فور اختيار الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب الفريق مايكل فلين مستشاره للأمن القومى ونائبته خبيرة الأمن القومى كاثلين ماكفرلين، ومايك بومبيو رئيسًا للمخابرات المركزية، قرر هؤلاء الحجز فى أول رحلة إلى المريخ بعيدًا عن كافة وسائل التنصت التكنولوجى وفى جو صحو يتسم بالنقاء والهدوء لمناقشة مستقبل أصعب منطقة فى العالم، وهى منطقة الشرق الأوسط، واستهدف هؤلاء البحث فى مجموعة القضايا التى تحقق رؤية الرئيس المنتخب بشأن سياسة العزلة البناءة لإعادة الحياة إلى الإمبراطورية الأمريكية. فمن ناحية، تعد المنطقة أكثر المناطق عنفًا وصراعًا وحروبًا وتهديدًا للمصالح الأمريكية، وهى المصدر الرئيسى للطاقة سواء البترول أو الغاز الطبيعى أو الطاقة الشمسية فى حالة التحول إليها، وهى أكثر أسواق العالم رواجًا سواء للسلع المدنية أو الأسلحة بمختلف أنواعها ومستوياتها. والسؤال الذى حاولوا الإجابة عليه يتعلق بكيفية الحفاظ على المصالح الأمريكية دون تورط عسكرى على نمط ما فعله جورج بوش الأبن. وبعد مناقشات مستفيضة وجادة، توصل المجتمعون إلى تقديم استراتيجية متكاملة بشأن الوطن العربى والشرق الأوسط إلى الرئيس المنتخب تقوم على القواعد الآتية (مع تفاصيل كثيرة جدًا)، فمن ناحية، ينبغى الاتجاه إلى التوافق مع روسيا حول سوريا؛ فليس من مصلحة الولاياتالمتحدة استمرار التنافس العسكرى مع روسيا على سوريا، وليس من مصلحتها كذلك تقسيم سوريا وسيطرة الإخوان ممثلين فى جبهة النصرة، أو القاعدة، أو داعش عليها، على أنه ينبغى على روسيا أن تحد من علاقاتها المتنامية مع إيران حتى لا تعتبر الأخيرة أن المرحلة الانتقالية للرئيس الأسد إلى أن يتم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تعد انتصارًا لها. ومن جانب آخر، على الولاياتالمتحدة تصحيح مسار العلاقات الاستراتيجية مع مصر، الدولة الإقليمية المركزية فى كل من الوطن العربى والشرق الأوسط والانتقال السريع من مجرد الدعم الاقتصادى لها فى صندوق النقد الدولى أو البنك الدولى إلى الدعم العسكرى المباشر بتكثيف المناورات العسكرية المشتركة والتنسيق معها بشأن القضايا الحيوية، وبصفة خاصة القضية الفلسطينية، فمن المهم للإدارة الجديدة تبنى المبادرة المصرية والدفع بها إلى الأمام تحقيقًا لحل الدولتين؛ إسرائيل وفلسطين، بدعم دور الوسيط الذى تقوم به مصر بين الفلسطينيين وإسرائيل، والدفع بالدور الإقليمى المصرى إلى مداه، ودعم دورها فى مساندة الحكومة الشرعية فى ليبيا، وفى حماية الممرات الدولية، وفى هذا الإطار، تفض الولاياتالمتحدة يدهامن كل من إيران وتركيا، وتمتد الاستراتيجية الأمريكية إلى عدم التدخل فى الصراعات والحروب، إذ أن مسئولية القضاء على داعش هى مسئولية مشتركة بين كل من العراقوسوريا من ناحية، والدول العربية من ناحية أخري، ويمكن للولايات المتحدة أن تقدم المساعدات الفنية والتدريب والسلاح دون المشاركة المباشرة فى تلك الحروب، وفى ليبيا واليمن، تتجه الولاياتالمتحدة إلى التعاون مع الدول العربية فى تجفيف منابع الإرهاب وحصاره برًا وبحرًا. وبالرغم مما تتعرض له دول الخليج من تحديات قد تهدد تكاملها الإقليمي، إلا أن مسئولية الحفاظ على كياناتها هى مسئوليتها الخالصة، وفى هذا الصدد، عليها أن تواجه الآثار المترتبة على التنافس العرقى أو المذهبي، وتتخذ التدابير الرادعة أو العلاجية، وهكذا، تترك الولاياتالمتحدة مصير دول الخليج معلقًا طالما لا يوجد تهديد لتدفق النفط والغاز الطبيعى وتظل الأسواق مفتوحة، وهذا الوضع معقد خصوصًا فى إطار سياسة الولاياتالمتحدة لإعادة عزل إيران إلى أن تتخلى عن محاولات إقامة مفاعلات نووية تهدد المنطقة وأمن إسرائيل. ورأى المجتمعون أن الوضع الذى آلت إليه جامعة الدول العربية بعد ما يناهز سبعة عقود على إنشائها، يدفع الولاياتالمتحدة إلى التفكير فى بديل يتناسب مع طبيعة النظام الدولى الراهن والتطورات التى لحقت بالنظام الإقليمي، ورأوا أن هناك بديلين أمام الرئيس ترامب؛ إما للاختيار بينهما، أو الدفع بهما معًا، يتمثل الأول فى إنشاء منظمة الخليج والبحر الأحمر للتعاون الاستراتيچي، وهو ما أوصى به مركز لندن للبحث فى السياسات، والذى أشرف عليه الفريق فلين شخصيًا، وتضم المنظمة دول مجلس التعاون الست بالإضافة إلى مصر والأردن كمرحلة أولي، ثم ضم دول إفريقية وعربية فى محيط البحر الأحمر فى المرحلة اللاحقة، والثانى يتمثل فى إنشاء منظمة الشرق الأوسط للتعاون الاستراتيچي، وتضم كمرحلة أولى كلاً من إسرائيل وإيران وتركيا، ثم يتم فتحها للدول العربية ودول الشرق الأوسط الأخري، وهى تشبه إلى حد كبير حلف بغداد، والذى لم ترحب به الدول العربية آنذاك، وهى أقرب إلى منظمة شنغهاى للتعاون الاستراتيچى. إن توصيات خلوة المريخ تعبر عن التوجهات الجديدة لإدارة ترامب تجاه الوطن العربى والشرق الأوسط فى ظل حالة عدم اليقين التى تحيط بالإقليمين، وفى ظل تصاعد العنف والصراعات والحروب واحتمالات تصاعدها فيهما، ولا شك أنها تتطلب التفكير مليًا فيما يرتبط بها من تداعيات على الدولة الوطنية العربية، والعمل العربى المشترك. لمزيد من مقالات د. عبد المنعم المشاط;