كان لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، منع دخول مواطنى ست دول عربية هى، العراق وليبيا والسودان والصومال وسوريا واليمن بالإضافة إلى إيران، وترحيل أشخاص من هذه الدول، دخلوا إلى الولاياتالمتحدة بتأشيرات صالحة قانونيا، رد فعل عاجل داخل الولاياتالمتحدة نفسها، تمثل فى قرار محكمة أمريكية بوقف ترحيل هؤلاء الأشخاص وصدور إدانات من منظمات حقوقية أمريكية لهذا القرار، بالإضافة إلى رد الفعل الذى يرفض هذا القرار من عدة دول أوروبية. وكانت قاضية أمريكية فى بروكلين قد أصدرت قرارا بوقف قرار ترامب بترحيل اللاجئين والمسافرين الذين تم احتجازهم فى المطارات الأمريكية بموجب قرار ترامب، وذلك عقب تقدم عدد من المنظمات الحقوقية بطلب إلى المحكمة الفيدرالية بوقف قرار ترامب وعلى رأسها «الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية». وقد لاقى قرار المحكمة ترحيبا من المنظمات الحقوقية التى أكدت أن قرار ترامب يعد غير قانونى وغير دستورى، كما دعا «الاتحاد الأمريكى للحريات المدنية» إلى تنظيم وقفات احتجاجية فى جميع أنحاء الولاياتالمتحدة رفضا لقرار ترامب، فى حين شهدت عدد من المطارات الأمريكية إحتجاجات ومظاهرات مع بدء السلطات الأمريكية تنفيذ قرار ترامب ومنها مطارا كنيدى ودالاس، وبعد صدور قرار المحكمة أكدت المنظمات الحقوقية أنه لن يتم ترحيل أى من المسافرين الذين تم إحتجازهم، فى الوقت نفسه وصف عدد من اعضاء الكونجرس الأمريكى قرار ترامب بأنه يتناقض مع القيم الأمريكية، كما أشار حاكم ولاية فيرجينيا القرار بأنه عنصرى. وكان رد الفعل الغاضب من داخل الولاياتالمتحدة راجعا إلى أكثر من سبب، منهم مثلا أن الولاياتالمتحدة عرفت تاريخيا أنها بلد مفتوحة للمهاجرين من كل دول العالم، بل إن الحكومات الأمريكية على اختلافها سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، لديها سياسة ثابتة لجذب أعداد من المهرجرين إليها سنويا، والسبب الثانى الذى يجعل هذا القرار مشكوك فيه من الناحية القانونية. أن التأشيرات التى حصل عليها هؤلاء الأشخاص صالحة تماما من الناحية القانونية، لأن صدورها من سفارات أمريكا فى الخارج لم تحدث إلا بعد فحص دقيق لطبيعة الأشخاص الذين حصلوا عليها وتاريخهم وتوجهاتهم السياسية من جانب مسئولى السفارة، ومنهم أعضاء فى المخابرات الأمريكية مهمتهم الأساسية عدم السماح بدخول أشخاص مشكوك فيهم إلى الولاياتالمتحدة. ثم إن تركيز ترامب على المسلمين باعتبارهم، من وجهة نظره، مشتبه فيهم كإرهابيين، هو تضييق للنظرة إلى الإرهاب بسبب وجود منظمات معروفة بأنها إرهابية طبقا لمعلومات مكتب التحقيقات الفيدرالى، تضم أمريكيين مسيحيين وليسوا أصلا من المهاجرين. ويبدو أن قرار ترامب ورد الفعل الغاضب تجاهه قد حدث على هذا النحو، لأن قرارته مازالت متعجلة، وكان ينبغى أن يؤجل النظر فيها حتى تكتمل الملامح النهائية لسياسته الخارجية، وهو شىء لم يتحقق حتى الآن، لأن ترامب مازال فى أيامه الأولى فى البيت الأبيض. وفى بداية مناقشاته مع مساعديه، ومنهم مستشاره للأمن القومى ووزيرا الخارجية والدفاع وقادة أجهزة المخابرات، وهى مناقشات تستغرق شهورا حتى تكتمل أمام ترامب الصورة الواضحة للتحديات الحقيقية التى تواجهها الولاياتالمتحدة، وللنتائج التى يمكن أن تحدثها قراراته، سواء على مستوى الداخل فى الولاياتالمتحدة، أو خارجيا على مستوى دول العالم، خاصة أوروبا. ولهذا رأى رئيس فرنسا فرانسوا أولاند، أنه حين يرفض الرئيس الأمريكى دخول اللاجئين إلى بلاده فى حين قامت أوروبا بواجبها فعلى الدول الأوروبية أن ترد عليه، مؤكدا أن أوروبا أيضا لها قيم ومبادىء ولكنها تواجه تحدياتها بقوة، وهو ما سيتم التشاور حوله ضمن قضايا أخرى خلال محادثات ترامب مع الرئيس الفرنسى أولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. إن الولاياتالمتحدة دولة كبرى وعلاقاتها بالعالم متنوعة ومتشعبة، وهى علاقات متبادلة ليست فى مصلحة الدول الأخرى وحدها، بل إنها تخدم مصالح الولاياتالمتحدة فى الوقت نفسه، ولذلك فإن انفراد ترامب بسياسات سواء ألحقت ضررا بدول أجنبية أو على الأقل أثارت استياءها وعدم قبولها، يمكن أن يؤثر على مصالح الولاياتالمتحدة قبل أن يؤثر على غيرها. وكانت مؤسسات السياسة الخارجية فى الولاياتالمتحدة قد إعتادت منذ الحرب العالمية الثانية ، ودخولها فى شبكة تحالفات وصداقات على مستوى العالم، أن تدرس أولا نتائج أى قرار يتعلق بالسياسة الخارجية وحساب عواقبه، قبل أن تتخذ هذا القرار، وهو درس ربما تعمد ترامب فى قراره الأخير تجاهله أو تناساه.