عندما صرح الرئيس أوباما عقب اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة بأن مصر ليست عدوا ولا صديقا , رد عليه الرئيس مرسي في حديث لصحيفة النيويورك تايمز بان مصر لا تعادي الغرب ولن تكون تابعا, ويكشف التصريحان عن بداية تغير حقيقي في طبيعة وحدود العلاقة بين الدولتين. فقد اتسمت السياسة الأمريكية تجاه مصر طوال العقود الأربعة الماضية بأنها ارتكزت علي وجود مصالح مشتركة تمثلت في دور مصر الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط كدولة حليفة معتدلة في مواجهة الدول التي تعادي المصالح الأمريكية, والحفاظ علي معاهدة السلام مع إسرائيل والتي أدت إلي تقديم واشنطن لمصر مساعدات سنوية عسكرية بقيمة13 مليار دولار واقتصادية بمليار دولار, حيث انخفضت الأخيرة إلي ما يقارب250 مليون دولار بينما بقيت المساعدات العسكرية كما هي, ورغم حالات الشد والجذب خاصة إبان عهد الرئيس بوش الابن بعد أحداث11 سبتمبر والحرب علي الإرهاب وتباين مواقف الدولتين في العديد من القضايا, إلا أن العلاقات بينهما ظلت محكومة بسقف محدد يمنع تصاعدها, حيث طور البلدان آليات لاحتواء أي خلافات تنشب بينهما, ولذلك ظل التغير في السياسة الأمريكية تجاه مصر علي مستوي الآليات حيث تغير مضمون الخطاب الدبلوماسي الأمريكي وأصبح أكثر خشونة بعد أن اعتبر بوش أن غياب الديمقراطية في مصر قد وفر البيئة المواتية لنمو الإرهاب في العالم والذي أفرزته احدث11 سبتمبر, ولذلك مارس العديد من الضغوط علي القاهرة وربط المساعدات والمعونات الاقتصادية بقضية الديمقراطية والإصلاح السياسي وطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير, وهو ما رفضه النظام السابق تحت زعم أن الديمقراطية لا تفرض من الخارج ولذلك أصاب الجفاء علاقات الدولتين لكن دون أن يؤثر علي مصالحهما الاستراتيجية. وفي فترة أوباما حدث تغير في آليات السياسة الأمريكية, حيث تخلت الإدارة الأمريكية عن استخدام المشروطية السياسة في المعونات وفرض الديمقراطية من الخارج وانتهجت سياسة دبلوماسية أكثر نعومة مع مصر في دعم مسيرتها الديمقراطية, وفي كل الأحوال اتسمت العلاقة بينهما بما يشبه التبعية التي كرستها انحسار دوائر السياسية الخارجية المصرية في الدائرتين الأوروبية والأمريكية وإهمال مناطق العالم الأخري, كما أن العامل الأساسي في تلك التبعية هو أن النظام الدكتاتوري السابق كان يعتمد في شرعيته, ليس علي الشرعية الشعبية, وإنما علي دعم الولاياتالمتحدة في استمرار نظامه بل لنيل مساندتها في تمرير مشروع التوريث. لكن بعد ثورة يناير ودخول مصر مرحلة التحول الديمقراطي الحقيقي انتفت الورقة التي كان يوظفها الأمريكان جيدا ضد النظام السابق والضغط عليه بقضية الإصلاح السياسي للانصياع وتمرير مواقف معينة مثل الضغط علي الفلسطينيين في عملية السلام أو تحجيم التقارب مع إيران, فالآن الرئيس المصري يستمد شرعيته واستمراره من الإرادة الشعبية وصندوق الانتخابات وهو ما يعزز موقفه ويجعله في موقف الندية والاستقلالية في السياسة الخارجية مع الدول الكبري بشكل عام والولاياتالمتحدة بشكل خاص, وهذه الشرعية الجديدة تمنحه القدرة علي تصحيح الخلل في العلاقة مع الولاياتالمتحدة من منطق التبعية إلي منطق الاستقلالية والتعاون المتبادل, وهوما ينبغي أن تدركه الإدارة الأمريكية سواء مع الديمقراطيين إذا استمر أوباما في الحكم أو جاء الجمهوريون مع ميت رومني, لكن هذا التغير له حدود فالاستقلالية لا تعني العداء لأن هناك تشابك في مصالح الدولتين, فالولاياتالمتحدة تعي جيدا دور مصر وأهميتها كفاعل إقليمي خاصة بعد ثورات الربيع العربي, كما أن السياسة الأمريكية تتسم بالبرجماتية فلا يهمها طبيعة النظام السياسي الحاكم في مصر وتوجهاته الأيديولوجية خاصة مع سيطرة التيار الإسلامي, بقدر ما يهمها الحفاظ علي مصالحها, بل إنها ستكون أكثر تعاونا مع التيار الإسلامي للاتساق مع سياستها الخارجية بأنها داعمة للديمقراطية وإرادة الشعوب في العالم, وفي المقابل فإن مصر لديها مصالح جوهرية مع الولاياتالمتحدة سواء في الجانب الاقتصادي والاستفادة من الاستثمارات والسوق الأمريكية أو توظيف دورها في عملية السلام للضغط علي إسرائيل لتقديم تنازلات جوهرية لإنجاز تسوية عادلة وشاملة ودائمة تفضي إلي استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وعلي رأسها إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. وهناك متغير جديد علي مستوي النظام الدولي حيث لم تعد أمريكا هي القطب الأوحد في العالم مع صعود أقطاب جديدة فاعلة في حركة العلاقات الدولية مثل روسيا والصين وأوروبا بما يزيد من هامش الحركة والمرونة في السياسة المصرية تجاه الولاياتالمتحدة, واستنادا إلي تلك المتغيرات الجديدة فإن السياسة الأمريكية تجاه مصر سوف تتغير ليس فقط بسبب الموقف المصري وإنما أيضا من فهم واستيعاب التغيرات التي أفرزتها ثورة يناير لتكون العلاقة الجديدة بين الدولة الإقليمية والدولة الكبري ترتكز علي الندية والاستقلالية وتتخلي الإدارة الأمريكية عن آليات الضغط وفرض مواقفها إلي الحفاظ علي استراتيجية المصالح المشتركة. المزيد من مقالات احمد سيد احمد