أغرق المصريون أنفسهم في سلسلة من التفسيرات والتحليلات الميتافيزيقية أو الغيبية في محاولة لفهم الكثير من مظاهر الغموض التي سيطرت علي البلاد عشية إعلان أسم الفائز بانتخابات الرئاسة وسط حالة من التوتر والترقب غير المسبوق في تاريخ البلاد, والمقصود بالمصريين هنا ليس رجل الشارع فحسب وإنما النخبة أيضا علي اختلاف أطيافها وتوجهاتها, فمن حديث الصفقات بين الأطراف المعنية واتهام اللجنة العليا للانتخابات بالتلاعب بالنتائج وصولا إلي ما أعتبر مؤامرة من جانب المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتمهيد الأرضية أمام فوز الفريق أحمد شفيق كانت التفسيرات الميتافيزيقية المتلفزة والمسموعة والمقروءة, وبالتأكيد لاعيب ولاضرر في الاجتهاد العلمي السليم ولكن أن نصل إلي مستوي تحليلات بير السلم ونقدمها عبر وسائل الإعلام المتنوعة علي أنها حقائق فذلك هو الجنون بعينه, ولاشك في أن حالة الاحتقان الشديد الذي عاشته البلاد خلال الفترة الماضية يعود جزء كبير منه إلي مثل هذه التحليلات الميتافيزيقية. ولنتأمل حالة اللجنة العليا للانتخابات ومسألة تأخير إعلان أسم الرئيس الجديد للبلاد, لقد طرحت كل التصورات الشخصية والشائعات الغريبة من مؤامرات وصفقات وعمليات تزوير ولم يحاول أحد طرح الاحتمال الأرجح حول جدية اللجنة وحرصها علي الدقة المتناهية في فحص الطعون وإحصاء الأصوات بدقة في مشاهد تعكس بوضوح الطبيعة البيروقراطية لدولة عميقة جدا, وربما كان ذلك أحد أسباب معاناة المصريين القاسية خلال الفترة الانتقالية, وقد شهدت بطئا شديدا في الحركة واتخاذ القرارات المصرية وما صاحب ذلك أيضا من تحليلات ميتافيزيقية أدت إلي تصعيد حجم التوتر في رحلة البحث عن مكاسب إعلامية أو شخصية ثانوية علي جثة الوطن,وربما لعب انعدام الثقة وغياب الشفافية دورا في ذلك ولكن ما أحوجنا إلي تبني نهج جديد علي الطريقة الغربية في التعامل التحليلي السياسي المهني, ولعل تلك المواقف الكاشفة تؤكد حتمية التعامل مع مؤسسات الدولة الراسخة وخاصة الجيش بكثير من الثقة والوفاق والتقارب بدلا من الصدام وأحاديث التخوين النفعية,وأظن أن هذا هو الجهاد الأكبر الذي تحتاجه مصر للبناء والتنمية في المرحلة المقبلة بعد الفراغ من الجهاد الأصغر ألا وهو إعلان أسم الرئيس. المزيد من أعمدة عماد عريان