«رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرنا خطأ يحتمل الصواب» تلك المقولة الخالدة للإمام الشافعي، احد أعلام وأئمة الفقه الإسلامي، لم يعد لها مكان فى زمن الفضائيات والسوشيال ميديا، فهذا يدعى أنه المهدى المنتظر، وذلك يفتى بعدم فرضية حجاب المرأة وثالث يشكك فى الأحاديث النبوية وطالب بالاكتفاء بالقرآن، وفتاوى متضاربة تطلقها الفضائيات ليل نهار فتثير الحيرة والبلبلة بين الناس. وطوال العقود الماضية كان هناك فقهاء ومجتهدون، أدلى كل منهم بما رأى وقدم ما استنبط من الأحكام، لم يكفر بعضهم البعض، ولم ير أحدا منهم أنه على صواب مطلق، وأن رأى غيره خطأ، وتغيرت الفتوى من زمان إلى زمان، ومن مكان لمكان، وبفضل هؤلاء الفقهاء كانت هناك سعة فى الأمور التى لا يوجد فيها نص قاطع، فظهرت مقولة “اختلافهم رحمة»، ولم نقرأ فى كتب التراث أن أحدهم تجرأ على ثوابت الدين. وإذا كان هذا نهج القدماء والمخلصين للدعوة والمجتهدين الحقيقيين، فاليوم نرى الدخلاء وغير المتخصصين، يتناولون قضايا اجتمعت عليها الأمة، ويحاولون زعزعة الثوابت التى عاش عليها المسلمون قرونا طويلة. ونحن بدورنا نتساءل: من أشعل فتيل المعركة المحتدمة هذه الأيام، والتى يرفع فيها علماء الأزهر سلاح المؤامرة، ويرفع الطرف الآخر سلاح أحقيته بالتجديد وتنقية التراث تحت دعوى حرية الرأى والتعبير؟ وهل من حق المسلمين اليوم أن يتساءلوا عن المؤامرة الحالية التى تحاك خيوطها فى الظلام ضد أمتهم ودينهم بالتضليل الإعلامى الموجه، وأهدافها غير معلنة وشعاراتها البراقة؟ وهل يخطئ المجتمع العربى والإسلامى عندما يرتكن إلى نظرية المؤامرة، التى باتت كابوساً، أو شماعة يلقون عليها الأعذار التى يرون أنَّها وحدها تحول بينهم وبين اللحاق بركب التنمية والتجديد والتنوير؟ أم أن المبالغة فى توزيع نظرية المؤامرة يعد تسطيحا للأمور؟! علماء الدين يشخصون الحالة الراهنة وما تقدمه وسائل الإعلام والاتصال من حملات تبدو كما لو كانت مخططا لهدم ثوابت الدين. ويؤكدون أن كل محاولات التشكيك فى السُنة النبوية الشريفة هى مقدمة للتطاول على القرآن الكريم. وطالبوا بضرورة التصدى بكل قوة لهذه المخططات، التى تهدف لنشر البلبلة بين الناس، كما حذروا من الآراء التى تتصادم مع أصل الأحكام وأعراف المجتمع. مصادر التشريع ويؤكد الدكتور بكر زكى عوض، عميد كلية أصول الدين السابق بجامعة الأزهر، أن ما نعيشه الآن يتطلب التوحد لا الصدام والصراع الفكري، فنحن أحوج ما نكون إلى الوحدة على أساس من الثوابت التى يفهمها العام والخاص، كقطيعة النص القرآنى من حيث الثبوت والدلالة فى المحكم، وظنى الدلالة فى المتشابه، ومثل ذلك حجية السُنة النبوية، فيما ثبت تواتره وثبتت صحته عن النبى صلى الله عليه وسلم، وما تلقته الأمة بالقبول، وعلى هذا اتحدت كلمة الأمة عبر تاريخها الماضي، واجتمع أهل السنة والجماعة حول هذين المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي، إلا أن البعض يضيق ذرعها باتحاد الأمة، فخرج من طرف خفى يدس السم فى العسل، فكانت هناك طوائف منذ سنين محدودة تدعو إلى التركيز على القرآن مع إهمال السُنة، مستشهدين ببعض النصوص القرآنية، تاركين النصوص الأخرى التى أوجبت العمل بالسُنة النبوية، مع أن كثيرا من نصوص القرآن الكريم أمرت بالأخذ بالسُنة, وقد دعا هؤلاء أنفسهم بالقرآنيين، والصواب أنهم لا قرآنيون، فلو كانوا قرآنيين حقا، لأخذوا بالآية الكريمة « وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»، وكذلك قول الله تعالي: «مَنْ يُطِعْ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه «. مخطط أعداء الإسلام ويشير إلى أنه فى الآونة الأخيرة ظهرت طائفة تزعم أنها ستعيد النظر فى السُنة النبوية المطهرة، بأن يجعلوا العقل وحده معيارا للقبول والرد، دون أى اعتبار للمعايير التى وضعها أئمة أهل السنة فى الأزمنة الماضية من ضرورة العلم بلغة العرب، وصيغ الخطاب وأساليبه من حيث الترغيب والترهيب والتهكم والسخرية، كما غاب عنهم العلم بأسباب ورود الحديث النبوى الشريف، ولم يقفوا على ما ورد فى المحكم والمتشابه من الأحاديث النبوية، وكذلك ما يتعلق بالناسخ والمنسوخ منها، ولما كان غاية كثيرين من خصوم الإسلام هدم السُنة النبوية من حيث القبول والرد، ليكون التفرغ للقرآن بعد ذلك، فقد أدركت تيارات عدة فى الداخل والخارج، أن تتبنى هذه العقليات الماجنة الفاجرة، لأن ذلك سوف يحقق لها الغاية المرجوة، فأمدوا كل طاعن فى السُنة بالمال من ناحية والمادة الفكرية التى تساعده على تحقيق تشويه السُنة من ناحية أخري، وجندوا بالإضافة لذلك من يأتون بالشبهات ليقوم هو بطرحها، شأنه شأن أى ممثل أو كومبارس يقوم بدور قد عهد إليه مقابل أجر مادي، ولم يدرك معنى ما يقول. التكسب من ترديد الأباطيل وشدد الدكتور عوض، على أن مصر اليوم لا تتحمل مثل هذه الهزات الفكرية، ولو أدرك هؤلاء مصلحة الإسلام ومصلحة مصر لحرصوا على إخماد الفتنة، ومن كان عنده نقد لكتب السُنة بدلا من أن يذيعه على الهواء فلماذا لا يتوجه بدراسة نقدية إلى مشيخة الأزهر، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو المجلس لأعلى للشئون الإسلامية، لطرح مثل هذه الشبهات على اللجان المتخصصة ومناقشتها، لأن هناك مشكلة تحدث عن طرح مثل هذه الأمور على الهواء، وعدم علم كثيرين بالشبهات التى أثيرت، يجعلهم ينبهرون بكل ناعق وهو يطعن فى السُنة، ويظن أنه مفكر أو مبدع أو مبتكر، أما الذى قرأ هذه الشبهات فإنه يعلم أن هؤلاء إنما ينزلون إلى أسواق المعرفة، ويبحثون عن الفاسد منها ليقدموه للناس على أنه إبداع، وبما أننا شهدنا كثيرين يحيون على القمامة الحسية ويتغذى عليها كثير من الأحياء، فإن هؤلاء يبحثون أيضا عن قمامة الفكر فى الشبهات ويتغذون من مكتسباتها، ويحققون غاية لا نتمناها وهى التشكيك فى ثوابت الإسلام وبلبلة فكر المسلمين، وقد يؤدى هذا لإحداث فتنة، ولذلك أقول للقنوات التى تتبنى هذا الفكر العفن، هل قدمتم حلولا لكل مشكلات العالم الإسلامى ولم يبق إلا نقد السُنة النبوية، وهل قدمتم حلولا لكل مشكلات مصر ولم يبق إلا إظهار من يطعن فى السُنة، أليست الكلمة أمانة ولابد لها من هدف وغاية، فأى هدف وأى غاية حين نشكك فى الكتب التى تلقتها الأمة بالقبول. تخالف أصل الأحكام من جانبه يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الآراء الشاذة والمنفلتة والصادرة عن جهلاء بالشريعة أو متطفلين على موائد العلوم الفقهية لا تسمى فتاوى شرعية، لأن الفتوى لها أهلها، والواجب فى حق هؤلاء المثيرى للشغب والمحركى للفتن تطبيق ما نص عليه فقهاء الشريعة الإسلامية، فقد قال أهل الفقه: ويحجر على المفتى الماجن أى من يأتى بالشاذ والضعيف والغريب والمنكر وهنا يجب اتخاذ تدابير وقائية، وأخرى زجرية، أما الوقائية فيجب على المؤسسات المعنية إلزام المجتمع، بأن الفتاوى يجب أن تتنوع إلى عامة وخاصة، بمعنى أن المألوف فى أمور العبادات من الفروع وليس من الثوابت، يجوز لأهل العلم من الفقهاء، شريطة الالتزام بضوابط الإفتاء، أما ما يهم المؤسسات والدولة، أو الأمور العامة للإسلام، أو ما يحتاج إلى اجتهاد جماعي، فهذا لا يكون إلا للأزهر الشريف بهيئاته ذات الاختصاص ودار الإفتاء. أما التدابير الزجرية فإذا ثبت أن أحدا ولو كان من أهل العلم يريد الشو الإعلامى أو يريد لفت الأنظار إليه، بأن يأتى بما يسبب بلبلة وحيرة، وتعديا على ما تلقته الأمة بالقبول وأصبح من المعلوم بالضرورة، فيجب فى هذه الحالة أن يعاقب بعقوبات ملائمة من الجهات ذات العلاقة، وفى كل الأحوال ينبغى أن تخرج الفتوى عن الفقهاء، وأن يختار الفقهاء المجمع عليه والمتفق فيه والراجح بأدلته، وأن يبتعدوا عن الضعيف وعن الغريب، وعما يصطدم بأصل الأحكام أو بأعراف المجتمع. تشكيك فى الدين وفى سياق متصل يقول الدكتور طه أبو كريشه، عضو هيئة كبار العلماء، إنه يجب أن نواجه هذا الأمور بصراحة، فهؤلاء الذين يشككون فى السُنة، يشككون فى الدين نفسه وفى القرآن الكريم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم هو الذى بلغنا القرآن، فإذا شككنا فى سنته، فإننا نشككك فى كل ما نقله إلينا، وفى مقدمه ذلك القرآن الكريم نفسه، ومن هنا فإننا نقول لهؤلاء أفصحوا عن دفائن أنفسكم، بدلا من هذا الهجوم الملتوى على السنة النبوية بالذات. وأضاف: إن هؤلاء لا يريدون الدين ولا الإسلام، ولا يريدون القرآن، وعلى الرغم من أنهم يقولون إنهم قرآنيون، فإن كانوا قرآنيين، فما الذى قاله القرآن بالنسبة للنبى صلى الله عليه وسلم، فالقرآن الكريم يجعل طاعة الرسول من طاعة الله عز وجل، كما ورد فى قول الله تعالى «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ”، وهناك آيات كثيرة جمعت بين طاعة الله وطاعة الرسول، ومنها» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»، فكيف يعلنون أنهم يطيعون الله، وهم لا يطيعون الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!، إن هؤلاء المشككين فى السُنة، هم مشككون فى الدين نفسه، ويجب على أولى الأمر، أن يقفوا موقفا حازما وحاسما، مع هؤلاء الذين ينشرون على الناس هذه الأباطيل، التى تصب ضد الدين.