فى المؤتمر الصحفى (الرومانسي) للرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو توقف نيتانياهو عند معرفته القديمة بالرئيس الأمريكى وكثير من أعضاء إدارته الجديدة بما يعكس صفحة جديدة لعلاقات الدولتين بعد توتر وخلافات حادة مع إدارة أوباما. لكن نيتانياهو توقف بشكل خاص عند زوج ابنة ترامب (جاريد كوشنر 31 سنة) الذى أصبح كبيرالمستشارى الرئيس وعهد إليه بملف عملية السلام فى الشرق الأوسط. السبب أن نيتانياهو كان يعرفه منذ كان صبيا صغيرا وكان يبيت فى منزل عائلته. لكن الامر يمتد إلى توافق سياسى انعكس فى عمل أسرة كوشنر لدعم المستوطنات الإسرائيلية والتبرع لها. و جاريد يهودى أرثوذكسى من المؤمنين بالمستوطنات والداعمين الأقوياء لإسرائيل رغم أنه لم يُعرف عنه من قبل انخراطه فى العمل السياسي. الأمر نفسه ينطبق على آخرين من بينهم دافيد فريدمان محامى ترامب الذى اختاره سفيرا جديدا لدى إسرائيل، ومواقفه أكثر تشددا من الحكومة الإسرائيلية ذاتها، فالسفير القادم أعلن تطلعه للعمل فى «القدس ... عاصمة إسرائيل الأبدية». ليس مدهشا إذن فى ظل هذه التركيبة الجديدة للإدارة الأمريكية أن يتراجع ترامب عن حل الدولتين باعتباره هدفا توافقت عليه الإدارات السابقة. لكن مالم يقله ترامب ولا نيتانياهو هو: ما البديل؟ هنا يتحدث بعض "المتفائلين" من الجانب العربى عن "الدولة الواحدة" الديمقراطية العلمانية لتسوية المشكلة الفلسطينية. لكن إسرائيل أيضا لن تقبل بهذا الحل لسبب بسيط، فهو يتعارض مع الهدف المعلن بأن تكون "دولة يهودية"، بل إن وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان تحدث صراحة عن عرب إسرائيل ذاتهم بإمكانية نقلهم (اللفظ المهذب لطردهم) من بيوتهم إلى المناطق الفلسطينية، فكيف يمكنهم القبول بضم ملايين جدد من غير اليهود بما يهدد الطبيعة اليهودية للدولة؟ كما أن وجود الفلسطينيين ضمن إسرائيل دون حق التصويت الديمقراطى وفى ظل قوانين مختلفة سيمثل قضية تمييز عنصرى (أبارتهايد) يستحيل أن تنجح طويلا، وماتجربة جنوب إفريقيا ببعيدة. إذن مالبديل؟... المبعوث السابق للسلام جورج ميتشيل يقول إن الأطراف المختلفة سوف تعود لاحقا لحل الدولتين باعتباره الأكثر منطقية لتسوية المشكلة. لكن مع إدارتى ترامب ونيتانياهو فإن كون الحل منطقيا لايعنى بالضرورة أن يكون مقبولا، فما هو المطروح إذن بالمنظور الإسرائيلى الذى يبدو الآن أمريكيا أيضا؟. طرحت هذا السؤال على الكثيرين من بينهم المبعوث السابق دينيس روس الذى أعرب عن اقتناعه بأن نيتانياهو يريد حل الدولتين، ولما أشرت للتوسع الاستيطانى غير المفهوم الذى يقضى على هذا الحل قال إنه فقط يعبر عن افتقاد النظرة البعيدة للحكومة الإسرائيلية. لكننى شخصيا استبعد هذا التفسير لأنه يتناقض حتى مع الأهداف المعلنة لأعضاء بارزين فى حكومة نيتانياهو. طرحت السؤال أيضا على الخبير الأمريكى ماكس بلومنثال الذى أمضى سنوات فى إسرائيل نشر بعدها كتابه المهم (جالوت..الحياة والنفور فى إسرائيل الكبري) فقال: "إن خطط اليمين الإسرائيلى تتجه لضم المنطقة (ج) التى تمثل 60٪ من أراضى الضفة وبها أكبر المستوطنات وأقل نسبة من الفلسطينيين.. أما سكان المنطقة (أ) الكثيفة السكان فيتم منحهم الجنسية الأردنية. بالنسبة للقدس فقد تم وضع نسبة 72٪ كأغلبية يهودية مع الاستمرار فى هدم منازل الفلسطينيين.» لم يكن هذا السيناريو سهل التحقيق فى ظل إدارة أوباما أو لو نجحت هيلارى كلينتون فى الانتخابات الأمريكية، لكن كثيرا من الإسرائيليين يعتقدون الآن بأن عهدا جديدا قد بدأ لتحالف اليمين فى الدولتين. يرجح أيضا من هذا السيناريو العمل المتسارع لنشر المستوطنات فى المنطقة (ج) وهدم مابها من بيوت فلسطينية. لكن ماذا عن المنطقة (أ) و(ب) بما فيهما من كثافة سكانية؟ هنا لابديل عن حلين: الأول: تهجير السكان الفلسطينيين إلى الأردن أو أى دولة مجاورة لكنه يظل صعبا حتى لو بقى هدفا لليمين المتطرف. الثانى أن يتم ضم الأرض وليس السكان، وهذا يبدو الحل الأسهل (إسرائيليا) على الأقل فى المستقبل المنظور. وإن لم يكن الضم الرسمى ممكنا بما يفتح اسئلة غير مرغوب فيها عن التمييز العنصري، فإنه يمكن الاكتفاء (الآن) بفرض السيطرة أمنيا وعسكريا بما يعود بنا لمفهوم "الحكم الذاتي" الذى بدأت به كامب دافيد. وبهذا يمكن اختزال الحل الإسرائيلى فى الضم العملى للضفة الغربية دون أن تكون تهديدا ديموغرافيا لتركيبتها السكانية. مايجعل إسرائيل أكثر اقتناعا الآن بهذا السيناريو هو ما أعلنه نيتانياهو صراحة بأن هناك واقعا جديدا فى العلاقات الإسرائيلية العربية وصفه ب «التحالف المتزايد»، لمواجهة تهديدات مشتركة (إيران والإرهاب الإسلامى الراديكالي). لكن يبقى أن تلك الدول رغم تقاربها الكبير مع إسرائيل لم تقل بعد كلمتها الأخيرة (علنا) بالنسبة لهذه الأطروحات، ولم يعد ممكنا أن تكتفى بالصمت بعد أن اقتربت لحظة الحقيقة. لمزيد من مقالات محمد السطوحى