ترامب: الضربات الجوية على أهداف في فنزويلا ستبدأ قريبًا    زيادة متوقعة في إنتاج اللحوم الحمراء بمصر إلى 600 ألف طن نهاية العام الجاري    دمج وتمكين.. الشباب ذوي التنوع العصبي يدخلون سوق العمل الرقمي بمصر    حالة الطقس اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محافظه المنيا    أذان الفجر اليوم السبت13 ديسمبر 2025.. دعاء مستحب بعد أداء الصلاة    محكمة بوليفية تقرر حبس الرئيس السابق لويس آرسي احتياطيًا 5 أشهر بتهمة اختلاس أموال عامة    قفزة تاريخية.. مصر تقترب من الاكتفاء الذاتي للقمح والأرز    تدريب واقتراب وعطش.. هكذا استعدت منى زكي ل«الست»    بين مصر ودبي والسعودية.. خريطة حفلات رأس السنة    بدأ العد التنازلي.. دور العرض تستقبل أفلام رأس السنة    الاتحاد الأوروبي يواصل دعم أوكرانيا ويوافق على تجميد أصول روسيا لأجل غير مسمى    د.هبة مصطفى: مصر تمتلك قدرات كبيرة لدعم أبحاث الأمراض المُعدية| حوار    بعد الخروج أمام الإمارات، مدرب منتخب الجزائر يعلن نهايته مع "الخضر"    تقرير أممي: التوسع الاستيطاني بالضفة الغربية يبلغ أعلى مستوى له منذ عام 2017 على الأقل    ياسمين عبد العزيز: كان نفسي أبقى مخرجة إعلانات.. وصلاة الفجر مصدر تفاؤلي    مصرع شخص وإصابة 7 آخرين فى حادث تصادم بزراعى البحيرة    ترامب يثمن دور رئيس الوزراء الماليزى فى السلام بين كمبوديا وتايلاند    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    اليوم.. محاكمة المتهمين في قضية خلية تهريب العملة    ياسمين عبد العزيز: ما بحبش مسلسل "ضرب نار"    سلوى بكر ل العاشرة: أسعى دائما للبحث في جذور الهوية المصرية المتفردة    أكرم القصاص: الشتاء والقصف يضاعفان معاناة غزة.. وإسرائيل تناور لتفادي الضغوط    محمد فخرى: كولر كان إنسانا وليس مدربا فقط.. واستحق نهاية أفضل فى الأهلى    وول ستريت جورنال: قوات خاصة أمريكية داهمت سفينة وهي في طريقها من الصين إلى إيران    قرار هام بشأن العثور على جثة عامل بأكتوبر    بسبب تسريب غاز.. قرار جديد في مصرع أسرة ببولاق الدكرور    محمود عباس يُطلع وزير خارجية إيطاليا على التطورات بغزة والضفة    كأس العرب - مجرشي: لا توجد مباراة سهلة في البطولة.. وعلينا القتال أمام الأردن    أحمد حسن: بيراميدز لم يترك حمدي دعما للمنتخبات الوطنية.. وهذا ردي على "الجهابذة"    الأهلي يتراجع عن صفقة النعيمات بعد إصابته بالرباط الصليبي    الأهلي يتأهل لنصف نهائي بطولة أفريقيا لكرة السلة سيدات    فرانشيسكا ألبانيزي: تكلفة إعمار غزة تتحملها إسرائيل وداعموها    تعيين الأستاذ الدكتور محمد غازي الدسوقي مديرًا للمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية    ياسمين عبد العزيز: أرفض القهر ولا أحب المرأة الضعيفة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    إصابة 3 أشخاص إثر تصادم دراجة نارية بالرصيف عند مدخل بلقاس في الدقهلية    إشادة شعبية بافتتاح غرفة عمليات الرمد بمجمع الأقصر الطبي    روشتة ذهبية .. قصة شتاء 2025 ولماذا يعاني الجميع من نزلات البرد؟    عمرو أديب ينتقد إخفاق منتخب مصر: مفيش جدية لإصلاح المنظومة الرياضية.. ولما نتنيل في إفريقيا هيمشوا حسام حسن    بعد واقعة تحرش فرد الأمن بأطفال، مدرسة بالتجمع تبدأ التفاوض مع شركة حراسات خاصة    سعر جرام الذهب، عيار 21 وصل لهذا المستوى    الإسعافات الأولية لنقص السكر في الدم    الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر بشأن تزايد الطلب على موارد المياه مع ازدياد الندرة    مفتي الجمهورية يشهد افتتاح مسجدي الهادي البديع والواحد الأحد بمدينة بشاير الخير بمحافظة الإسكندرية    غلق مزلقان مغاغة في المنيا غدا لهذا السبب    لجنة المحافظات بالقومي للمرأة تناقش مبادرات دعم تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي    مواقيت الصلاه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    انطلاقة قوية للمرحلة الثانية لبرنامج اختراق سوق العمل بجامعة سوهاج |صور    محافظ أسوان يأمر بإحالة مدير فرع الشركة المصرية للنيابة العامة للتحقيق لعدم توافر السلع بالمجمع    اسعار الفاكهه اليوم الجمعه 12ديسمبر 2025 فى المنيا    سويلم: العنصر البشري هو محور الاهتمام في تطوير المنظومة المائية    هشام طلعت مصطفى يرصد 10 ملايين جنيه دعمًا لبرنامج دولة التلاوة    ضبط المتهمين بتقييد مسن فى الشرقية بعد فيديو أثار غضب رواد التواصل    نقيب العلاج الطبيعى: إلغاء عمل 31 دخيلا بمستشفيات جامعة عين شمس قريبا    بتوجيهات الرئيس.. قافلة حماية اجتماعية كبرى من صندوق تحيا مصر لدعم 20 ألف أسرة في بشاير الخير ب226 طن مواد غذائية    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    عاجل- الحكومة توضح حقيقة بيع المطارات المصرية: الدولة تؤكد الملكية الكاملة وتوضح أهداف برنامج الطروحات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة ‬القبطية ‬مهددة.. ‬حتى ‬فى ‬الكنيسة!‬

الدكتور كمال فريد اسحق صاحب هذه القصيدة استاذ متخصص فى اللغة القبطية وله فيها مؤلفات عديدة فضلا عما نظمه بها من اشعار وهو يشكل مع عدد من الذين يعرفون القبطية جماعة ادبية تسعى لإحياء هذه اللغة ومنهم الاساتذة يوحنا نسيم وجورج أندراوس وبسنتى رزق الله والانبا ديمتريوس
أعود ‬في ‬مقالة ‬هذا ‬الشهر ‬لأحدثكم ‬من ‬جديد ‬عن ‬الشعر ‬القبطي ‬الذي ‬يستحق ‬منا ‬وقفة ‬طويلة، ‬نتعرف ‬عليه ‬فيها ‬بقدر ‬ما ‬نستطيع، ‬ونعيد ‬له ‬اعتباره ‬كعنصر ‬أصيل ‬من ‬عناصر ‬ثقافتنا ‬الوطنية ‬لا ‬يجوز ‬أن ‬نستبعده ‬أو ‬نتجاهله ‬أو ‬ننساه، ‬وإلا ‬فنحن ‬نستبعد ‬أنفسنا، ‬ونتجاهل ‬عصورا ‬طويلة ‬من ‬تاريخنا ‬كانت ‬فيها ‬اللغة ‬القبطية ‬هي ‬لغتنا ‬الوطنية ‬التي ‬نتواصل ‬بها ‬ونتفاهم، ‬ونعرف ‬بها ‬أنفسنا، ‬ونعرف ‬العالم، ‬ونعبر ‬عن ‬أفكارنا ‬ومشاعرنا، ‬وعن ‬انتمائنا ‬لبلادنا، ‬وارتباطنا ‬بتراثها ‬العريق، ‬وحاجتنا ‬الدائمة ‬للمحافظة ‬علي هذا التراث ‬والإضافة ‬إليه.‬
من ‬هنا ‬نتحدث ‬عن ‬أدب ‬اللغة ‬القبطية، ‬وعن ‬شعرها ‬الذي ‬نعرف ‬بعضه، ‬ونجهل ‬أكثره، ‬لأن ‬اللغة ‬القبطية ‬التي ‬تعد ‬بالنسبة ‬للغة ‬المصرية ‬القديمة ‬لهجة ‬عامية ‬ماتت ‬علي ‬الألسنة ‬منذ ‬عدة ‬قرون، ‬وضاع ‬بموتها ‬ما لم ‬يدون ‬من ‬تراثها ‬الأدبي ‬وهو ‬أكثره، ‬لأنه ‬كان ‬تراثا ‬شفهيا ‬شأن ‬التراث ‬الشعبي ‬في ‬معظم ‬اللغات. ‬أما ‬النصوص ‬التي ‬دونت ‬وتغلبت ‬علي ‬عوادي ‬الزمن ‬وتقلباته، ‬واكتشفت ‬في ‬العصور ‬الحديثة، ‬فقد ‬نقل ‬الكثير ‬منها ‬إلي ‬متاحف ‬العالم ‬ولم ‬تقرأ ‬كلها ‬حتي ‬الآن، ‬لأن ‬قراءتها ‬تحتاج ‬لخبرات ‬لاتزال ‬محدودة ‬متفرقة، ‬وفي ‬هذا ‬يقول ‬العالم ‬المصري ‬الجليل ‬سليم ‬حسن ‬وهو ‬يتحدث ‬في ‬خمسينيات ‬القرن ‬الماضي ‬عن ‬الحضارة ‬المصرية: ‬‮«‬لقد ‬مرت ‬مائة ‬سنة ‬علي ‬طبع ‬أول ‬بردية ‬إغريقية (‬من ‬البرديات ‬التي ‬وجدت ‬في ‬مصر)‬، ‬وانتظرنا ‬حتي ‬عام ‬1491 ‬حتي ‬ترجمت ‬بعض ‬البرديات ‬الديموطيقية ‬والقبطية، ‬ولاتزال ‬في ‬المتحف ‬البريطاني ‬ومتحف ‬فيلادلفيا ‬وغيرهما ‬برديات ‬ديموطيقية ‬وقبطية ‬كثيرة ‬لم ‬تقرأ».‬
مع ‬هذا ‬نستطيع ‬أن ‬نتحدث ‬عن ‬الشعر ‬القبطي، ‬لأن ‬القليل ‬الذي ‬نملكه ‬يسمح ‬لنا ‬بالحديث ‬عن ‬هذا ‬التراث ‬الوطني ‬الذي ‬يجب ‬علينا ‬أن ‬نكشف ‬عنه ‬الغبار، ‬وأن ‬نعرفه ‬علي ‬حقيقته، ‬خاصة ‬في ‬هذه ‬الأيام ‬التي ‬نواجه ‬فيها ‬هذا ‬الشر ‬المستطير ‬المتمثل ‬في ‬جماعات ‬الإسلام ‬السياسي ‬بثقافتها ‬الطائفية ‬المضللة، ‬وكراهيتها ‬العمياء ‬المتأصلة ‬لتاريخنا ‬القديم ‬الذي ‬تنظر ‬إليه ‬هذه ‬الجماعات ‬الجاهلة نظرة ‬العرب ‬لجاهليتهم، ‬فضلا ‬عن ‬تاريخنا ‬الحديث ‬الذي ‬اتصلنا ‬فيه ‬بأمم ‬الغرب ‬المتقدمة، ‬واقتبسنا ‬من ‬علمها ‬ونظمها ‬وحضارتها ‬الحديثة ‬ما ‬خرجنا ‬به ‬من ‬عصور ‬التخلف ‬والظلام ‬التي ‬تنتمي ‬إليها ‬جماعات ‬الإسلام ‬السياسي، ‬وتسعي ‬لإعادتنا ‬إليها ‬من ‬جديد، ‬فنحن ‬في ‬هذه ‬الحرب ‬الضروس ‬التي ‬نخوضها ‬مع ‬هذه ‬الجماعات ‬المتوحشة ‬نحتاج ‬أشد ‬الاحتياج ‬للثقافة ‬الوطنية ‬التي ‬نستعيد ‬بها ‬وعينا، ‬ونستحضر ‬تاريخنا، ‬وندعم ‬وحدتنا، ‬كما ‬نحتاج ‬أشد ‬الاحتياج ‬للثقافة ‬الإنسانية ‬الحديثة ‬التي ‬نواصل ‬بها ‬سعينا ‬لتحقيق ‬نهضة ‬شاملة ‬نتحرر ‬بها ‬كما ‬تحرر ‬الآخرون، ‬ونتقدم ‬كما ‬تقدموا!.‬
أريد ‬أن ‬أقول ‬إن ‬حديثنا ‬عن ‬الشعر ‬القبطي.‬، ‬وعن ‬حضارتنا ‬القديمة ‬عامة ‬ليس ‬مجرد ‬حديث ‬عن ‬الماضي ‬الذي ‬ذهب، ‬وإنما ‬هو ‬حديث ‬عن ‬الحاضر ‬الذي ‬نعيش ‬فيه، ‬وعن ‬المستقبل ‬الذي ‬نحلم ‬به، ‬كما ‬أن ‬حديثنا ‬عن ‬هذا ‬الشعر ‬ليس ‬حديثا ‬عن ‬تراث ‬ديني ‬أو ‬طائفي ‬كما ‬قد ‬يظن ‬الذين ‬لا ‬يفهمون ‬من ‬هذه ‬الصفة ‬ ‬قبطي ‬ ‬إلا ‬معناها ‬الديني ‬أو ‬الطائفي، ‬والشعر ‬القبطي ‬إذن ‬في ‬نظرهم ‬هو ‬الشعر ‬الذي ‬يدور ‬حول ‬المسيحية ‬ويعبر ‬عنها ‬فحسب، ‬لا.. ‬الشعر ‬القبطي ‬تراث ‬وطني ‬لا ‬يخص ‬المسيحيين ‬وحدهم، ‬وإنما ‬هو ‬ملكية ‬عامة ‬لكل ‬المصريين، ‬وكلمة ‬قبطي ‬كلمة ‬مصرية ‬قديمة ‬سبقت ‬المسيحية ‬بقرون ‬عديدة، ‬فهي ‬صفة ‬تدل ‬علي ‬أن ‬الموصوف ‬بها ‬مصري، ‬لأنها ‬مشتقة ‬من ‬اسم ‬مصر الذى وصل إلينا فى هذه الصورة ‬‮«‬إيجيبت‮»‬، ‬والمصريون ‬إذن ‬كلهم ‬أقباط ‬قبل ‬أن ‬يصبحوا ‬مسيحيين ‬ومسلمين، ‬ومن ‬هذا ‬المنطلق ‬أتحدث ‬عن ‬الشعر ‬القبطي ‬الذي ‬هو ‬إبداع ‬من ‬إبداعات ‬مصر ‬الشاعرة، ‬وحلقة ‬من ‬حلقات ‬شعرها ‬الذي ‬نظمه ‬المصريون ‬بلغتهم ‬الأولي ‬الهيروغليفية، ‬ثم ‬بلهجاتها ‬الشعبية ‬الديموطيقية ‬والقبطية، ‬ثم ‬بلغتهم ‬العربية ‬الفصحي، ‬وبلهجتها ‬العامية، ‬وهل ‬يكون ‬لنا ‬هذا ‬التاريخ ‬العريق، ‬وهذا ‬التراث ‬الفريد ‬الحافل ‬بدون ‬متون ‬الأهرام، ‬وأناشيد ‬إخناتون، ‬وأسفار ‬مانيتون، ‬وأشعار ‬البهاء ‬زهير، ‬وابن ‬الفارض، ‬والبوصيري، ‬وابن ‬عروس، ‬والبارودي، ‬وشوقي، ‬وحافظ، ‬ومطران، ‬وبيرم ‬التونسي، ‬وعلي ‬محمود ‬طه، ‬ومحمود ‬حسن ‬إسماعيل، ‬وإبراهيم ‬ناجي، ‬وعبدالرحمن ‬الشرقاوي، ‬وصلاح عبدالصبور، ‬وأمل ‬دنقل، ‬ومحمد عفيفى مطر، وفاروق شوشة وصلاح ‬جاهين، ‬وفؤاد ‬حداد.. ‬إلي ‬آخره!‬

لكن ‬الحديث ‬عن ‬الشعر ‬القبطي ‬ليس ‬حديثا ‬سهلا، ‬لأنه ‬حديث ‬عن ‬تراث ‬لم ‬نعد ‬نملك ‬منه ‬إلا ‬القليل ‬النادر، ‬وقد ‬أشرت ‬في ‬مقالة ‬الشهر ‬الماضي ‬للأحداث ‬المأساوية، ‬والتحولات ‬الخطيرة ‬التي ‬عرفتها ‬مصر ‬خلال ‬القرون ‬العشرة ‬التي ‬سبقت ‬الميلاد، ‬والقرون ‬العشرة ‬التي ‬تلتها، ‬وفيها ‬فقدت ‬مصر ‬استقلالها، ‬وتراجعت ‬حضارتها، ‬وتحولت ‬اللغة ‬الهيروغليفية ‬إلي ‬لهجة ‬عامية ‬هي ‬القبطية ‬التي ‬نشأت ‬في ‬عصور ‬مضطربة، ‬وظروف ‬قاسية ‬كان ‬فيها ‬الحكم ‬للغزاة ‬الأجانب ‬الذين ‬اضطهدوا ‬المصريين، ‬واغتصبوا ‬ثرواتهم، ‬وفرضوا ‬عليهم ‬ثقافتهم ‬ولغتهم ‬كما ‬حدث ‬في ‬ظل ‬اليونانيين ‬الذين ‬استولوا ‬علي ‬مصر ‬في ‬القرن ‬الرابع ‬قبل ‬الميلاد، ‬وفي ‬ظل ‬العرب ‬في ‬القرن ‬السابع ‬بعده.‬
في ‬هذه ‬العصور ‬كانت ‬مصر ‬ساحة ‬لصراع ‬لغوي ‬دار ‬بين ‬لغتها ‬الوطنية ‬وهي ‬القبطية ‬التي ‬كانت ‬لغة ‬المصريين ‬في ‬حياتهم ‬اليومية، ‬واللغة ‬اليونانية ‬التي ‬أصبحت ‬بعد ‬دخول ‬اليونانيين ‬لغة ‬الإدارة ‬والثقافة، ‬واللغة ‬العربية ‬التي ‬حلت ‬شيئا ‬فشيئا ‬محل ‬اليونانية ‬بعد ‬دخول ‬العرب، ‬ثم ‬أخذت ‬تحل ‬محل ‬القبطية ‬التي ‬عاشت ‬محرومة ‬من ‬سلطة ‬وطنية ‬تحميها، ‬ومن ‬نخبة ‬وطنية ‬تنطق ‬بها ‬وتعبر ‬وتمدها ‬بأسباب ‬الحياة ‬والازدهار، ‬فمن ‬الطبيعي ‬أن ‬تتراجع ‬وتنسحب، ‬خاصة ‬أمام ‬العربية ‬التي ‬انتشرت ‬بانتشار ‬الإسلام، ‬وأصبحت ‬لغة ‬الدين ‬والإدارة ‬والحياة ‬جميعا.‬
لكن ‬هذا ‬لم ‬يحدث ‬بين ‬يوم ‬وليلة، ‬وإنما ‬استغرق ‬أكثر ‬من ‬ألف ‬وخمسمائة ‬عام ‬كان ‬فيها ‬اللسان ‬المصري، ‬والوجدان ‬المصري ‬موزعين ‬بين ‬لغات ‬ثلاث، ‬منها ‬ما ‬كان ‬طارئا ‬غريبا ‬لم ‬يتوطن ‬بعد، ‬ولم ‬يصل ‬إلي ‬القلوب ‬ليعبر ‬عنها، ‬ومنها ‬ما ‬كان ‬يضمحل ‬ويبتعد ‬وينزوي ‬فلا ‬يسعف ‬ولا ‬يستجيب، ‬وعندئذ ‬يضطر ‬من ‬يتحدث ‬بإحدي ‬هذه ‬اللغات ‬أو ‬يكتب ‬بها ‬أن ‬يلجأ ‬لغيرها ‬يستعين ‬بمفرداتها ‬وعباراتها ‬السائرة ‬ليفصح ‬عما ‬يريد ‬الإفصاح ‬عنه.‬
اللغة ‬القبطية ‬التي ‬كانت ‬تكتب ‬بالحروف ‬والرموز ‬المصرية ‬القديمة ‬قبل ‬دخول ‬اليونانيين ‬مصر ‬أصبحت ‬تكتب ‬بالحروف ‬اليونانية، ‬خاصة ‬بعد ‬انتشار ‬المسيحية، ‬التي ‬بدأت ‬من ‬الإسكندرية، ‬وعبرت ‬عن ‬معتقداتها ‬في ‬مراحلها ‬الأولي ‬باللغة ‬اليونانية، ‬وهي ‬لغة ‬العلم ‬والفلسفة ‬في ‬الإسكندرية ‬آنذاك، ‬ومن ‬هنا ‬استعارت ‬القبطية ‬من ‬اليونانية ‬جانبا ‬من ‬معجمها ‬الديني ‬المسيحي، ‬كما ‬استعارت ‬حروفها ‬في ‬الكتابة ‬وأدخلت ‬عليها ‬بعض ‬التعديلات ‬لتنطق ‬بالأصوات ‬القبطية ‬التي ‬لم ‬تكن ‬لها ‬في ‬اليونانية ‬حروف ‬تنطق ‬بها.‬
والذي ‬حدث ‬بين ‬القبطية ‬واليونانية ‬في ‬القرون ‬الأولي ‬للميلاد ‬حدث ‬بعد ‬ذلك ‬بين ‬القبطية ‬والعربية. ‬فالنصوص ‬الدينية ‬القبطية ‬تترجم ‬للعربية ‬حتي ‬يفهمها ‬المسيحيون ‬المصريون ‬الذين ‬تعربوا، ‬والعربية ‬تكتب ‬أحيانا ‬بالحروف ‬القبطية ‬حتي ‬يتمكن ‬من ‬قراءتها ‬الذين ‬لا ‬يعرفون ‬الحروف ‬العربية ‬كما ‬نجد ‬في ‬كراسة ‬عن ‬‮«‬تاريخ ‬اللغة ‬القبطية‮»‬ ‬كتبها ‬القس ‬شنودة ‬ماهر ‬إسحق ‬وأشار ‬فيها ‬إلي ‬مخطوط ‬من ‬دير ‬أبي ‬مقار ‬لأقوال ‬آباء ‬البرية ‬‮«‬بالعربية ‬المكتوبة ‬بحروف ‬قبطية‮»‬.‬
هذا ‬الصراع ‬الذي ‬دار ‬بين ‬اللغات ‬الثلاث ‬خرجت ‬منه ‬اللغة ‬العربية ‬منتصرة ‬وأصبحت ‬لغة ‬المصريين ‬جميعا، ‬خاصة ‬في ‬لهجتها ‬الدارجة ‬التي ‬استعارت ‬الكثير ‬من ‬اللغة ‬القبطية، ‬من ‬نحوها ‬ومفرداتها ‬وتعبيراتها، ‬وفي ‬هذا ‬يقول ‬الدكتور ‬كمال ‬فريد ‬إسحق ‬أستاذ ‬اللغة ‬القبطية ‬بمعهد ‬الدراسات ‬القبطية ‬‮«‬في ‬العامية ‬المصرية ‬مئات ‬من ‬المفردات ‬ذات ‬الأصل ‬القبطي ‬المصري ‬مثل ‬كلمة (‬فوطة) ‬أو ‬ذات ‬الأصل ‬اليوناني ‬التي ‬وصلتنا ‬من ‬خلال ‬اللغة ‬القبطية ‬مثل ‬كلمة ‬‮«‬ترابيزة‮»‬، ‬كما ‬أن ‬أغلب ‬التعبيرات ‬العامة ‬المصرية ‬تتبع ‬قواعد ‬اللغة ‬القبطية ‬وليس ‬العربية، ‬فنحن ‬نقول ‬مثلا ‬في ‬العامية «‬إنت ‬مين؟‮»‬ ‬وليس ‬‮«‬من ‬أنت؟‮»‬، ‬متأثرين ‬بترتيب ‬الكلمات ‬في ‬اللغة ‬القبطية‮»‬.‬
بل ‬نحن ‬نري ‬أن ‬بعض ‬النصوص ‬القديمة ‬الفرعونية ‬والقبطية ‬انتقلت ‬إلي ‬العامية ‬المصرية ‬التي ‬ورثت ‬كل ‬ما ‬سبقها، ‬وهو ‬ما ‬نستطيع ‬أن ‬نعده ‬صورة ‬من ‬صور ‬التداخل ‬والتواصل، ‬أو ‬هو ‬ما ‬يسميه ‬علماء ‬التراث ‬‮«‬هجرة ‬النصوص‮»‬، ‬فالنص ‬قد ‬يرحل ‬أو ‬يهاجر ‬من ‬لغة ‬إلي ‬لغة. ‬وقد ‬سبق ‬أن ‬أشرت ‬لأغنية ‬فرعونية ‬تتحدث ‬عن ‬جمال ‬الجسد ‬الأنثوي، ‬وتستعرض ‬أعضاءه ‬الفاتنة ‬عضوا ‬عضوا، ‬فتبدأ ‬بالعيون ‬الساحرة، ‬والشفاه ‬اللمياء، ‬وتنتقل ‬إلي ‬العنق ‬الطويل، ‬والصدر ‬الناهد ‬حتي ‬تصل ‬إلي ‬الخصر ‬النحيل، ‬والردف ‬الثقيل، ‬والساق ‬الناعمة، ‬وقارنت ‬بين ‬هذه ‬الأغنية ‬الفرعونية، ‬والأغنية ‬العامية ‬‮«‬روق ‬القناني‮»‬ ‬فوجدت ‬أن ‬هذه ‬تكاد ‬تكون ‬ترجمة ‬حرفية ‬للأولي، ‬سوي ‬أن ‬مؤلف ‬الأغنية ‬العامية ‬جعلها ‬حوارا ‬بينه ‬وبين ‬الفتاة ‬التي ‬يتغزل ‬فيها، ‬إذ ‬يطلب ‬في ‬كل ‬مقطع ‬من ‬مقاطعها ‬أن ‬تكشف ‬له ‬فتاته ‬عما ‬يريد ‬أن ‬يراه ‬من ‬مفاتنها ‬فترده ‬وتصف ‬له ‬ما ‬يطلب ‬رؤيته ‬وصفا ‬يزداد ‬به ‬شغفا ‬أو ‬افتتانا.‬
ويبدو ‬أن ‬لهذا ‬النص ‬سحرا ‬خاصا ‬استطاع ‬به ‬أن ‬يصل ‬إلي ‬الفصحي ‬ويجد ‬له ‬مكانا ‬فيها، ‬كما ‬نجد ‬في ‬قصيدة ‬لابن ‬القيم ‬يتغني ‬فيها ‬بجمال ‬الحور ‬العين ‬اللائي ‬سيتمتع ‬بهن ‬أهل ‬الجنة ‬فيقول ‬في ‬هذه ‬القصيدة ‬التي ‬قرأتها ‬في ‬كتاب ‬الأستاذ ‬خالد ‬محمد ‬خالد ‬‮«‬قصتي ‬مع ‬الحياة‮»‬:‬
حمر ‬الخدود، ‬ثغورهن ‬لآلئ
سود ‬العيون ‬فواتر ‬الأجفان
ريانة ‬الأعطاف ‬من ‬ماء ‬الشباب
فغصنها ‬بالماء ‬ذو ‬جريان
لما ‬جري ‬ماء ‬الشباب ‬بغصنها
حمل ‬الثمار ‬كثيرة ‬الألوان
فالورد، ‬والتفاح، ‬والرمان ‬في
غصن ‬تعالي ‬غارس ‬البستان
لكنهن ‬كواكب ‬ونواهد
فثديهن ‬كأحسن ‬الرمان
والصدر ‬متسع ‬علي ‬بطن ‬لها
والخصر ‬منها ‬مغرم ‬بثمان
والساق ‬مثل ‬العاج ‬ملموم ‬به
مخ ‬العظام ‬تناله ‬العينان
فسل ‬المتيم ‬هل ‬يحل ‬الصبر ‬عن
ضم ‬وتقبيل ‬وعن ‬هيمان؟!‬
وابن ‬القيم ‬هذا ‬فقيه ‬حنبلي ‬تتلمذ ‬علي ‬ابن ‬تيمية، ‬واتخذ ‬مثله ‬موقفا ‬متشددا ‬من ‬الفلاسفة، ‬وأصحاب ‬الديانات ‬الأخري، ‬وقد ‬خشي ‬أن ‬يكون ‬قد ‬أسرف ‬في ‬تغزله ‬بالحور ‬العين، ‬فختم ‬قصيدته ‬مستغفرا:‬
يارب عفوا ‬قد ‬طغت ‬أقلامنا
يارب ‬؟؟؟ ‬من ‬الطغيان!‬
أما ‬الأستاذ ‬خالد ‬محمد ‬خالد، ‬الذي ‬نقل ‬لنا ‬هذه ‬القصيدة ‬من ‬كتاب ‬‮«‬روضة ‬المحبين‮»‬، ‬فقد ‬وقف ‬أمام ‬القصيدة ‬أو ‬أمام ‬الحور ‬العين ‬مبهورا ‬يقول: ‬‮«‬أرأيتم ‬كيف ‬يسبي ‬الجمال ‬وكيف ‬يغرد ‬الحب؟، أ‬رأيتم ‬القلوب ‬النقية، ‬والأرواح ‬الورعة ‬التقية ‬كيف ‬تغني ‬للجمال ‬والحب؟!‬‮»‬.‬
وفي ‬الحديث ‬عن ‬هجرة ‬النصوص ‬أذكركم ‬أيضا ‬بالنص ‬الذي ‬ختمت ‬به ‬مقالتي ‬السابقة، ‬وهو ‬الإصحاح ‬الثالث ‬في ‬السفر ‬الأول ‬من ‬أسفار ‬التكوين ‬المصرية، ‬أو ‬‮«‬الجبتانا‮»‬ ‬التي ‬جمعها ‬الكاهن ‬المصري ‬القديم ‬مانيتون ‬السمنودي ‬من ‬محفوظات ‬المعابد ‬المصرية ‬في ‬القرن ‬الثالث ‬قبل ‬الميلاد، ‬وفي ‬هذا ‬النص ‬يتحدث ‬مانيتون ‬عن ‬صعوده ‬للسماء ‬في ‬رؤيا ‬تذكرنا ‬بقصة ‬المعراج، ‬ورسالة ‬الغفران، ‬والكوميديا ‬الإلهية.‬
وباستطاعتنا ‬أن ‬نعد ‬هذه ‬الرؤيا، ‬ونصوصا ‬أخري ‬في ‬‮«‬الجبتانا‮»‬ ‬نصوصا ‬شعرية ‬ظهرت ‬أول ‬ما ‬ظهرت ‬بالديموطيقية، ‬ثم ‬نقلت ‬إلي ‬القبطية ‬ليتوارثها ‬المسيحيون ‬المصريون ‬أجيالا ‬بعد ‬أجيال ‬حتي ‬تصل ‬إلي ‬الراهب ‬أبيب ‬النقادي، ‬الذي ‬ولد ‬في ‬الستينيات ‬الأخيرة ‬من ‬القرن ‬التاسع ‬عشر، ‬وعاش في ‬المنصورة، ‬وخالط ‬أوساطها ‬المثقفة، ‬حيث ‬اتصل ‬به ‬في ‬خمسينيات ‬القرن ‬الماضي ‬وأخذ ‬عنه ‬نص ‬‮«‬الجبتانا‮»‬ ‬الرجل ‬الذي ‬حصل ‬علي ‬هذا ‬النص ‬مترجما ‬إلي ‬العربية، ‬وقام ‬بتحقيقه ‬ومراجعته ‬مراجعة ‬تاريخية، ‬وصياغته ‬صياغة ‬أدبية، ‬وهو ‬الأستاذ ‬علي ‬علي ‬الألفي، ‬الذي ‬كان ‬طالبا ‬في ‬كلية ‬دار ‬العلوم ‬حين ‬تعرف ‬علي ‬الراهب ‬أبيب ‬النقادي.‬
«غن ‬أيها ‬الحراث ‬ولا ‬تضرب ‬الثورين، ‬فإنك ‬محاسب ‬أمام ‬محكمة ‬تحوت، ‬محاسب ‬أمام ‬أوزير ‬قبل ‬المرور إلى ‬بوابة ‬الغرب، ‬كن ‬أيها ‬الحراث ‬خيرا ‬كأوزير، ‬كن ‬نورا ‬كأوزير، ‬لا ‬تكن ‬شرا ‬مثل ‬ست، ‬أعط ‬الثورين ‬ماء، ‬أعط ‬الثورين ‬عشبا ‬أخضر ‬حتي ‬يرضي ‬عنك ‬أوزير، ‬ويرضي ‬عنك ‬رع، ‬وآمون، ‬وبتاح، ‬اعمل ‬وغن ‬وردد ‬هيلا.. ‬هيلا.. ‬هيلا!»‬
ويقول ‬الأستاذ ‬علي ‬الألفي ‬في ‬الهامش ‬الذي ‬كتبه ‬حول ‬هذا ‬النص ‬إن ‬الراهب ‬أبيب ‬كان ‬مصرا ‬علي ‬أن ‬الكلمة ‬العبرانية ‬‮«‬هللويا‮»‬ ‬مأخوذة ‬من ‬النهاية ‬المصرية ‬لبعض ‬المزامير ‬والأهازيج، ‬ونحن ‬لا ‬نزال ‬بعد ‬آلاف ‬السنين ‬نسمع ‬هيلا ‬هيلا.‬
أليس ‬من ‬واجبنا ‬أن ‬نعمل ‬علي ‬إحياء ‬هذه ‬الثقافة ‬الوطنية؟ ‬يقول ‬القس ‬شنودة ‬ماهر ‬إسحق ‬الذي ‬تعلم ‬اللغة ‬القبطية، ‬وأوفد ‬في ‬بعثة ‬إلي ‬جامعة ‬أكسفورد ‬حيث ‬نال ‬الدكتوراه ‬برسالة ‬أعدها ‬في ‬صوتيات ‬اللغة ‬القبطية ‬وأثرها ‬في ‬اللغة ‬العربية، ‬يقول: ‬إن ‬اللغة ‬القبطية ‬التي ‬ماتت ‬علي ‬الألسنة ‬منذ ‬عدة ‬قرون، ‬توشك ‬أن ‬تنقرض ‬الآن ‬في ‬الاستخدام ‬الكنسي، ‬أليس ‬من ‬الواجب ‬إنقاذها؟.
لقد ‬أصبحنا ‬نتعلم ‬لغات ‬إفريقية ‬وآسيوية ‬لم ‬نكن ‬نشعر ‬بحاجة ‬لتعلمها، ‬لأننا ‬نستطيع ‬أن ‬نتواصل ‬مع ‬المتحدثين ‬بها ‬عن ‬طريق ‬الإنجليزية ‬والفرنسية، ‬ومع ‬ذلك ‬خصصنا ‬لهذه ‬اللغات ‬أقساما ‬في ‬جامعاتنا، ‬لأننا ‬رأينا ‬أن ‬الاتصال ‬المباشر ‬بشعوب ‬إفريقيا ‬وآسيا ‬أفضل ‬وأوثق، ‬وهذا ‬حق ‬لاشك ‬فيه، ‬أليس ‬من ‬حقنا ‬أن ‬نعامل ‬أنفسنا ‬بالمثل ‬فنتيح ‬لمن ‬شاء ‬منا ‬أن ‬يتعلم ‬لغة ‬كانت ‬لغته ‬الوطنية ‬في ‬العصور ‬الماضية، ‬فنحن ‬نستطيع ‬بها ‬أن ‬نتصل ‬بماضينا، ‬أي ‬بأنفسنا، ‬اتصالا ‬مباشرا، ‬بدلا ‬من ‬أن ‬يكون ‬ذلك ‬عن ‬طريق ‬الخبير ‬الأجنبي؟!‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.