولون هذا يمثل وجهه النظر المصرية! لذا لم أكتب أو أتكلم كثيرا! الآن أكتب وأتكلم بحرية، بعد انتهاء علاقاتى الرسمية مع الحكومة المصرية، ما أقوله وأكتبه فيخدم مصر كثيرا. عداء واشنطن بوست مع حكومة مصر ما سر هذه العلاقة العدائية الظاهرة من صفحة الرأى بجريدة واشنطن بوست العريقة مع الحكومة المصرية، وكيف يمكن للقاهرة تغيير ذلك؟ بانرمان: إن وراء ذلك أسبابا شخصية محضة ممن يشرفون على هذه الصفحة، ونظرا لاستقلال صفحة الرأى عن مالكى الصحيفة وبقية المحررين، لا يستطيع أحد أن يؤثر فى هذه الصفحة. ونحن نرى صحيفة وول ستريت جورنال بما لديها من تقارير إخبارية بديعة وتقارير اقتصادية دقيقة، إلا أن صفحة الرأى بها محافظة جدا وقريبة من الجمهوريين. ولا يمكن تغيير رأى واشنطن بوست إلا بتغيير الأشخاص العاملين فى هذه الصفحة! وصعب جدا تغيير معتقدات ما يؤمن به القائمون على هذه الصفحة. نحن نتكلم عن جاكسون دييل تحديدا، فما مشاكله مع الحكومة المصرية؟ بانرمان: كما قلت لك هى مشاكل شخصية بالأساس، ولا يمكن حلها بتبادل الآراء والاستماع لوجهات النظر المختلفة. لكن لماذا تركز الصحيفة على أيمن نور وعلى سعد الدين إبراهيم وتتجاهل معتقلى الإخوان المسلمين؟ بانرمان: هناك نقطتان مهمتان فى الإجابة عن هذا السؤال، أولا أسهل كثيرا التركيز على أسماء أشخاص بعينهم مثل أيمن نور أو سعد الدين إبراهيم وجعل القضية تبدو وكأنها إنسانية بحته مقارنة بالتركيز على فئة كبيرة مثل جماعة الإخوان المسلمين. ولا تنس أن لسعد الدين وأيمن نور أصدقاء كثيرين على المستوى الشخصى فى واشنطن على العكس من جماعة الإخوان المسلمين التى لا يستطيع أحد فى واشنطن تسمية أى من معتقليها. ثانيا، صورة الإخوان فى واشنطن سيئة، أو دعنى أقول إنها لا تتمتع بصورة طيبة فى الأوساط الأمريكية بصفة عامة. مستقبل العلاقات مع مصر لماذا لم يذكر الرئيس أوباما قضية الديمقراطية والإصلاح فى الشرق الأوسط حتى الآن؟ الأمريكيون مثل المصريين يتطلعون لمجتمع وممارسات أكثر ديمقراطية بمصر، وإدارة أوباما ستستمر فى التطلع لمصر أكثر ديمقراطية لكن بطريقة مختلفة عن طريقة الإدارة السابقة. إدارة أوباما ستتحدث عن هذه القضايا بطريقة مختلفة ودون تدخل فى شئون الغير. طريقة بوش أضرت بالتطور الديمقراطى فى المنطقة العربية، والحرب فى العراق والصراع العربى الإسرائيلى لهما أثر سلبى فى رد الفعل على ما تطالب به واشنطن الدول العربية. وماذا على القاهرة فعله الآن؟ بانرمان: على المصريين تذكير الأمريكيين بأهمية العلاقات، وهناك علاقات إستراتيجية عسكرية بين الدولتين وهناك تسهيلات كثيرة تقدمها مصر، ويجب أن تقوم بتذكير واشنطن بذلك باستمرار، كما أن على مصر تذكر أنها تتلقى مساعدات كبيرة من الولاياتالمتحدة. وهناك فرصة جيدة لمصر الآن حيث إن الإدارة الحالية عكس سابقتها على استعداد للاستماع للآخرين. وعلى مصر الاستمرار فى إيصال صوتها للإدارة الجديدة، وغرفة التجارة المصرية الأمريكية تقوم بدور مهم فى هذا الصدد، إذ إنها ترسل بعثات سنوية لمقابلة مسئولين ومقربين من الإدارة الأمريكية ومن الكونجرس ومراكز الأبحاث. لماذا توجد إسرائيل فى معظم ملفات العلاقات المصرية مع واشنطن؟ وماذا عن مقولة أن بوابة واشنطن تبدأ من تل أبيب؟ بانرمان: قد يكون هذا الكلام صحيحا عندما بدأت العلاقات بين البلدين عقب حرب أكتوبر، إلا أن الوضع يختلف الآن. وعلى مدار السنوات الثلاثين الماضية عملت القاهرة على التخلص من هذا الارتباط ونجحت لحد كبير، وأعتقد أن هذا الاتجاه سيزيد فى ظل إدارة أوباما. هل ضعف دور مصر الإقليمى فى نظرك؟ وهل تدرك ذلك واشنطن؟ بانرمان: لا لم يضعف دور مصر الإقليمى، لكن هناك عدم إدراك أمريكى لاستمرار هذا الدور وأهميته. على الحكومة المصرية تذكير الأمريكيين به طوال الوقت، ولا يجب أن تأخذ الحكومة المصرية إدراك الأمريكيين لأهمية دورها كمسلمات ثابتة. يجب أن تذكر القاهرةواشنطن باستمرار بما تقدمه من خدمات فى عبور السفن الأمريكية قناة السويس والتسهيلات العسكرية الأخرى.