أكد الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار علماء الأزهر، أن ما يفعله الإرهاب من ترويع وقتل وتفجير للكنائس لا يجيزه الإسلام، بل حذر منه أيضا لما يحدثه ذلك من إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى فى المجتمع. وقال فى حوار ل «الأهرام»: إن حماية دور العبادة أمر واجب دينى ووطني، وأن على ولاة الأمر أن يمكنوا أصحاب الديانات الأخرى من إقامة شعائرهم الدينية. وطالب بتكاتف المؤسسات الدينية والفكرية ووسائل الإعلام لمواجهة تلك الأفكار المتطرفة التى تستبيح القتل والدماء ولا علاقة لها بالإسلام فهو منها براء، مؤكدا أن الهجوم الحالى على ثوابت الدين والسنة النبوية وأئمة المسلمين فى بعض الفضائيات هو مخطط خارجى ممنهج ومنظم يستهدف تشكيك الناس فى عقائدهم. وشدد على ضرورة إجراء حوار مع الشباب لمواجهة موجات التكفير والإلحاد التى تستشرى فى أوساطهم، والإسراع بإصدار تشريع قانونى جديد لمواجهة فوضى الفتاوى وقصرها على علماء الدين المتخصصين.. وإلى نص الحوار: ما موقف الإسلام من أتباع الديانات السماوية؟ وما ردكم على دعاة الفكر المتطرف الذين يقتلون ويروعون الآمنين باسم الدين؟ وما واجبنا تجاه حماية دور العبادة؟ موقف الإسلام من أتباع الديانات السماوية هو ما نص عليه رب العزة فى قوله تعالي: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم حقوق أتباع الديانات الأخرى الذين يعيشون معنا تحت سماء واحدة وأرض واحدة واختلطت دماؤنا معا فى الحروب دفاعا عن الوطن، ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ظلمهم فقال: (ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه إلى يوم القيامة)، ومعنى هذا أن أتباع الأديان لهم ما لنا وعليهم ما علينا لا يظلمهم أحد ولا يعتدى عليهم أحد فالإسلام أمر بالمعاملة الحسنة معهم وقال الرسول صلى الله عليه وسلم محذرا من إيذائهم: (من آذى ذميا فأنا خصمه).. والذمى هو غير المسلم. وحماية دور العبادة الخاصة بهم وتمكينهم من أداء شعائر دينهم هو أمر واجب على جميع ولاة الأمر أن يمكنوا أتباع الأديان الأخرى من أداء شعائرهم وألا يسمحوا بإيذاء شعائرهم أو العدوان عليهم فذلك لا يجوز، وتمكينهم من عبادتهم أمر شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه عندما جاءه وفد نجران فى مسجده واستقبلهم فى المسجد، ولم يمنعهم من دخول المسجد، بل عندما أرادوا أن يقيموا شعائرهم فى المسجد النبوي، اعترض بعض المسلمين فنهاهم الرسول، بل أكثر من هذا كان الرسول بنفسه يقوم بتقديم الخير والكرم والتحية لهم بنفسه، وعندما أراد بعض المسلمين أن يقوموا بذلك نيابة عنه، رفض صلى الله عليه وسلم، وقال إنما أريد أن أكرمهم كما أكرموا إخوانكم فى الحبشة، فالإسلام به شواهد كثيرة على حماية أتباع الديانات الأخرى ودور عبادتهم، فالمواطنة أمر مقرر فى الإسلام يجب أن يحترمه الجميع. والمعتدى على دور العبادة إما أن يكون جاهلا بالحكم فنعرفه الحكم الشرعى وننبهه ونوجهه فإن أصر على ذلك واعتدى بدافع الحقد والعدوان والإرهاب والطغيان حوسب على عمله وعوقب عليه إن قتل يقتل وإن اعتدى يحاسب على اعتدائه. كيف ترى الهجوم الحالى على ثوابت الإسلام فى بعض الفضائيات؟ وهل تعتقد أنه مخطط خارجى للتشكيك فى الرموز والثوابت أم بحث عن الشهرة؟ هذه حقيقة لا يمارى فيها إنسان عاقل، أن هناك هجوما غير مبرر على ثوابت الإسلام وخاصة على السنة المطهرة وعلى شوامخ أئمة الإسلام ووصفهم بأوصاف لا تليق بإنسان مسلم فضلا عن ان يكون علما من كبار العلماء وإماما من أئمة الإسلام. وهذا الهجوم فى الفضائيات ممنهج وراءه أياد خفية تعمل ضد الإسلام وضد الأمن وضد الأوطان وواجب الأمة الإسلامية حكومة وشعبا أن تصد هذا الهجوم المعادى للإسلام وإلا ستكون عواقبه وخيمة. بعد الهجوم على السنة النبوية هل سيحدث تشكيك فى القرآن؟ وما ردكم على من يسمون أنفسهم ب (القرآنيين) الذين يطالبون بالاكتفاء بالقرآن؟ إن الهجوم على السنة يعتبر هجوما على القرآن لأنهم حين يقولون إننا لسنا فى حاجة للسنة فمعنى هذا أنهم يخالفون القرآن نفسه قال تعالي: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فهم يخالفون الأمر الربانى الذى امر بالأخذ بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ان الله امر بطاعة رسوله وبين أن طاعته طاعة لله فقال تعالى (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، بل بين رب العزة ان الذين يبايعون رسول الله إنما يبايعون رب العزة حيث قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، فلم يقل إن الذين يبايعونك كأنما يبايعون الله، بل قال إنما يبايعون الله وهذا ابلغ تعبير على اتباع الرسول. فى ظل حالة فوضى الفتاوى التى نعيشها هل نحن فى حاجة لقانون ينظم الفتوى فى مصر؟ بلاشك نحن فى حاجة إلى هذا لأن فوضى الفتاوى انتشرت فى الفترة الأخيرة، خاصة فى بعض الفضائيات وبعض وسائل الإعلام وان يدخل ميدان الدعوة وميدان الفتوى كل من هب ودب والقرآن قال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، والمقصود بأهل الذكر هنا هم أهل الاختصاص أى العلماء المتخصصين فى علوم الإسلام والشريعة الغراء فيجب ألا يسأل الناس إلا العلماء وليس الجهلاء لان الجهلاء هم ضياع للعلم والدين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا). ما دور وسائل الإعلام فى ترشيد الظاهرة ومنع غير المتخصصين من الإفتاء فى أمور الدين؟ وما السر وراء اختفاء علماء الأزهر من الساحة الإعلامية؟ على وسائل الإعلام دور مهم قبل أن نقول تقنين الفتوى وقبل أن تصدر الأوامر لمن يفتى، فعلى الإعلام أن يتحرى أهل الذكر والاختصاص وألا يفسح المجال لكل من هب ودب وإنما تخصص الفتوى لأهل العلم وأهل الحق وان يطبقوا قول الله تعالي: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» فتفسح المجال للعلماء المتخصصين فقط حفاظا على المجتمع، وعلماء الأزهر لم يختفوا والدليل على هذا لقائى اليوم مع جريدة «الأهرام» فأنا عضو هيئة كبار العلماء وأتحدث فى وسائل الإعلام المختلفة فهل أنكرنا أنفسنا واختفينا عنكم وتم اللقاء وقد شرفتمونى فى مسجد العشيرة المحمدية فلا يوجد اختفاء من علماء الأزهر فمنهم من يخطب فى المسجد ومنهم من يلقى محاضرات فى ساحات العلم ومنهم من يتحدث فى وسائل الإعلام كلها. والمؤسسة الدينية التى تتمثل فى الأزهر ليست عاجزة عن الوقوف ضد من يهاجمون الثوابت بل يوجد ردود وتوضيحات فى مجلة الأزهر وجريدة «صوت الأزهر» وكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية فعلماء الأزهر يردون ويثبتون بالدليل فى الكتاب والسنة. فى ظل الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ما الدروس والعبر المستفادة؟ الحب والدفاع عن النبى يتمثل فى العمل بتعاليمه ومبادئه والدفاع عنه وتطبيق سنته الشريفة لان الحب ليس كلاما يقال بل هو عمل وتطبيق بل إن حب الله عمل وتطبيق والأقوال لا تكفى فقط. كيف ترى موجات الإلحاد التى تضرب الشباب؟ وما الكلمة التى تقولها للشباب فى ظل الظروف التى تمر بها مصر والدول العربية والإسلامية؟ موجات الإلحاد التى تستشرى فى بعض الشباب بسبب بعد الشباب عن الدين وسببها عدم تنشيط الدعوة الإسلامية وواجب أمتنا الإسلامية أن تواجه مثل هذه الموجات بعقد ندوات حوار بين العلماء وبين الشباب حتى يستمعوا إلى ما فى آذانهم من بعض الفتن والبلبلة ويرد العلماء عليهم وينصحوهم ولا شيء اقرب للإقناع وأقوى من الحوار فأنا اقترح أن تعقد حوارات وندوات بين العلماء والشباب، وأن تذاع وتبث حتى تكون تحصينا لغيرهم من الشباب ولنشر الفائدة. وأقول للشباب عليكم بطلب العلم من أهله ولا تطلبوه من غير أهله لان الله تعالى أمر بذلك لقوله تعالي «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» واعلموا أن المستقبل ينتظر منكم قوة تصد وترد كل دواعى المغرضين وكل مذاهب أهل الافتراء، وأن دينكم دين سمح، وأن رسولكم أمر بالتمسك بالكتاب والسنة فقال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتي).