تاكيدا من جانبها للتمسك بتنويع علاقاتها شرقا وغربا، وبتعددية الشركاء اينما كانوا من واقع الجوار وما وراء الجوار، تواصل بودابست اتصالاتها المتعددة التوجهات بما يتفق ومصالحها الوطنية. من هذا المنطلق تستعد المجر لاستقبال الرئيس الروسى فلاديمير بوتين غير آبهة بقيود او عقوبات فرضها الاتحاد الاوروبى على بلاده، فى نفس الوقت الذى تسعى فيه ومن ذات المنطلق الى استعادة علاقاتها مع من شاركها تاريخ الامس القريب، حيث تقف مصر وبطبيعة الحال فى صدارة هؤلاء الشركاء. وها هو يبتر سيارتو وزير الخارجية والتجارة المجرية يستعد لزيارة موسكو هذا الاسبوع لمناقشة القضايا الثنائية وعلاقات روسيا مع الاتحاد الاوروبى والناتو، الى جانب الموقف من مكافحة الارهاب وقضية الهجرة والاوضاع فى اوكرانيا، وكذلك الاعداد لزيارة الرئيس بوتين لبودابست فى مطلع فبراير المقبل، ردا على زيارة مماثلة قام بها لموسكو فى العام الماضى فيكتور اوربان رئيس الحكومة المجرية. واذا كانت المجر تبدى اكبر قدر من التقارب مع من كانت تعتبره احد اهم خصوم الامس الذى كانت قد انتفضت ضد وجوده على اراضيها فى اكتوبر 1956 ، فإنها وانطلاقا من مواقف وسياسات براجماتية تنطلق اليوم للانفتاح على الجميع، شرقا وغربا كما ذكرنا آنفا. وكان فيكتور اوربان قد اعرب عن ارتياح شديد لفوز الرئيس الامريكى الجديد دونالد ترامب، فيما يستعد لزيارة واشنطن تأكيدا من جانبه على اتساع مساحات الاتفاق مع الكثير من التوجهات اليمينية للادارة الامريكية الجديدة. واذا كانت المجر تعتمد على التعددية فى سياساتها وتحالفاتها سواء على الصعيد الاقليمى على غرار ما نشهده من تحالفات فى اطار ما يسمى بمجموعة «فيشجراد» مع سلوفاكيا وتشيكيا وبولندا، او على الصعيد القارى مع الاتحاد الاوروبي، فإنها لا تغفل علاقات الماضى القريب الذى جمعها مع جنوب البحر المتوسط بعلاقات تذكرها القاهرة وبودابست بالكثير من الحنين. وحول هذا الجانب تحديدا، وما استطاعت القاهرة وبودابست تحقيقه على صعيد احياء التقارب بين الشعبين، كان حديثنا مع السفير محمود المغربى سفير مصر فى المجر الذى كشف عن الكثير من الخطوات التى قامت بها القيادة السياسية فى كل من البلدين «لإكساب العلاقات الثنائية المزيد من الأبعاد الإستراتيجية. وقال السفير المغربى:«إن دورية اللقاءات المصرية المجرية على مستوى القمة وعلى مختلف المستويات الوزارية خلال العام الفائت وفى الفترة التى أعقبت زيارة رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان إلى مصر فى يونيو 2016» ساهمت فى تحقيق الكثير على صعيد التقارب بين البلدين. واضاف: «على الصعيد السياسى انضم المجر «ومن بعده الدول أعضاء مجموعة الفيشجراد: التشيك، بولندا، سلوفاكيا» إلى مجموعة الدول المُتفهمة للمواقف المصرية فى إطار الاتحاد الأوروبى والتى كانت لها مواقف إيجابية فى إبداء التفهُم للسياق العام للأحداث فى مصر وما نقوم به من مكافحة الإرهاب بمقومات وطنية خالصة، الأمر الذى أظهر أن الاستقرار وتحقيق الأمن فى مصر لهو أمر حتمى وحيوى للقارة الأوروبية بأكملها. ومضى ليقول: « إن المسئولين المجريين يؤكدون فى ذات السياق على أهمية مراعاة الخصوصيات الثقافية والأبعاد الاجتماعية لكل دولة عند الحديث عن التعامل مع نموذج مفروض لشكل محدد من الديمقراطية؛ فالاختلاف المجتمعى من منظورهم كائن بين الدول الأوروبية ذاتها، فما بالنا إذا ما تحدثنا عن الدول العربية أو الإسلامية أو تلك المُنتمية للحضارات المتوسطية، وهذه بالقطع مواقف لها تأثير ومصداقية عندما تُطرح من دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى. لكن ماذا عما جرى تحقيقه على صعيد العلاقات التجارية الاقتصادية بين مصر ودولة اوروبية مثل المجر التى «يزيد إجمالى ناتجها المحلى عن 206 مليارات دولار ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الناتج المحلى حوالى 20 ألف دولار سنويا»؟ قال السفير المغربى: «إن وزارة الخارجية تعمل على تشجيع الاستثمار المُتبادل والارتقاء بالتبادل التجارى البالغ 300 مليون يورو والذى لا يتناسب مع مقومات البلدين، وذلك من خلال التواصل مع الشركات المجرية المعنية والتى من شأنها الاستثمار فى مصر بالاستفادة من المشروعات العملاقة المطروحة على الخريطة التنموية فى مصر، وهى مشروعات تتناسب بالفعل مع القدرات المجرية وما تُتيحه من مزايا نسبية مقارنة بدول أخرى. واشار سفير مصر فى المجر الى اللجنة المصرية المشتركة بوصفها احدى اهم آليات تفعيل استراتيجية النشاط الاقتصادى التجارى بين البلدين. وقال إن الدورة الثالثة لهذه اللجنة ستعقد فى القاهرة فى الأسبوع الأخير من فبراير المُقبل». وعلى صعيد العلاقات الثقافية والتعليمة قال :» انه لا يُمكننا تجاهل استفادة الطلبة من الجانبين بالمنح التى تقدمها كل دولة وفقًا للبرنامج التنفيذى للاتفاق الثقافى والتعليمى والعلمى للعامين 2015-2017، والذى يُتيح استفادة الطلبة المصريين من مائة منحة دراسية جامعية سنوية، من بينها 35 منحة للدراسات العليا لدرجتى الماجيستير والدكتوراه، فى حين يقوم الطلبة المجريون بالاستفادة من دورات بحثية فى مصر فى مختلف المجالات العلمية». ولم يغفل السفير محمود المغربى الاشارة الى العلاقات البرلمانية بين البلدين وما تحقق خلال زيارة وفد مجلس النواب المصرى لبودابست فى نهاية نوفمبر الماضى وما تحقق من تشكيل «مجموعة الصداقة البرلمانية المصرية المجرية ويشارك فى رئاستها عن الجانب المصرى النائب علاء عبد المنعم». قال إنه «تم الاتفاق على دعوة الجانب المجرى إلى مصر خلال النصف الأول من العام الجارى لصياغة الخطوط الرئيسية للتعاون البرلمانى الثنائى». ومن اللافت ان لقاءنا مع السفير محمود المغربى جاء مواكبا للقاءات اخرى استمعنا خلالها الى الكثير من «حكايات المصريين فى بودابست» وفيها ما يدعو الى الفخر والانبهار بما يقوم به ابناء الوطن فى المجر وهو ما اسهب فى سرد تفاصيله الدكتور السيد حسن رئيس مجلس ادارة «اتحاد الجاليات العربية» و«الجالية المصرية» فى المجر. وبهذا الشأن قال السفير المغربى أود الإشادة بالدور المُجتمعى الذى تلعبه الجالية المصرية من خلال تقديم الدعم المعنوى للمغتربين العرب والعمل على تسهيل إندماجهم فى المجتمع المجرى. وكان الدكتور السيد حسن قد اشار، اضافة الى ما ذكره سفير مصر فى المجر، الى ما تقوم به الجالية المصرية على صعيد تهيئة المغترب المصرى والعربى للحياة فى المهجر، من تعليم للغة المجرية، وتعريف بالقوانين ومجالات العمل فى المؤسسات فى هذه الدولة الاوروبية، فضلا عن مساهماتها فى حل ما يصادف المغترب من مشاكل .