ناضلت الاحزاب السياسية والقوى الديمقراطية فى الوطن العربى من اجل الانتقال من السلطوية الى الديمقراطية واتخذ هذا النضال أشكالا متعددة منها تشكيل مؤتمر الاحزاب العربية سنة 1996 بمشاركة اكثر من 80 حزبا سياسيا عربيا من 12 قطرا عربيا يمثلون الخريطة السياسية بمختلف اتجاهاتها. وقد كشف نشاط هذا المؤتمر عن اوجه شبه بين نضال الاحزاب السياسية والقوى الديمقراطية فى مختلف انحاء الوطن العربى مما مكنها من النضال المشترك واستخلاص العديد من الدروس المستفادة من نضالها. رغم تفاوت الأوضاع الحزبية فى الأقطار العربية بين الحظر الكامل للتعددية الحزبية والتقييد الصارم والتعددية المشروطة المقيدة، ويؤثر هذا التفاوت على خريطة الأحزاب العربية من حيث الانتشار والحجم والفاعلية والقدرة على التأثير فهناك حظر مطلق على التعددية الحزبية فى دول الخليج الست، كما شهد السودان هذا الحظر طوال فترة التسعينيات رغم تمتعه قبل ذلك بتعددية حزبية ناضجة، كما أدى تفكك الدولة فى الصومال والعراق ومن بعدهما سوريا إلى الحيلولة دون قيام أحزاب سياسية حقيقية وغلبة الصراع القبلى والعشائرى على الحياة السياسية هناك. ويمكن القول أن التعددية الحزبية مصادرة أو شبه مصادرة فى نصف الاقطار العربية تقريبا. أما النصف الآخر الذى يشمل مصر والأردن ولبنان واليمن وفلسطين وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا فإنه يشهد نوعا من التعددية الحزبية المقيدة تتسم بثلاث سمات هى: هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى ومجمل الحياة السياسية. - التدرجية فى الانتقال إلى التعددية بقرار من السلطة التنفيذية. - الانتقائية فى الأنشطة المسموح بها للأحزاب والقوى التى يسمح لها بتأسيس أحزاب معترف بها. وفى ظل هذا الوضع من التعددية المقيدة والانتقائية يمارس أكثر من مائة حزب سياسى النشاط فى هذه الأقطار بدرجات متفاوتة من الحرية والفاعلية وتتوزع هذه الأحزاب بين تيارات أربعة أساسية هى التيار الليبرالى والتيار الإسلامى والتيار القومى والتيار الاشتراكى والماركسى، ولا يخلو قطر من هذه الأقطار التسعة من أحزاب تمثل هذه التيارات الأربعة. ورغم أن الانتقال إلى التعددية الحزبية بدأ فى بعض هذه الأقطار منذ السبعينيات إلا أنها لم تحقق حتى الآن تقدما ملموسا نحو تعددية حزبية حقيقية ومازالت هذه الأقطار جميعاً تعانى من احتكار حزب بعينه وفئات محددة للحكم ما عدا المغرب التى شهدت نوعا من تداول السلطة محكوما أيضاً بالهيمنة الملكية. ولاتزال التعددية مقيدة وانتقائية حيث تحرم قوى من تأسيس أحزابها ويلعب دورا أساسيا فى استمرار احتكار الحكم نظم انتخابية لا توفر ضمانات حقيقية لحرية الانتخابات تكفل تعبيرها عن إرادة الناخبين وتجعل إرادة الشعب مصدر سلطة الحكومة بالفعل ولايزال العمل السياسى الجماهيرى مقيدا ومحاصرا. وفى ظل هذه الأوضاع ورغم التضحيات التى قدمتها كثير من القوى والأحزاب العربية فإنها لاتزال غير قادرة على النمو والاتساع والتحول إلى قوى جماهيرية مؤثرة. وقد حددت هذه الأوضاع جدول أعمال النشاط الحزبى فى مختلف الأقطار العربية كما حددت أولوياته، حيث تحظى الديمقراطية وحقوق الإنسان بالأولوية بصفة عامة وضرورة توافر نظم انتخابية سليمة والغاء القوانين المقيدة للحريات بصفة خاصة. وتلتقى الاحزاب العربية حول اولوية الالتزام بمرجعية حقوق الإنسان من خلال النضال من اجل: - توفير الحقوق السياسية والمدنية، خاصة حق الأفراد فى المشاركة على قدم المساواة فى - إدارة الشئون العامة فى دولهم بواسطة ممثلين يختارون فى حرية، وحق المواطن فى أن ينتخب وينتخب فى انتخابات حرة نزيهة مراقبة جيداً وتجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين، بما يضمن فى النهاية إمكانية تداول السلطة سلمياً، وأن يتاح لكل مواطن على قدم المساواة فرصة تقلد الوظائف العامة فى بلده. - حماية المرأة من أى اضطهاد. - الحق فى حرية تكوين الأحزاب والجمعيات الأهلية بلا قيود وانشاء النقابات والانضمام اليها، بما فى ذلك الحق فى تعدد الأحزاب وديمقراطية واستقلالية النقابات والجمعيات، واطلاق حرية إصدار الصحف وأجهزة الإعلام، وحق الحصول على المعلومات من مصادرها بدون قيود، وحق المواطنين فى التجمع والتظاهر والإضراب السلمى. - حق كل إنسان فى حرية الفكر والاعتقاد والدين. - الحق فى الحياة وضمان الأمن الشخصى للإنسان وحرمة مسكنه وحياته الخاصة . وهكذا يبدو أن هناك تفاهما واضحا بين أغلبية الأحزاب العربية على أولوية الديمقراطية وانطلاقها أساسا من حقوق الإنسان كما نصت عليها المواثيق الدولية، وليس من شك فى أن هذا التفاهم يلعب دورا مهماً فى استمرار وتصعيد نشاطها الذى تقوم به فى نشر ثقافة حقوق الإنسان كجزء من نضالها من اجل الانتقال الديمقراطي. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر;