أكد الرئيس السيسى فى تصريحاته للجلسة الخاصة بتطوير التعليم فى المؤتمر الشهرى الأول للشباب، أن إعادة صياغة الشخصية المصرية هو الأهم.. نعم سيادة الرئيس هذا هو الهدف الذى يجب أن يبنى عليه إعادة صياغة المنظومة التعليمية. لكن هل المشكلة فى وضع الأهداف؟ إن أهم أهداف التعليم المصرى فى جميع الاستراتيجيات منذ إستراتيجية 1987 تأكيد بناء الشخصية المصرية القادرة على مواجهة تحديات المستقبل، فليست العبرة بالألفاظ التى تصاغ بها الأهداف. المشكلة تكمن فى التناقض بين الهدف وبين الممارسات على أرض الواقع، بين النظرية والتنفيذ، ففى الوقت الذى اعتبرت الدولة هدف التعليم هو بناء الشخصية المصرية المتوازنة دينيا وثقافياً وعلمياً وقومياً، كان يسمح للمدارس التى تسمى إسلامية بالتوسع فى إنشائها فى إطار تشجيع القطاع الخاص للاستثمار فى التعليم. وعلى الرغم من أن تلك المدارس ملزمة بمناهج الوزارة ومقرراتها، فإنها استطاعت إضافة بعض المواد الدينية ولقد أطلق العنان لهذه المدارس لتدريس المناهج الدينية دون الرجوع إلى الأزهر الشريف وكانوا يستقطبون أولياء الأمور بذريعة تعليم أبنائهم وسطية الإسلام وتهيئة بيئة إسلامية صالحة من حيث العقيدة, والخلق والسلوك (على حد زعمهم). كانت هذه المدارس قبلة العائدين من دول الخليج، وأبناء الطبقة المتوسطة، وعلى الرغم من الاختلاف فى المستوى الاقتصادى بين المدارس الخاصة والمعاهد الأزهرية ومدارس الجمعيات الشرعية، فإنها كانت جميعاً تنتهج نفس الفكر. واستطاعت من خلال المناخ المدرسى أو المنهج الخفى أن تحقق بدرجات متفاوتة بيئة تعليمية ذات طابع دينى خالص بعيدة كل البعد عن الروح المصرية الوطنية حتى النشيد الوطنى لم يكن يردد فى هذه المدارس، وخرجت أجيال منذ ثمانينيات القرن الماضى تنظر إلى المجتمع المصرى على أنه مجتمع ناقص الإيمان، وهذا يفسر لنا سهولة انسياق هؤلاء إلى الفكر الدينى المتطرف.. إنه التعليم لمن يتساءل من أين للمتطرفين والاخوان بكل هذه الأعداد؟على الجانب الآخر وفى الوقت الذى أعلنت فيه الدولة أن التعليم أمن قومى عام 2000 ظهر التعليم الأجنبى الذى يتمثل فى المدارس الدولية التى تعتمد على استيراد منظومة تعليمية متكاملة أسهمت فى تنشئة أفراد تستغرقهم وتبهرهم الثقافات الأجنبية ويرفضون القيم والثقافة بالمجتمع المصري. إن انتشار المدارس بمناهجها الأجنبية والدينية والمناخ المدرسى والتعليمى الذى يعيش فيه الطفل منذ التحاقه بالمدرسة فى سن الرابعة حتى تخرجه فيها فى سن السابعة عشرة، يهدد وحدة المجتمع وتماسكه، ويفقد الدولة ركناً مهما من أركان تنشئة المواطن للعيش فى المجتمع المصرى. إننا لا نحتاج إلى إصلاح للتعليم بل نحتاج إلى ثورة لتغيير كل هذه الفوضى.. سيادة الرئيس إن أهم مهام هذه الثورة إصدار قانون لتوحيد مرحلة التعليم الأساسى وإغلاق جميع المدارس الدينية والأجنبية، بحيث يخضع جميع أبناء الوطن لنظام تعليمى موحد فى المرحلة الابتدائية على الأقل. سوف يقابل هذا الاقتراح بثورة من أصحاب المصالح والمنتفعين ليبقى الحال كما هو عليه، لكن هذا هو الطريق الصحيح لبناء الشخصية المصرية المنتمية.. وإذا لم نصل إلى توحيد التعليم فى أساسه بقينا فى مضطرب من فوضى الأهواء، فاختلاف الأساس، يخلق نظامًا للطوائف.. كما قال الراحل حسين هيكل 1940فى دعوته لتوحيد التعليم الأولى. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان;