ارتكاب عمليتين إرهابيتين بالقاهرة والجيزة خلال يومين، حيث تم استهدف كمين أمنى بمنطقة الطالبية بالهرم يوم الجمعة الماضى، وصلاة قداس الأحد بالكنيسة البطرسية بالكاتدرائية بالعباسية، يشير إلى انتقال الأعمال الإرهابية من سيناء للقاهرة الكبري، وهو تطور نوعى فى خطط الجماعات الإرهابية وعملياتها بعد نجاح الدولة فى التصدى بقوة للتنظيمات الإرهابية فى سيناء، الأمر الذى دفع قياداتها إلى نقل عملياتهم الدنيئة إلى داخل العاصمة ودور العبادة والأماكن التى تحظى بكثافة سكنية عالية، الأمر الذى يطرح تساؤلات عديدة فى أسباب تحول نشاط العناصر الإرهابية من شمال سيناء إلى قلب القاهرة وإثارة القلق بين المصريين ومحاولة بث الفتنة بين المواطنين، وربما تكون كلمة السر وراء كل العمليات الإرهابية هو فتح معبر رفح. تحقيقات «الأهرام» ترصد آراء المواطنين والخبراء الأمنيين والمتخصصين فى التنظيمات الجهادية حول هذه القضية. وبنبرة حزينة على فراق شهداء الكنيسة البطرسية بالعباسية والكمين الأمنى بمسجد السلام بالطالبية، عبر عدد من المواطنين عن دعمهم لجهود الدولة لاستئصال الإرهاب من جذوره. يقول جورج وليام - طالب - إن دماء شهداء الإرهاب غالية ولا فرق بين مسلم ومسيحى فكلنا أبناء هذا الوطن سنحميه وندافع عنه بدمائنا، والإرهاب سيموت ويبقى الوطن حرا بأبنائه المخلصين ، متسائلا : لماذا تحدث العمليات الإرهابية فور فتح معبر رفح؟ وترى سوزان ميخائيل - موظفة بإحدى الكنائس بالهرم - أن انتقال الإرهاب من سيناء إلى القاهرة، جاء بعد أن دعمت قطر تلك العمليات الإرهابية ماديا وإعلاميا ودعمت الحركات الإرهابية ماليا وأنفقت أموالا كثيرة لتغطية جرائمها الإرهابية والترويج لها. وطالبت سوزان مجلس النواب بسن تشريعات قوية لمحاربة الإرهاب والوصول إلى قرارات وقوانين رادعة وسريعة للقضاء على هذه الظاهرة. ويتفق معها فى الرأى شادى عبدالله - مهندس - بضرورة قيام مجلس النواب بدوره فى التصدى للإرهاب من خلال إصدار تشريعات تتضمن سرعة محاكمات الجماعة الإرهابية وتقليل درجات التقاضى للقصاص لدماء الشهداء، وإجراء محاكمات عسكرية للمتهمين فى قضايا الإرهاب. وترى شيرين أحمد - مدرسة أن محاولات عناصر الجماعة الإرهابية للوقيعة بين المصريين لن تنجح ، وسيبقى المصريون على قلب رجل واحد فى التصدى لجماعات الشر والإرهاب الذين يحصلون على تمويلات أجنبية لإسقاط الدولة المصرية، لذلك لابد من بتر يد الإرهاب بكل قوة . وأضافت أن المصريين لن ترهبهم الأعمال الإرهابية التى اقتحمت قلب العاصمة وسقط بسببها شهداء من المسلمين والأقباط ، حيث تجسدت روح الأخوة فى الإقبال الكبير من المصريين على بنك الدم للتبرع لمصابى الحادث الإرهابى وإنقاذ الضحايا. «السيطرة على سيناء» ويرى إيهاب راضى - الباحث فى شئون الحركات الجهادية - أن الجماعات الإرهابية نقلت عملياتها الإجرامية إلى داخل القاهرة هربا من ملاحقتهم وسيطرة الدولة على سيناء والنجاح الذى تحقق فى مواجهة العناصر الإرهابية، وهناك أسباب وراء هذا التحول الفكرى فى استراتيجية تنفيذ العمليات الإرهابية إلى داخل العاصمة هى أن القيادات الإرهابية تأكدت أن عملياتها النوعية فى سيناء أصبحت لا فائدة منها وصداها ليس بالمردود القوي، لذلك سعت إلى تحقيق نتائج كبيرة وخسائر فادحة داخل التجمعات السكانية لتنفيذ أكبر كم من الخسائر البشرية لمحاولة إحداث شيء من القلق والرهبة فى نفوس الشعب وإشعارهم بأنهم فى بؤرة الحدث دائما وأنهم قريبون من هذه العمليات وهذا غير صحيح. وأكد أن استهداف الأقباط يدخل كعنصر أساسى فى هذه الاستراتيجية الجديدة كنوع من أنواع رد الفعل العنيف معهم لتأييدهم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى ثورة 30 يونيو باعتبارهم أحد أسباب نجاحها، بالإضافة إلى رغبة الجماعات الإرهابية فى إحداث الوقيعة بين الأقباط والدولة لاظهارعدم قدرتها على توفير الأمن لهم، لذلك تم تنفيذ العملية الإرهابية فى مناسبة دينية مهمة عند الأقباط. «العلم واليقين» ويرى د. صبرة القاسمى مؤسس الجبهة الوسطية - أن الحرب على الإرهاب معركة تحتاج لمثابرة وتكاتف من الجميع للتصدى لهذه الجماعات الإرهابية المختلفة التى تسعى للنيل من أمن وأمان مصر الداخلى ويجب على المصريين أن يثقوا فى أنفسهم وقدرتهم فى التغلب على هذا الإرهاب الغاشم مهما طالت مدة مجابهته. وأكد أن التاريخ يؤكد أن الإرهاب مهما بلغ جبروته لا يهزم دولا، لكن الأمم ستنتصر فى النهاية، وأن القضاء عليه وضمان عدم انتقاله إلينا يلزمه التسلح بالعلم واليقين، ولابد أن يتحصن المواطن بالعلم ضد الأفكار الإرهابية حتى يستطيع مواجهتها ثم يأتى دور الأمن فى مكافحة الجريمة لأن الأفكار لا تواجه بالسلاح وإنما الجرائم والقتلة هم من تتم مواجهتهم وردعهم بالسلاح. وأوضح أن العناصر الإرهابية تسعى من خلال عملياتها داخل القاهرة إلى تهديد المواطنين فى الشارع والسعى لإيقاع ضحايا مدنيين وعدم الاكتفاء باستهداف رجال الشرطة والجيش بهدف تأثير عملياتها على حركة السياحة والاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى ما يحمله هذا التطور من مؤشر على زيادة تمويل هذه الجماعات وعملياتها من قبل دول تدعم الإرهاب، بالإضافة إلى تصاعد حدة الضربات الأمنية للإرهاب فى سيناء مما دفعهم للانتقال إلى القاهرة. «عدد الضحايا» ويرى اللواء أشرف محمد - الخبير الأمنى - أن تحول الإرهاب بشكل كبير من سيناء إلى القاهرة له أهداف معينة على رأسها زيادة عدد الضحايا من المدنيين وزيادة تأثير هذه العمليات وصداها الإعلامى والدولي، وكلما كانت هذه العمليات الإرهابية وسط القاهرة زاد تأثيرها عالميا وهو ما يتطلب مواجهة حاسمة من الدولة والشعب للتصدى للإرهاب وجماعاته المنظمة. وأضاف أن الاستباق الأمنى لتلك العمليات وسرعة رصد العناصر الإرهابية التى بدأت تنتقل إلى القاهرة لتنفيذ تلك العمليات الإرهابية أقوى الوسائل العملية لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، خاصة أنه كلما زاد تمويل الجهات الأجنبية لتلك العمليات الإرهابية كان التحول للإرهاب من سيناء إلى القاهرة، وأن الدولة تحتاج إلى منظومة يشارك فيها الجميع دولة ومؤسسات ومواطنين من أجل القضاء على الإرهاب، أما إلقاء القضية على عاتق الأمن فقط فهو يعد عبئا على الأجهزة الأمنية فلا بد من حضور دور المواطن وتعظيم المشاركة المجتمعية لمواجهة هذه الآفة الخطيرة. «الحصار الأمني» ويعلق اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية الأسبق قائلا: إن إنتقال العمليات النوعية من سيناء للعاصمة لم يأت طواعية ولم يكن إستراتيجية تم التخطيط لها بل أجبرت هذه الجماعات الإرهابية على ذلك بسبب الحصار الأمنى بسيناء وتفوق الدولة فى مواجهته بكل قوة. وأضاف أن التعرف على الإرهابى محمود شفيق فى أقل من 10 ساعات يدل على قوة الأجهزة الفنية بوزارة الداخلية ودورها فى كشف الخلية الإرهابية فى وقت قياسى يدل على التقدم الأمنى وتطوره فى مواجهة الإرهاب. «إمارة إسلامية» أما الخبير الأمنى العميد خالد عكاشة فيرى أن نقل العمليات الإرهابية من أطراف سيناء إلى قلب العاصمة هو أحد مظاهر التصعيد ضد الدولة خاصة أن الجماعات التكفيرية كانت تسعى إلى عزل سيناء والسيطرة عليها لإقامة إمارة إسلامية وعندما فشل مخططهم اتجهوا إلى القاهرة لتنفيذ جرائمهم الإرهابية. ويوضح أن ما يحدث من تحول فى العمليات الإرهابية واتجاهها للعاصمة يمثل الإستراتيجية التى تعتمدها هذه الجماعات لتحقيق انتصار وهمى لهم سواء فى سيناء أو فى قلب العاصمة لأنها ترى فى القاهرة الكبرى المسرح الأكثر سخونة وتأثيرا أمام الرأى العام الداخلى والخارجي، كما تؤمن لها الكثافة السكانية العالية حرية التنقل بالمتفجرات والاختباء وسط التكتلات البشرية. «الأقصر والمنيا» ويرى اللواء رفعت عبد الحميد - الخبير فى العلوم الجنائية ومسرح الجريمة - أن ما حدث من نقل للعنف من سيناء إلى قلب العاصمة يعد تحولا طبيعيا ومتوقعا من العناصر الإرهابية بعد فشلها فى سيناء كنوع من الضغط على الدولة ورغبة لدى الجماعات فى إثبات أن يدها ما زالت طويلة وتصل إلى داخل الدولة وأنها تستطيع الوصول بعملياتها إلى عمق القاهرة. ويشير إلى أن ما يحدث اليوم هو تكرار لإستراتيجية التسعينيات فبعد أن بدأت الجماعة الإسلامية العمليات فى الأقصر والمنيا وغيرهما من مدن الصعيد صعدت عنفها وتحولت إلى الاغتيالات والتفجيرات فى داخل القاهرة .و أن الجريمة الإرهابية فى الكنيسة البطرسية هى انتقام لتصفية قيادات الجماعات الإرهابية فى سيناء، لأنها تدرك أن توجيه الضربات الإرهابية فى القاهرة أكثر إيلاما للدولة وإحراجا للأجهزة الأمنية، لأن من وجهة نظرهم تنفيذ مهمة إرهابية داخل القاهرة بمثابة 10عمليات فى سيناء من حيث صداها الإعلامى والدولي. «القاهرة والدلتا» لكن مؤسس تنظيم الجهاد سابقا الشيخ نبيل نعيم يرى أن أعضاء جماعات العنف الدينى ينتشرون فى القاهرة والدلتا ولم ينتقلوا من سيناء إلى قلب العاصمة فهم يملكون قواعد فى القليوبية والشرقية والقاهرة والدقهلية، وهذه الجماعات استقبلت الفارين من سيناء وقد اجتمعت معا للقيام بهذه العمليات الإرهابية الأخيرة ، كما أن هذه العمليات لم تأت وليدة اللحظة بل كانت استراتيجيتها تتضمن القيام بهذه الضربات لكنها عجلتها بعد ما لقيته فى سيناء من سيطرة الدولة. وأضاف أن الجماعة الإرهابية لديها خطة تسعى لتنفيذها فى القاهرة وتهدف إلى ضرب السياحة ومحطات المياه ومحطات توليد الكهرباء والضغط العالي، لكن ضعف قدراتها بعد الضربات الأمنية المتلاحقة والناجحة ستقلل وتمنع من إمكانية تنفيذ هذه الخطة.