الساعة الواحدة إلا عشر دقائق ظهر يوم الثلاثاء 24 يناير، أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى -فى خطاب الاحتفال بعيد الشرطة- دعوة إلى إصدار قانون بعدم الاعتداد بالطلاق الشفوى إلا إذا تم توثيقه رسميا، وذلك فى إطار سعى الدولة للحفاظ على الأسرة فى المجتمع. عندئذ، قلت لنفسى إن هذه الدعوة تعد هى الطلقة الأولى فى حرب تجديد الخطاب الدينى، التى كان الرئيس قد دعا إليها مرارا، ولكن دون نتائج ملموسة حتى الآن. لذا فالواضح أنه قد قرر التصدى بنفسه للمسألة، خاصة أنه قال يومها لشيخ الأزهر «ممازحا»: «تعبتنى يا فضيلة الإمام». ولكن.. هنا ثارت تساؤلات مشروعة.. وجهها البعض لى ممن أعرف محبتهم وتقديرهم للرئيس.. قائلين إن الطلاق أمر دينى وهناك قواعد شرعية تنظمه.. فما هو الأساس الشرعى الذى استند إليه الرئيس فى دعوته؟.. سأحاول مناقشة ذلك وفق ما تسمح به المساحة.. لكن اطمئن.. فتأكد أنك خلال الفترة المقبلة ستقرأ وتسمع كثيرا.. وستعرف وجهات النظر المتباينة.. فالأمر ليس حدثا عابرا أو شيئا يسيرا.. وخروج الطلقة الأولى فى أى معركة لا يعنى أنها ستكون بلا رد.. فتابع معى إذن الأجواء التى سبقت الحرب؛ حرب التجديد. بعد 35 دقيقة من انتهاء خطاب الرئيس، أصدر العالم الفقيه الدكتور سعد الدين هلالى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر بيانا، نشره على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك»، توجه فيه بالشكر والتقدير للرئيس السيسىتعلى استجابته لما طالب به مرارًا وتكرارًا على مدى عامين، موضحا أنه قام بعمل دراسة شاملة للموضوع منذ عام 2015، نشرت فى كتاب تحت عنوان «فقه المصريين فى إبطال الطلاق الشفوى للمتزوجين بالوثائق الرسمية»، ضم كل الأسانيد والأدلة الفقهية التى يستند لها هذا الرأى، وهو أول كتاب منشور يبرز هذه القضية فى تاريخ المسلمين المعاصر، كما توجه بالشكر للشيخ خالد الجندى على قيامه بحملة إعلامية ناجحة لدعم هذا الرأى، ثم نشر الدكتور «هلالى» على صفحته بعد يومين نص الدراسة الفقهية. السؤال الأول الذى طرأ على ذهنى وقتها كان سؤالا صحفيا افضولياب كالعادة.. تلك آفة حارتنا التى لا نكرهها كثيرا طالما التزمت بالأخلاقيات.. السؤال هو: هل التقى الرئيس الدكتور سعد الدين هلالى واستمع منه مباشرة إلى رؤيته الفقهية فى هذا الموضوع المهم؟.. سألت مصادرى فلم أحصل على إجابة قاطعة، لكن الرد الذى جاءنى كان كالتالى: «الدكتور هلالى» عبر عن فكرته فى وسائل الإعلام مرارا، ونشر حولها كتابا، طبعت منه آلاف النسخ، وقد وصل هذا الكتاب إلى مختلف النخب فى المجتمع!. هذه الإجابة تكفينى.. ولكن ما الذى يحويه الكتاب؟. تعجز السطور هنا بالطبع عن استيعاب مضمون الكتاب، وهو دراسة فقهية مقارنة، استعرض فيها الدكتور سعد الدين هلالى كل ما يرتبط بالطلاق من حيث تعريفه وأحكامه العامة، وأصول وقوعه. وهو يقول إن من أهم الفتاوى المتجمدة التى توقف فيها عقل أوصياء الدين عند زمن ما قبل الأول من أغسطس سنة 1931 هى الفتوى بوقوع الطلاق الشفوى على الزوجة التى تم توثيق عقد زواجها رسميًا فى سجلات الدولة، ففى هذا التاريخ صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التى بدأ بموجبها التوثيق الرسمى للزواج، بشكل متدرج. ويوضح أن الزوجة بموجب هذا التوثيق لا يمكن أن تبدأ عدة الطلاق إلا من يوم تحرير طلاقها رسميًا، كما أن الزوج لا يملك الزواج بخامسة إذا كان على ذمته رسميًا أربع نسوة حتى ولو زعم طلاقهن شفويًا. وهو ما يعنى أن الزوج بتوثيقه عقد زواجه رسميًا كأنه قد اشترط على نفسه ألا يحدث طلاقًا شرعيًا إلا بالتوثيق الرسمى، وهو ما يجعل طلاقه الشفوى لغوًا؛ لا يعتد به، عملًا بما أخرجه البخارى عن عقبة بن عامر من أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اأحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما «ستحللتم به الفروج»؛ خاصة أن تعريف الطلاق عند الفقهاء هو «حل رباط الزوجية بلفظ الطلاق ونحوه»، وليس مجرد التلفظ بالطلاق. ويكشف الكتاب عن مفاجأة مفادها أن كثيرا من الفقهاء المعاصرين قد أيدوا هذا الرأى، ومنهم الشيوخ على عبد الرازق وعلى الخفيف وأحمد نصر الدين الغندور والدكتور أحمد عبد الرحيم السايح، بل يكشف أن الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الجامع الأزهر الأسبق كان قد تقدم بمذكرة علمية إلى مجمع البحوث الإسلامية آملًا أن يصدر القرار بعدم احتساب الطلاق الشفوى للمتزوجين رسميًا، إلا أن صوت الأوصياء كان هو الأقوى، وفقا للكتاب. أخيرا.. لا أريد التوقف عند بعض التراشقات بتصريحات أو مقالات.. فالأهم عندى هو أن الطلقة الأولى فى حرب تجديد الخطاب الدينى قد انطلقت.. لكنها ليست حربا سهلة.. قيل لى نصّا من قلب أجوائها: «المهم أن تسير الأمور فهناك طابور خامس كبير».. وحتى تسير الأمور فى رأيى فإننى أقترح تشكيل لجنة تتولى مهمة تجديد الخطاب الدينى تضم الدكاترة سعد الدين هلالى أستاذ الفقه المقارن، وآمنة نصير أستاذ الفلسفة الإسلامية والعقيدة وعضو مجلس النواب، وأسامة الأزهرى مستشار الرئيس والمتخصص فى علم الحديث.. لعل فى تنوع علومهم وتباين مواقعهم فضلا عن استنارة عقولهم ما يعين على كسب أراض فى المعركة.. لأجل سعادة البشر فى الدنيا والآخرة [email protected] لمزيد من مقالات محمد شعير