قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى إحدى حملاتة الانتخابية أثناء ترشحه للرئاسة «سأمنع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة» قبل أن يعود ليُخفف من تصريحه الصادم، وفى خطابه فى حفل التنصيب تحدث عن «الإرهاب الإسلامى» مؤكدا أنه سيعمل على إزالته من على وجه الأرض! وفور تقلده المنصب سارع بإصدار قرار رئاسى بحظر دخول مواطنى سبع دول من ذات الأغلبية المسلمة (سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال، ايران) أراضى بلاده، بمن فيهم من يتمتعون بحق الإقامة أى حاملى البطاقة الخضراء وأصحاب الجنسيات المزدوجة سواء كانت جنسياتهم المكتسبة أوروبية أو أمريكية، وعندما رفضت وزيرة العدل بالوكالة تنفيذ القرار أقالها مثلما أقال مسئولين آخرين مختصين بإدراة الهجرة، ولم يلتفت لانتقادات بعض حكام الولايات والمحاكم الفيدرالية والمنظمات الحقوقية لذات القرار حتى وإن اتهموا بالعنصرية. لا شك أن تصريحات ترامب وقراراته ستظل مثيرة للجدل خاصة أنها تصطدم بالمبادئ الأساسية التى قام عليها المجتمع الأمريكى الفريد فى تركيبته وعدم تمييزه عرقيا أو دينيا أو ثقافيا بين فئاته المختلفة أو الوافدين إليه، لذلك لم يكن غريبا أن تُصدر إحدى محاكم الولايات (محكمة سياتل بولاية واشنطن) قرارا بوقف العمل مؤقتا بقرار الحظر لمن حصلوا بالفعل على تأشيرات دخول (فيزا) وهو الأمر الذى أيدته محكمة الاستئناف، ولكن فى كل الأحوال هذه «التجاذبات» تتعلق بتفاصيل تنفيذ القرار وليس مضمونه أو الرسالة السياسية التى يحملها، وليس هذا ما يتوقف عنده المقال، فترامب فى النهاية متسق مع نفسه وشديد الصراحة فى التعبير عن آرائه، وإنما عند ردود الفعل الأوروبية الغاضبة من قرار الرئيس الأمريكى التى تلاقى، على العكس من ذلك، ارتياحا فى الأوساط الاسلامية الرسمية والشعبية، والسؤال هل بالفعل يمكن الاعتماد عليها؟ وما مدى مصداقيتها؟ باستثناء بريطانيا، الحليف الوثيق لواشنطن التى حرصت رئيسة وزرائها على أن تكون أول مسئول يلتقى ب «الرئيس» ترامب وامتناعها عن التعليق، فقد تماثلت تقريبا المواقف العلنية لدول أوروبا، تحديدا الكبيرة منها، وفى مقدمتها فرنسا وألمانيا وبلجيكا للإعراب عن قلقها من القرار المشار إليه باعتباره يتنافى مع القيم الغربية الانسانية والحقوق والحريات المدنية، وربما كان الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، الذى سيغادر منصبه قريبا، هو الأعلى صوتا فى الإعراب عن استيائه وهو أيضا الذى دعا، كرد فعل غير مباشر على الموقف الأمريكى، إلى مضاعفة عدد التأشيرات الممنوحة للإيرانيين لدخول فرنسا. وكل ذلك جيد، ولكن لنتأمل مجمل المواقف، فعندما تعرضت باريس وعدد من المدن الفرنسية لسلسلة من الهجمات الارهابية، لم تخرج تصريحات هولاند عما قاله ترامب أخيرا، فأشار صراحة إلى أن المسلمين يشكلون «خطرا» على نظام الجمهورية وقواعدها العلمانية الراسخة، وطالب بإخضاع المساجد لمزيد من المراقبة باعتبارها مراكز لنشر التطرف، مثلما سارع بفرض قيود مشددة على المهاجرين وطالبى اللجوء السياسى القادمين من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بل دعا إلى مراجعة تأشيرة الدخول الموحدة إلى أوروبا (الشينجن) إضافة للاجراءات الاستثنائية التى اتخذها لضبط الحدود مع الدول المجاورة خاصة بلجيكا لمنع تسلل المهاجرين منها، وهذا مجرد مثال فكثير من الدول الأخرى فعلت ذلك بدرجات متفاوتة، ففى وسط أوروبا أقامت المجر جدارا عازلا على طول حدودها مع صربيا لمنع تدفق الهجرة غير الشرعية وطالبى اللجوء من المسلمين على وجه الخصوص. أما الاتحاد الأوروبى الذى يمثل 28 دولة، فأصبحت نفس القضية من أهم أولوياته، وتكفى الإشارة إلى الاتفاق الذى عقده مع تركيا مارس الماضى، لكى تصد الأخيرة عن بلدانه موجات الهجرة الآتية من المنطقة مقابل مساعدات مالية (حصلت بالفعل على 3مليارات يورو كدفعة أولى) وإعفاء مواطنيها من تأشيرات الدخول إلى أوروبا، وهو الاتفاق الذى تحمست له المستشارة الألمانية ميريكل رغم أنها الأكثر تسامحا مقارنة بأقرانها الأوروبيين فى قبولها للعدد الأكبر من المهاجرين، وشاركها الرئيس الفرنسى، الذى وعد بزيادة الحصة المالية المخصصة لأنقرة فى سبيل تحمل هذا «العبء». والأسبوع الماضى وفى اجتماع استثنائى لدول الاتحاد فى مالطة، أصغر الدول الأوروبية التى تعانى بدورها من توافد غير مسبوق للاجئين إليها، كانت ذات القضية هى محور اللقاء، أى الحد من ظاهرة الهجرة، التى أضحت بلا مواربة مرتبطة فى الذهنية الغربية بالإرهاب، وكان الاقتراح أن يُعقد إتفاق مماثل لما تم مع تركيا ولكن مع ليبيا هذه المرة. إذن هو مسلسل مستمر، ولماذا نذهب بعيدا، أليس صعود تيار اليمين المتطرف فى أوروبا فى السنوات الأخيرة هو شديد الصلة أيضا بالإرهاب الذى يُلصق بالاسلام والمسلمين عموما، وأن الأمر لم يعد مقصورا على حضوره السياسى فى الدول الصغيرة أوكسب انتخابات محلية أو برلمانية هنا أو هناك، وإنما التنافس الآن أصبح على قمة السلطة، ففى ثلاثة انتخابات قريبة ستشهدها الشهور المقبلة (فرنسا وألمانيا وهولندا) يُتوقع أن يفوز فيها نفس التيار. لهذه الأسباب فمن الصعب التعويل كثيرا على الموقف الأوروبى حتى إن كان مناهضا فى العلن للرئيس الأمريكى، فالحقيقة أنه لا يخالفه أفكاره بخصوص المسلمين، فقط ساسة أوروبا متمرسون فى السياسة ويمتلكون اللغة الدبلوماسية التى يفتقدها ترامب، أما خلافاتهم الحقيقية معه فتتلخص فى أمرين رئيسيين، الأول غضبهم من موقفه السلبى إزاء «الناتو» أى مظلتهم الدفاعية التى تقودها أمريكا، والتى يطالبهم بتحمل نصيب أكبر فى نفقاتها، والآخر يتعلق بعزمه تكثيف تعاونه مع «روسيا بوتين» التى مازالوا يرونها خطرا عليهم، وأى شىء آخر لن يعدو أن يكون تغطية على مخاوفهم تلك. باختصار ستظل قضايا مواجهة التطرف الفكرى المُفضى إلى الإرهاب مسئولية العالم الاسلامى أولا وأخيرا. لمزيد من مقالات د . هالة مصطفى;