يعنى الاستشراق استغراق عالم أو فنان و أديب فى عوالم الشرق وتفاصيله وثقافته ولغاته. ويقصد بالشرق مصر وسوريا ولبنان وفلسطين وشمال إفريقيا والتاريخ العربي لاسبانيا وتاريخ فينيسيا مع القسطنطينية. ويقصد به أحيانا بعض بلدان الخليج العربي وكذلك الحضارة الفارسية والهند.والبعض يضم الصين واليابان. والاستشراق وصل لأبلغ صوره فى الفن التشكيلى نحو منتصف القرن التاسع عشر، لكن لا يمكن اعتباره مدرسة فنية بعينها لوجود اختلافات جوهرية فى أساليب الاعمال الفنية وطرق تقديمها للضوء وتعاملها مع الالوان. لكن التشابه هنا فى الموضوعات والايقونات والتوجه الفنى. بالطبع هناك العديد من الصلات التى ربطت الشرق بالغرب مثل العلاقات التجارية والغزوات الاستعمارية والحروب الصليبية. كان الاسشراق فى التصوير شكليا فى بدايته لكن ساهم كتاب ألف ليلة وليلة فى تغذية المخيلة الغربية عن الشرق خاصة وأن وقائعه تحدث فى اكثر من بلد. وسبق الولع بمصر و علم المصريات الاستشراق بنحو قرن من الزمان. وكان السبب الحملة الفرنسية بمصر وما تلاها من اكتشافات للحضارة الفرعونية. وهناك من الرسامين من اهتم بالقصص المتكررة فى القرآن والانجيل مثل ديفيد ويلكى وهولمان هانط. وساهمت الغزوات الغربية فى ان يكتشف الفنان الاوروبي عظمة العمارة الاسلامية وروعة تصميمات الديكور الداخلى بها فنقلها لأعماله ليراها جمهور بلاده من الفنانين والجمهور لتتسع دائرة التأثر. وكان مشهد الحرملك النسائى هو الأكثر تكرارا فى اللوحات. ونحو عام 1870 لم يعد الرسامون الفرنسيون والانجليز هم من يرسمون أغلب رسومات الاستشراق كما كان فى السابق، لكن أبناء جنسيات أوروبية وأمريكية أخري قدموا لباريس بعد حرب بروسيا ليلتحقوا باكاديمية جوليان وكلية الفنون الجميلة. وهناك أيضا النمساوى ليوبوليد مارك مولر الذى أدمن السفر للشرق وشجع أبناء بلده على تقليده. ولم يكن السفر للشرق به أى مشقة. وبشكل عام كان الرسامون المستشرقون لا يتمون لوحاتهم فى بلاد الشرق الا اذا بقوا بها فترة طويلة، كانوا فقط ينجزون اسكتشات بالقلم او الحبر او الاكواريل لما يريدون رسمه ويكملون الباقى فى بلادهم. طبعا هناك لوحات تمهيدية بالاكواريل انجزها ديلاكروا وروبرتس ولير. وكان هؤلاء المستشرقون يلجأون للصور الفوتوغرافية بمجرد ظهورها، كذاكرة بصرية لهم فى رسومهم المستقبلية عن الشرق، ومنهم من كان يصطحب معه اكسسورات مميزة أو ملابس شرقية كمصدر الهام أثناء الرسم. وتعد مجموعة جيل روبير أوجست من أهم المجموعات فى هذا الصدد والتى بدأ جمعها منذ عام 1924.ومن أهم الرسامين المستشرقين الفرنسي يوجين ديلاكروا ( 1798- 1863) الذى ركز جل ابداعاته فى الجزائر والمغرب. وكان سليل اسرة فرنسية عريقة. وتحمس لاعماله العديد من العظماء مثل الشاعر بودلير الذى قدم لوحته مذبحة فى سيو.وبفضل علاقاته عمل مبعوثا لسلطان المغرب مولاى عبد الرحمن وكتب ورسم كثيرا عن الأخلاق النبيلة والملابس الراقية للشعب هناك سواء من العامة أو الاغنياء .ومن أشهر لوحاته مملوك على الحصان، وصراع بين باشا وانسان بسيط وعبور نهر بالمغرب، واغلبها تم اقتناؤه من متحف اللوفر الشهير بباريس. وهناك أيضا الرسام الانجليزى ديفيد روبرتس (1796- 1894)، الذى اشتهر كرسام معمارى ومصمم ديكور للمسرح، قبل ان يبدأ رحلته مع الشرق بالذهاب لجنوب أسبانيا والمغرب والتى فتحت شهيته لهذا العالم. حيث توجه بعد ذلك الى مصر وانفعل بالاثار المختلفة هناك ورسم رسومات رائعة عن النوبة وعن السويس عام 1839.ثم ذهب ليافا والقدس والناصرة. وعاد بعد 12 سنة من رحلته تلك لانجلترا بالمئات من رسومات الزيت والاعمال الطبوغرافية. واشتهر كثيرا عام 1842 عندما نشرت أعماله تلك فى ستة اجزاء أثارت الجماهير كثيرا لكونها رسوما تفصيلية عن الأراضى المقدسة فى العهدين القديم والجديد.وهناك الفرنسي بنجامين كونستون صاحب الاسلوب الرائع الملئ بتفاصيل الالوان الزاهية والديكور. والرسام الأمريكى فردريك أرثر بريدجمان الذى اشتهر برسم نساء الشرق، ونشر كتابا بنيويورك بعنوان شتاء فى الجزائر عام 1890 حقق مبيعات كبيرة. وهناك البولندى العظيم ستانليس فون شليبوفسكى الذى كان ملحقا ببلاط السلطان عبد العزيز فى القسطنطينية وكانت أشهر لوحاته شحاذون بمدخل السلطان حسن بمصر. لمزيد من مقالات احمد عاطف;