لماذا نكتفي مع كل إساءة تتكرر للإسلام ونبيه الكريم صلي الله عليه وسلم بالتظاهر والتنديد والشجب والاستنكار ؟! ولماذا لا تبادر المؤسسات الدينية والإعلامية والفنية في العالم الإسلامي باستخدام إمكانياتها الضخمة لتوضيح الصورة الحقيقية للدين الإسلامي وفقا لوسائل العصر مثل إنتاج فيلم عالمي يجسد عظمة الإسلام ويوضح صورته السمحة,وتوسيع حركة الترجمة للكتب الإسلامية, وإعداد برامج جديدة مترجمة هادفة توجه للغرب بلغة يفهمها وتكشف منهج الإسلام في التعامل مع أصحاب الديانات الأخري ؟! فكرة إنتاج فيلم يجسد عظمة الإسلام يراها الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه جامعة الأزهر, ردا مناسبا وقويا علي الافتراءات الكاذبة التي حدثت في الفترة الأخيرة, ويقترح أن يركز الفيلم علي القيم ويصحح المفاهيم الخاطئة التي يرددها أعداء الإسلام, ويبين أن الرسول صلي الله عليه وسلم بعثه الله تعالي رحمة للعالمين كما ورد في القرآن الكريم وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين, وأن هذه الرحمة لا تقتصر علي المسلمين الذين آمنوا بدعوة النبي بل تتعداهم إلي غيرهم من أمم الأرض, وأن الإسلام يعتبر من أساسيات إيمان أتباعه, الإيمان بجميع الديانات السماوية الأخري, والإيمان بالأنبياء والرسل الذي بعثهم الله تعالي هداة للبشرية, وأن احترام هؤلاء الأنبياء والرسل وتوقيرهم, جزء من الإيمان برسالة محمد صلي الله عليه وسلم, والتأكيد علي أن الدين الإسلامي وسع أتباع الديانات السماوية الأخري, وترك لهم الحرية في إقامة شعائر دينهم, ولم يجبرهم علي اعتناق الإسلام, بل جاء في الكتاب الكريم تخيير الله تعالي غير المسلمين بقوله: فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر, دون إكراه أو إجبار علي اعتناق الإسلام, وأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يجبر أحدا علي اعتناق الإسلام ولم يأمر صحابيا أو جيشا من جيوش المسلمين بإبادة مجتمع إن لم يؤمن أهله بالدين الإسلامي. كما أنه من الضروري أن نركز في هذا العمل الفني الراقي علي رفق الإسلام وأتباعه بغير المسلمين لدرجة منحهم من أموال زكاة المسلمين ما يستعينون به علي حياتهم إن عجزوا عن الكسب, ليعلموا أن الإسلام يعطي ولا يأخذ, يمنح ولا يمنع, ولا يطمع في الاستيلاء علي مال أحد أو حرمان أحد من ملكه وأنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن أحدا من الفاتحين لبلاد غير المسلمين استذلهم أو أخذ مالهم وممتلكاتهم أو أتلف معابدهم ومقدساتهم, لأن بغية الإسلام أن يعتنق الناس دين الله تعالي بحرية واختيار, فعظمة هذا الدين أنه يأمر أتباعه بمعاملة غير المسلمين بالحسني, حتي أن الله تعالي خاطب نبيه بقوله قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله, وهذا يدل علي أن الإسلام العظيم لا يتصف بالعنصرية, ولا يأمر أتباعه ببغض أصحاب الديانات الأخري, بل إنه من عظمة الإسلام تسامحه مع أصحاب الديانات الأخري, ودعوته إلي الصفح عنهم وإن صدرت منهم إساءة للإسلام وأهله, وقد حدث هذا من النبي صلي الله عليه وسلم لما فتح مكة, رغم ان أهلها كانوا قد اشتطوا في إيذائه, حتي أنهم تآمروا علي قتله وقاموا بتعذيب المسلمين والتنكيل بهم, لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لهم قولته المشهورة: ما تظنون أني فاعل بكم, قالوا خيرا, أخ كريم وابن أخ كريم, قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء, كما حدث هذا مع أهل الطائف الذين رجموه بالحجارة حتي أدموا قدمه الشريفة. مدنية الدولة الإسلامية ويشير الدكتور إدريس إلي أن هناك الكثير من الأحداث في التاريخ الإسلامي تتطلب التركيز عليها وتوضيحها من خلال وسائل الإعلام أو الكتب أو إنتاج أفلام حول هذه القضايا تحديدا لأنها تحمل دفاعا عن الإسلام, فالرسول الكريم صلي الله عليه وسلم أرسي دعائم الدولة المدنية ولابد أن نوضح هذا الأمر في الوقت الحالي تحديدا حتي نقطع الطريق علي كل من يحاول الهجوم علي الإسلام من خلال إدعاءات باطلة تفرق بين أبناء الأمة وتفتح الطريق لمزيد من الهجوم علي الإسلام, فالإسلام منذ العهد الأول تعايش أتباعه مع أتباع الديانات الأخري, وكان بينهم وبين المسلمين تعاون وتآزر وتآلف, ولا أدل علي هذا من المدينةالمنورة التي جمعت بين جنباتها مسلمين ومسيحيين ويهود ومشركين ومنافقين, وكان بينهم جميعا تآلف وتعاون, واتفاق علي الدفاع عن المدينة وأهلها ضد من يريدها أو يريد أهلها بسوء, أيا كان دينه ومعتقده. ايجابيات الأزمة ويؤكد الدكتور جمال عبد الستار الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر أن الأزمة التي مرت بها الأمة علي أثر عرض الفيلم الذي حمل إساءة للرسول صلي الله عليه وسلم, فتحت لنا آفاقا ضخمة للتفكير الإيجابي الذي أوجبه الله علي الأمة, بإعداد عمل مبدع ننشر به قيم الإسلام ومبادئه السمحة, ويتساءل: إذا كان هذا الفيلم الذي أثار غضب المسلمين قام به مجموعة من الممثلين من قطاع الفن, فلماذا لا نرد عليه بعمل فني كذلك, إن في بلادنا جيوشا من الفنانين علي درجة عالية من الاحتراف ولا يعدمون التدين وحب النبي صلي الله عليه وسلم؟! وإذا كان عندنا كذلك من المنتجين والمخرجين أعداد ليست بالقليلة فلماذا لا ندشن عملا فنيا عالميا يشارك فيه الفنانون من كل دول العالم العربي والإسلامي ويمكن القيام بترجمته إلي لغات مختلفة نقدم من خلاله صورة مضيئة للقيم النبوية والمبادئ الإسلامية السمحة فنعمق الإيمان في قلوب المؤمنين خاصة أولادنا وبناتنا ونحسن تقديم الفكرة الإسلامية لغير المسلمين بوسائل إبداعية تفتح بابا للقبول وتترك أثرا فعالا في النفوس. ويضيف أن الفن ليس للتسلية أو تضييع الوقت أو غير ذلك وإنما الفن وسيلة كذلك لنشر قيم البناء والنهوض وكذلك طريق لتعميق الإيمان ونشر هدي النبي صلي الله عليه وسلم وبهذا يكون ردنا حضاريا إيجابيا فعالا يبني ولا يهدم, يوحد ولا يفرق, يعطي المجتمع درسا واضحا في أن نصرة الرسول ليست وقفا علي مؤسسة أو فئة بعينها بل إن كل المخلصين لدينهم ووطنهم يتنافسون في النصرة الحضارية الفاعلة وإننا نساهم جميعا بكل تخصصاتنا وأعمالنا في صناعة الحياة. كما يطالب المؤسسات الدينية والفنية والإعلامية بسرعة الاستجابة والإعلان عن اكتتاب عالمي فني لنصرة الرسول, أو عن فيلم عالمي يقدم السيرة المطهرة, أو عن دراما فنية تعرض حياة الصحابة الكرام بصورة جديدة فعالة مؤثرة, فهل يشارك الفنانون في صناعة الوحدة الإسلامية في جانبها الثقافي حتي يأذن الله بعد ذلك في وحدة سياسية؟ أتمني أن أري ذلك واقعا قريبا وفي أمتنا من الخيرات مالا يعلمه إلا الله. إدارة الأزمة ويشترط المفكر الإسلامي الدكتور الأحمدي أبو النور, وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر, أن يركز هذا العمل الفني علي عقلية الغرب ومخاطبته بالطريقة التي تحقق لنا ما نريد وهو توضيح صورة الإسلام وعرض قيمه السمحة وأن يكون الرد هنا بالفكر والتخطيط الجيد واستخدام أدوات العصر التي يجيدها هؤلاء وتؤثر فيهم. تلك الشروط التي وضعها الدكتور أبوالنور تستلزم تعاون الكثير من المؤسسات والجهات والهيئات ليس في دولة واحدة بل في الدول العربية والإسلامية ليكون رد الفعل قويا ومؤثرا, خاصة أن الدول العربية والإسلامية تمتلك الكثير من الأدوات التي تستطيع من خلالها إنتاج فيلم عالمي يترجم لعدد من اللغات الأجنبية للتعريف بالإسلام والرد علي الأكاذيب التي تهدف لإضعاف هيبة الدين في نفوس المسلمين, وحتي لا نظل دائما في موقع رد الفعل, لأن أعداء الإسلام دائما ما يفكرون في وسائل جديدة للهجوم علي الإسلام, في ظل غيبة المنظمات الإسلامية ودون وجود خطة للمواجهة, ونكتفي كل مرة بالتظاهر والشجب والاستنكار, ومع مرور الوقت تنتهي الأزمة دون وجود منهج واضح للرد علي هؤلاء والتعامل معهم والتفكير فيما يمكن أن يصدر منهم مستقبلا. المواجهة بالفكر ويري الدكتور أحمد عمر هاشم, عضو هيئة كبار العلماء, أن هناك طرقا متنوعة للرد علي الفيلم الذي حمل إساءة للرسول, ولا ينبغي أن نركز علي وسيلة واحدة فقط, وإمكانية إنتاج فيلم يجسد عظمة الإسلام فكرة طيبة للغاية وقد تكون مناسبة للتأثير علي بعض الفئات في الغرب من خلال ترجمة الفيلم لعدد من اللغات الأجنبية, لكن هناك وسائل أخري لابد أن نركز عليها, أهمها قيام وسائل الإعلام الرسمية بعمل برامج موجهة تستضيف كبار العلماء وتعرض هذه البرامج لسيرة الرسول الكريم ويتم ترجمة هذه البرامج وعرضها بشكل مستمر, لكن لابد أن تستضيف كبار العلماء الذين لديهم القدرة علي توضيح الحقائق والرد علي كل الافتراءات والأكاذيب, أيضا علينا أن نركز علي ترجمة الكتب الإسلامية التي تشمل مواقف الرسول صلي الله عليه وسلم وأن يتم إرسال تلك الكتب للمراكز الإسلامية في الخارج ويتم ذلك بالتنسيق مع الجاليات الإسلامية في الدول الغربية,وأن نمد هذه الجاليات بالكتب التي تحمل قيم الإسلام ومكانة الرسول وفضله علي البشرية كلها, وأن دعوة الرسول تحمل الخير والنور للبشرية ولم يكن فيها عنف ولا تشدد ومنهج هذه الدعوة جاء في قول الله تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وهنا نؤكد أن الرد علي هذه الافتراءات يكون من خلال إنتاج فيلم يخاطب فئة معينة من الغرب ويؤثر فيهم, ويكون أيضا بالكتب التي تحمل ردا علي هذه الإفتراءات.