مع استمرار الأزمة السورية يوما بعد آخر تتكشف مدى أبعاد المؤامرة التى حاكها الغرب وما زال ضد وحدة واستقرار الدولة. فالحل لم يكن أبدا فى رحيل الرئيس السورى بشار الأسد أو القضاء على داعش، بل ولن يكون فى وقف القصف على حلب أو غيرها من عدمه، لكنه يكمن فقط فى وقف الدعم غير المحدود للعصابات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، التى أشعلت حربا عالمية بالوكالة، من أجل خدمة مصالح وحسابات تتعدى حدود سوريا، لتشمل المنطقة بأكملها. ومع اقتراب دخول الأزمة عامها السادس، جاءت ورقة فيديريكا موجيرينى منسقة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى لتكشف جانبا جديدا من أبعاد المؤامرة ضد الدولة السورية. وخلصت الورقة إلى أن «اللامركزية» مفتاح لتهدئة واستقرار الأوضاع فى هذا البلد الذى مزقه الحرب، واعتبرت أن «التحدى فى سوريا يكمن فى بناء نظام سياسى يمكن فيه لمختلف المجموعات والمناطق فى البلاد أن تعيش فى سلام جنبا إلى جنب، ضمن إطار سياسى موحد». وأعادت الوثيقة - التى صاغها مكتب موجيرينى فى منتصف نوفمبر الماضى - التذكير بأن «دستور عام 1973 الجارى العمل به فى سوريا يركز السلطات فى أيدى الرئيس، فى حين أن معظم المعارضين يطالبون بالعودة إلى دستور عام 1950، والذى يمنح دور أكبر للبرلمان». وأضافت أن «النظام السياسى وفقا لدستور73 هو سبب النزاع الدائر، ومن المتوقع ألا يؤدى إلى الاستقرار على المدى الطويل أو إلى النمو الاقتصادى المطلوب»، مشيرة إلى أن استمرار العمل به أصبح «أكثر صعوبة بعد التصدعات الناجمة عن حرب أهلية طويلة». وبالتزامن مع «ورقة موجيريني»، ظهرت خطة جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى حول «دمج المعارضة» فى أى حكومة سورية مستقبلا. تحول آخر فى مواقف الوزير، تماشيا مع ما سيق كمتطلبات بالورقة، والخاص بوضع المعارضة فى نظام الحكم السورى الجديد، بل واعترف كيرى مرات عدة - تحت الضغط الروسى - بأن تحديدها «مهمة صعبة»، كذلك فصلها عن التنظيمات الإرهابية ب«المهمة الأصعب». فالوزير كيرى الذى طالما نادى بسيطرة المعارضة على النظام السورى فى فترة ما بعد الأسد، مع دمج بعض العناصر التابعة له فيه حفاظا على مؤسسات الدولة، تناسى أن ما عرفته الولاياتالمتحدة طوال سنوات الأزمة الماضية باسم «المعارضة المعتدلة» لم يتم تحديدها حتى الآن، كذلك أن إدارته لم تعتمد فى إدارة معاركها على الأرض سوى على تشكيلات الأكراد المسلحة. بل إن كيرى توجه للاتفاق - فى آخر محاولاته قبل نهاية ولاية الإدارة الحالية - مع نظيره الروسى سيرجى لافروف على ضمان «الخروج الآمن» لمقاتلى ما تبقى تحت ذات وصف «المعارضة المعتدلة» فى أحياء حلب الشرقية، والتى من المعروف أن جبهة «فتح الشام» - النصرة سابقا - تمثل الجزء الأكبر منها، وهى الجماعة المندرجة تحت وصف «الإرهابية» وفقا لأمريكا. ويأتى ذلك فى الوقت الذى أيدت فيه الولاياتالمتحدة قرارا فى مجلس الأمن لا ينص على خروج المسلحين، بل على وقف فورى لإطلاق النار ضدهم، مع إعطائهم مهلة 10 أيام مهلة لحسم موقفهم من وقف إطلاق النار، الأمر الذى دعا لافروف للقول إنه «انطلاقا من الخبرة المكتسبة خلال فترات التهدئة السابقة فى حلب، لا يشكك فى أن المسلحين سيستغلون هذه المهلة لإعادة نشر قواتهم، وللحصول على التعزيزات، وهو أمر سيعرقل تطهير حلب الشرقية من وجودهم». فى السياق نفسه، كشف تقرير لمركز «أتلانتيك كاونسيل» أواخر الشهر الماضى عن ضرورة تغيير المعادلة العسكرية فى الميدان السورى خلال فترة الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب. وأوضح التقرير أنه لابد من تزويد فصائل من المعارضة السورية التى تم «التحقق من رصيدها» بأسلحة نوعية وصواريخ دفاعية، ف«عندما تسقط إحدى طائرات الأسد، تتغير المعادلة بأكملها». وذكر التقرير أنه «ينبغى على الولاياتالمتحدة أن تكون مستعدة للاستعانة بالقوة الجوية وأسلحة المواجهات واتخاذ إجراءات سرية وتعزيز الدعم لقوات المعارضة لكسر الحصار على حلب وإحباط مساعى الأسد لتعزيز قبضته على المراكز السكانية فى غرب سوريا». هكذا، فقد تناست ورقة «لا مركزية» موجيرينى أو خطة «كيري» للدمج، مقترحات الرئيس الأسد نفسه - أواخر مارس الماضى - حول إعطاء بعض مناطق الحكم الذاتى ضمن حدود الدولة السورية الموحدة، أو مشاركة المعارضة وقوى مستقلة فى الحكومة، الأمر الذى يؤكد مجددا على أن اختلاف المسميات الغربية للحل فى سوريا «لا مركزية» و«دمج»، لا تعبر فى الحقيقة سوى عن نية خفية فى استمرار الأزمة، حتى ضمان دور مؤثر فيها. فمن ناحية، ترى أوروبا أن أمريكا خلال فترة الرئيس باراك أوباما تركت عجلة إدارة الأزمة فى يد روسيا وحدها، دون ترك أى مساحة لأى من دولها للمشاركة فى أى تفاهمات سابقة ما بين الجانبين أو التأثير فى سوريا المستقبل، عبر معارضة ترتمى فى أحضانها. ومن جانبها، فإن الولاياتالمتحدة لا ترى سوى مشروعها التى سعت إلى تنفيذه منذ البداية، حيث الإطاحة بالأسد وترك البلاد مقسمة، وسط حرب طائفية ما بين سنة وشيعة وأكراد، إلى جانب انتشار للعصابات والجماعات الإرهابية، على أن تبقى داخل الحدود السورية فقط، كما هو عليه الحال فى العراق منذ 16 عاما، أو استمرارا لما هو عليه الحال فى ليبيا واليمن.