على مدى أسبوعين، عشت فى أجواء المعركة الدائرة حول «الطلاق الشفهى».. حوارات ومناقشات.. قراءات ولقاءات.. ردود وتعليقات.. شهدتها أو كنت طرفا فيها مع فقهاء أجلاء وأصدقاء وزملاء فضلاء.. لا سيما بعد ما كتبته هنا يوم الأربعاء أول فبراير تحت عنوان «هؤلاء يجددون الخطاب الدينى» مدافعا عن وجهة النظر الفقهية التى تدعو إلى عدم الاعتداد بالطلاق الشفهى فى الزيجات الرسمية.. حتى جاء بيان هيئة «كبار العلماء» فى الأزهر يوم الأحد 5 فبراير رافضا هذا الرأى بشكل قاطع. فى مقالى ذاك، كنت قد طالبت بإنشاء لجنة لتجديد الخطاب الدينى بالكامل تضم الدكاترة سعد الدين هلالى وآمنة نصير وأسامة الأزهرى، وقلت إن دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى إصدار قانون بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهى إلا بتوثيقه، تعد هى الطلقة الأولى فى حرب تجديد الخطاب الدينى، لكن خروج الطلقة الأولى فى المعركة لا يعنى أنها ستكون بلا رد.. هكذا قلت.. وقد جاء بالفعل الرد.. لذا قررت أن أرتدى هنا ثوب المراسل الصحفى العسكرى، لأنقل لك 10 برقيات عاجلة من أرض المعركة. (1) «أنتِ طالق» كلمتان كبيرتان، رهيبتان، عشنا دهرا مقتنعين بأن مجرد التلفظ بهما بوعى وإرادة يعنى «شرعا» وقوع الطلاق، فكيف نقنع الناس بعكس ذلك؟.. السؤال صعب لكن له إجابات وليس تعجيزيا. (2) من ذا الذى يتحمل ذنبا دينيا بحجم أن يقود الناس إلى أن تعيش فى الحرام؟.. هكذا يفكر العقلاء ثم يبدأون البحث بهدوء ليقتنعوا أو يرفضوا.. لكن كثيرين لم يفعلوا. (3) من الضرورى أن تصبح القضية تساؤلا دينيا وفقهيا مطروحا على المجتمع وليس سياسيا.. هكذا قلت لنفسى، لكن كثيرين لم يفعلوا. (4) بعض من أسرفوا على أنفسهم ومجتمعهم - فى السابق- بتأييد فج ممجوج للنظام بلغ حد الترحيب بأن يكونوا «ملك يمين»، عادوا الآن ليصبحوا معارضين، ويرفضوا الفكرة الجديدة قائلين بسخرية: «هيا بنا نعيش فى الحرام».. هو تطرف فى كل اتجاه.. عافانا الله. (5) بعض من سموا أنفسهم زورا وبهتانا «تيارات إسلامية» انبروا - فى السابق- مهاجمين الأزهر الشريف عندما اتخذ موقفا سياسيا ضدهم، لكنهم عادوا الآن ليشيدوا بما سموه «صمود العلماء أمام محاولة تغيير الشريعة».. هى الانتهازية السياسية فى أحط صورها.. لكن من يصدقهم؟!. (6) بيان هيئة «كبار العلماء» الذى أكد أن الطلاق الشفهى يقع، استخدم عبارة واحدة فقط للدفاع عن رأيه، وهى أن ذلك «هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى صلَّى الله عليه وسلَّم».. وفى المقابل، اشتمل البيان على فقرتين كاملتين لتحذير الناس مما سماها «الفتاوى الشاذة التى ينادى بها البعض».. إذن فقد اهتم البيان بالرد على الأشخاص لا الأفكار.. ولم يوضح الأسانيد الشرعية لفكرته، أو يهدم أسس الفكرة المقابلة.. فهل بهذا تتجدد الأفكار؟!. (7) بعد نشر مقالى السابق، اتصل بى أستاذنا الفقيه الدكتور سعد الدين هلالى، وهو صاحب الدراسة المهمة المنشورة بعنوان «فقه المصريين فى إبطال الطلاق الشفوى للمتزوجين بالوثائق الرسمية».. ودار حديث طويل أوضح فيه أن كل ما جاء فى التراث عن كيفية وقوع الطلاق هو آراء فقهاء يمكن تغييرها وفقا لتغير الظروف.. قلت له فى النهاية نصا: «إذن يا دكتور، هل نستطيع أن نقول إنه لا يوجد نص دينى قاطع يحدد الكيفية التى يقع بها الطلاق دون غيرها؟».. رد قائلا: «الله يفتح عليك». (8) من الخطأ أن نقول إن الدكتور هلالى يتبنى هذا الموقف بمفرده، أو أنه يمضى وحده، فهو وإن كان صاحب أول كتاب منشور فى القضية، إلا أن الشيخ خالد الجندى اقتنع بالفكرة عندما سمعها منه، وقام بالدعوة إليها عبر برامجه الإعلامية، بل إنه أقام دعوى فى مجلس الدولة لإلزام رئيس الوزراء وشيخ الأزهر باعتبار توثيق الطلاق شرطا لوقوعه. (9) أرسل لى الشيخ مظهر شاهين - قبل نشر المقال الأخير وليس بعده- مقطع فيديو يتضمن مداخلة تليفزيونية قال فيها: «القرآن الكريم تكلم تفصيليا عن كل ما له علاقة بالطلاق ماعدا أمرا واحدا وهو كيفيته.. لا توجد آية قرآنية واحدة توضح كيفية الطلاق وما إذا كان شفهيا أم تحريريا.. الطلاق الشفهى مفسدة عظيمة.. والقاعدة الفقهية تقول إنه أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله». (10) اتصلت بأستاذتنا النائبة الدكتورة آمنة نصير وسألتها، فقالت: «منذ بداية الأمر قلت إننى سأوافق على ما ينتهى إليه أعضاء اللجنة الدينية فى مجلس النواب، فمعظمهم أزهريون، فليتحملوا المسئولية أمام الله وأمام المجتمع. أما أنا فمجالى هو الفلسفة التى أعتز بها».. لكنها تحدثت حديثا مريرا حول تجديد الخطاب الدينى عموما فقالت: «لا سامح الله كل من وقف عقبة فى هذا الطريق. منذ عام 1999 طرحت تساؤلا فى مجلس جامعة الأزهر لم أتلق إجابة عنه حتى الآن وهو: هل نحن قادرون على ألا نقتلع من جذورنا وألا نغترب عن عصرنا؟».. نقلت لها اقتراحى حول إنشاء لجنة لتجديد الخطاب الدينى بمشاركتها فقالت: «حأوفر عليك. مش حيقدروا يتحملوا»!. أخيرا أقول.. إننى لست فقيها.. لكننى إنسان أقنعته فكرة.. بالشرع والعقل والقانون وجدتها مقنعة.. فكيف لا أدافع عنها؟!.. لماذا نصادرها؟!.. لماذا لا يطلع الناس عليها؟.. يقرأون ويفكرون ثم يقررون.. هل هذا صعب جدا؟.. هل هو أمر مستحيل؟!. لمزيد من مقالات محمد شعير