يمثل قرار الرئيس أوباما بالإفراج عن بعض المساعدات العسكرية المجمدة لمصر تحولا مهما فى السياسة الأمريكية تجاه التفاعلات المصرية, وتعكس العلاقة الإستراتيجية بين البلدين. فبعد ثورة 30 يونيو فرضت الإدارة الأمريكية والكونجرس المشروطية السياسية لأول مرة على المساعدات العسكرية السنوية والمقدرة ب1.3 مليار دولار, والتى تتلقاها مصر منذ عام 1979, حيث حظرت تسليم مصر 12 طائرة إف 16 كان مقررا تسليمها بنهاية عام 2013, وفقا للصفقة المبرمة بين البلدين فى 2010, وكذلك حظر تسليم بعض قطع غيار الدبابات أبرامز التى يتم إنتاجها فى مصر بالاشتراك مع الولاياتالمتحدة, وكذلك بعض طائرات الأباتشى وبعض أنظمة التسلح الأخري, وربطت الإفراج عن تلك الأسلحة بمدى التقدم فى خريطة الطريق المصرية وإجراء الاستحقاقات الانتخابية, والحفاظ على معاهدة السلام ومحاربة الإرهاب فى سيناء، وهو ما شكل تحولا خطيرا فى ثوابت الولاياتالمتحدة تجاه مصر ومصالحها الحيوية معها، حيث يعد الحفاظ على حجم وطبيعة المساعدات العسكرية تأكيدا للواقعية والمصالح الأمريكية وارتباطا بدور مصر الإقليمى فى حفظ الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب. وعلى خلاف المساعدات الاقتصادية السنوية التى تعرضت للتغيير سواء فى حجمها, حيث تناقصت من 815 مليون دولار عام 1998 إلى 415 مليون دولار عام 2008 ثم إلى 250 مليون دولار بنهاية فترة بوش الابن, أو طبيعة تركيبتها وأوجه إنفاقها، حيث تحول جزء كبير منها لدعم الديمقراطية والإصلاح السياسى فى مصر وتمويل منظمات المجتمع المدني, حتى المنظمات غير الحكومية غير المسجلة رسميا لدى الحكومة المصرية مما أثار التوتر بين البلدين أكثر من مرة, لكن كان هناك حرص من جانب الإدارة على الحفاظ على حجم المساعدات العسكرية, بل عندما سن الكونجرس الأمريكى العديد من التشريعات لفرض المشروطية عليها سواء بالتجميد أو التقليل أو القطع وربطها بخطوات الحكومة المصرية فى مكافحة عمليات التهريب عبر الأنفاق بين غزة وإسرائيل, استخدمت الإدارة الأمريكية صلاحية التنازل عن شروط الكونجرس حول المساعدات العسكرية لارتباطها بمصالح الأمن القومى الأمريكى والمصالح المشتركة بين البلدين. ولذلك كان قرار المشروطية على المساعدات العسكرية بمثابة وضع شاذ واستثنائى فى السياسة الأمريكية تجاه مصر وثوابتها منذ أكثر من ثلاثة عقود ومساعيها لتحقيق التوازن بين اعتبارات المصلحة واعتبارات الديمقراطية، ورغم أن تشريعات الكونجرس فرضت إطارا لتلك العقوبات, إلا أنه كان بإمكان الإدارة الأمريكية تجنب هذا القرار وفقا للصلاحيات التى تحظى بها وتتعلق باعتبارات الأمن القومى الأمريكي، وبالتالى فإن الخطوة الأخيرة تحمل العديد من الدلالات: أولا: أن قرار الإفراج عن المساعدات العسكرية جاء ليصحح وضعا خاطئا استمر لأكثر من عامين وترك آثارا سلبية على المصالح الأمريكية فى مصر والمنطقة, وعلى الشركات الأمريكية لإنتاج الأسلحة والعاملين فيها بعد تجميد صفقات الأسلحة المقرر تسليمها. ثانيا: أن الدور الذى لعبته مصر فى محاربة الإرهاب فى سيناء وفى تدمير أنفاق التهريب بين غزةوسيناء, وكذلك دورها فى محاربة الإرهاب فى ليبيا واليمن وفى المنطقة, دفع الإدارة الأمريكية إلى مراجعة سياستها ومواقفها خاصة بعد الخطوات التى اتخذتها الحكومة المصرية فى إنجاز استحقاقات خريطة الطريق, وأبرزها الدستور الجديد والانتخابات الرئاسية, ومن المقرر الانتهاء من الانتخابات البرلمانية هذا العام, ولذلك لم تعد هناك مبررات لاستمرار شروط الكونجرس على تلك المساعدات, كما تحافظ مصر على معاهدة السلام, وهو ما يعطى المرونة للإدارة للإفراج عن تلك المساعدات. ثالثا: توجه مصر لتنويع مصادر التسلح سواء من جانب روسيا أو من فرنسا بعد إبرام صفقة طائرات الرافال الأخيرة, أثار حالة من القلق والانزعاج لدى الإدارة الأمريكية وخشيتها من تآكل نفوذها وتراجع مبيعات الأسلحة لمصر, خاصة بعد الدعم الخليجى الكبير لمصر وتعويضها عن تجميد المساعدات الأمريكية سواء العسكرية أو الاقتصادية, وهو ما شكل عاملا ضاغطا باتجاه الإفراج عن الأسلحة خاصة طائرات الإف 16 وطائرات الأباتشى التى تلعب دورا مهما فى محاربة الإرهاب. ورغم أن قرار الرئيس أوباما الأخير لا يعنى الإفراج الفورى عن المساعدات العسكرية وأنظمة التسليح لمصر, حيث ينبغى على الإدارة أن تقدم شهادة للكونجرس الأمريكى حول استيفاء مصر لشروط المساعدات, إلا أن موقف الإدارة ومراجعة سياستها, إضافة إلى وجود اتجاه كبير داخل الكونجرس خاصة من الجمهوريين مؤيد لاستمرار المعونات ومعارضته فى السابق تجميدها، من شأنه التعجيل بتسليم أنظمة التسلح لمصر، كما أن القرار بتغيير تركيبة المساعدات العسكرية ابتداء من عام 2018 وتحويل معظمها باتجاه محاربة الإرهاب والأمن البحري, ليس أمرا جديدا مع ثوابت الإدارة فى الحفاظ على أمن إسرائيل ووجود ضغوط من اللوبى اليهودى وبعض أعضاء الكونجرس المؤيدين لإسرائيل, لكنه لن يكون ذى تأثير كبير مع تنويع مصر لمصادر تسليحها, ومع حرص الإدارات الأمريكية, سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، على الحفاظ على العلاقات العسكرية القوية مع القاهرة، مما يفرض دائما حدودا للتغيير فى السياسة الأمريكية تجاه مصر وهو دائما ما يكون فى الأدوات وليس الأهداف. لمزيد من مقالات د . أحمد سيد أحمد