قبل وفاة سعاد حسني بعدة أشهر, دارت في الصحف المصرية والعربية معركة فنية صاخبة وثرثارة, تم التعامل معها بكثير من السطحية والسذاجة, فقد كنا مع مولد قرن جديد, القرن الحادي والعشرين, وكان السؤال المطروح: من هي نجمة القرن العشرين في السينما المصرية؟! وانحاز من انحاز إلي فاتن حمامة, وتحمس بضراوة من تحمس إلي سعاد حسني, وانتهت الاستفتاءات التي اجريت بالتصويت إلي تفوق محدود لفاتن حمامة فهي صاحبة ريادة خاصة بوصفها أول وأهم ممثلة سينمائية رائدة بالمعني الدقيق, وصاحبة ما يقرب من100 فيلم, كانت تمثل فيها روح البنت والمرأة المصرية منذ أواخر الأربعينيات حتي أوائل الستينيات! وكما هو الحال في المعارك الصحفية انتهت المعركة دون حسم حقيقي, لأن المقارنة كان ينقصها الكثير من الدقة والمقدمات العلمية الصحيحة! فلم تكن سعاد حسني أبدا في منافسة فاتن حمامة, لسبب بسيط هو أن سعاد حسني بدأت من حيث انتهت فاتن حمامة, واستلمت الشعلة ليس فقط من حيث إن كلها منهما تملك موهبة استثنائية وعبقرية لم تتكرر إلا لهما, ونجمية وضعت كلها منهما فوق قمة لم تقترب منها أو تحاول أي ممثلة أخري. والأهم أن سعاد حسني كان بدورها تمثل روح البنت والمرأة المصرية طوال الستينيات والسبعينيات, وكانت حظوظ سعاد حسني أكبر فقد جاءت بعد تحول انقلاب يوليو1952, إلي ثورة حقيقية في الستينيات, وقد منحت هذه الثورة للمرأة وجودا في مختلف المجالات سرعان ما شاهد انتكاسة بعد ذلك فكانت سعاد حسني هي المجسدة للمرأة المطحونة اجتماعيا واقتصاديا في القاهرة30, فهي أيضا التي جسدت طموحات البنت المصرية في مجتمع الستينيات الاشتراكي, وهي أيضا التي جسدت انتكاسة هذه الثورة في هزيمة1967 كما في فيلم الخوف, ثم تسلط وديكتاتورية هذه الثورة في الكرنك! قدمت سعاد حسني80 فيلما استكملت بهم مشوار فاتن حمامة, واحتلت مكانة سيدة الشاشة بجدارة خلال هذه السنوات, خاصة أن السينما المصرية كانت قد بلغت حالة هائلة من النضج, وما كان من الممكن لمخرجينا الكبار أن يبتعدوا عن الموهبة الاستثنائية فقدت معهم أهم أفلامها ومنهم: يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وكمال الشيخ وعلي بدر خان وسعيد مرزوق وغيرهم.. ومن المخرجين الذين ساندوا فاتن حمامة: هنري بركات وحسن الإمام ونيازي مصطفي وفطين عبدالوهاب وعاطف سالم.. رحم الله سعاد حسني بقدر ما تركته لنا من جمال ومتعة إبداعية وثقافة فنية, عبرت عن روح مصر في مرحلة ثورية كانت في الستينيات والسبعينيات.