يواصل الرئيس المنتخب دونالد ترامب مشاوراته لتشكيل الإدارة المقبلة لأمريكا. واختيار وزير الخارجية المقبل ما زال أمرا يتصارع حوله وبشدة أنصار ترامب. ويرى مؤيدوه في الحملة الانتخابية أن «ميت رومني» المرشح الرئاسي الجمهوري السابق لا يمكن الوثوق به واللجوء إليه ولا يجب تسليمه زمام الدبلوماسية والتعامل مع العالم. اختيارات «ترامب» حتى الآن تعكس استقلاليته في «ضم الأضداد» في فريق واحد حيث يتصف أعضاؤه غالبا بالولاء له. كما أنه بما أعلنه حتي الآن من تصريحات بخصوص قضايا وردت في وعوده وتهديداته خلال الحملة الانتخابية تكشف أن «ترامب» يبدو مرنا الى حد كبير و»براجماتيا» دائما و«بيزنسمان» قادرا وراغبا على عقد الصفقات وتسيير الأعمال حسبما تقتضي الأمور أو هكذا بدا «ترامب» في الأيام القليلة الماضية. وهو يتراجع عن ملاحقة منافسته الديمقراطية «هيلاري كلينتون» جنائيا .كما أنه أبدي مرونة في التعامل مع مشروع «أوباما» للرعاية الصحية، في كل الأحوال لم يتردد أنصار «ترامب» في تكرار توصيفهم له بأنه لا يمكن التنبؤ لا بأقواله ولا باختياراته. وأذا كان اختيار وزير الخارجية لم يحسم بعد، فان اختيار وزير الدفاع يبدو أنه تم حسمه، فالجنرال «جيمس ماتيس» صاحب الخبرة العسكرية الممتدة لأكثر من 40 عاما وصاحب المصداقية العالية في الأوساط العسكرية والسياسية هو وزير الدفاع المنتظر في الادارة المقبلة، الجنرال المتقاعد «ماتيس» (66 عاما) كان قائدا للقيادة المركزية ما بين عامي 2010 و2013 وقائدا بارزا لقوات المارينز مشاة البحرية الأمريكية وشارك في حرب تحرير الكويت وأيضا في حربي أفغانستان والعراق، ويوصف ماتيس بأنه واسع الاطلاع وكثير القراءة (له مكتبة تضم أكثر من 6 آلاف كتاب) وحاسم في قراره وحازم في أدائه. ومن ألقابه «الراهب المحارب» و«الكلب المجنون». وهو غير متزوج. وقد ذكر في الأيام الأخيرة أن «ترامب» أحترم للغاية وقدر كثيرا «ماتيس» خلال الاجتماع الذي تم بينهما مؤخرا واستمر لأكثر من ساعة، كما أن الرئيس المنتخب في لقائه مع «نيويورك تايمز» حرص على الاشادة ب«ماتيس» والقول إن الجنرال أقنعه بأن وسيلة التعذيب بالمياه والايحاء باغراق المعتقلين الأسرى غير مجدية ولا يجب الرجوع اليها، اختيار الجنرال «ماتيس» سوف يتطلب قرارا بالسماح من الكونجرس (وهو أمر غالبا سيحدث بيسر) لأنه حسب ما تم اقراره في عام 1947 فان وزير الدفاع الأمريكي يجب أن يكون مدنيا وخارج المؤسسة العسكرية لأكثر من عشر سنوات. وجدير بالذكر أن المرة الأخيرة لاستخدام قرار السماح كانت في عام 1950 عندما اختار الرئيس هاري ترومان الجنرال المتقاعد جورج مارشال ليكون وزيرا للدفاع. وقد شغل الجنرال «مارشال» منصبه حينئذ لأقل من عام واحد، كما أن الاعلان عن اختيار «نيكي هيلي» حاكمة ولاية «كارولينا الجنوبية» لمنصب مندوبة أمريكا لدى الأممالمتحدة أثار اهتمام الدوائر السياسية في العاصمة الأمريكية وأيضا الدوائر الدولية في نيويورك حيث مقر المنظمة الدولية. وتعد «هيلي» (44 سنة) أول امراة وذات أصول مهاجرة (الوالد والوالدة من الهند) يتم اختيارها من جانب «ترامب» في ادارته ولا تملك أى خبرة دولية الا أنه في ادارتها لشئون الولاية خاصة في عام 2015 عندما حدث حادث قتل جماعي دافعه عنصري أظهرت «هيلي» روحا قيادية رشيدة وملفتة للانتباه للجميع في أمريكا. وصارت أيضا نجما سياسيا صاعدا في الحزب الجمهوري، وهى بعكس الرئيس المنتخب تساند التجارة الحرة. كما أنها خلال الانتخابات التمهيدية انتقدت بشدة وحدة «ترامب» ووقفت بجانب منافسه الجمهوري «ماركو روبيو» في الانتخابات التمهيدية. ولا شك أنه منذ أن تم اختيار الجنرال «مايك فلين» مستشارا للرئيس الجديد للأمن القومي أبدى العديد من المراقبين السياسيين الأمريكيين تخوفهم وقلقهم تجاه توجهات الادارة المقبلة واختياراتها في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، وتكرار تساؤلهم عما اذا كانت أفكار الجنرال «فلين» المتشددة وآراؤه المتشددة تجاه الاسلام والمسلمين وأيضا «الارهاب الاسلامي» سوف تنعكس في سياسات ومواقف ادارة «ترامب» المقبلة، ان التوصيف الايدولوجي ل«الاسلام» كما يرد فيما قاله الجنرال «فلين» يجب التعامل معه بحذر وحسم خاصة أنه يضع الاسلام بشكل عام ومجحف في موقف عداوة من الغرب وأيضا يخلط بين الاسلام والارهاب والشرق الأوسط والهجرة في سلة واحدة .. يجب محاربتها والقضاء عليها، وبالتأكيد لا يمكن التكهن بما سوف يحدث بعد 20 يناير المقبل. خاصة بعد أن اختار «ترامب» «كاترين ماكفارلن» ابنة مؤسسة الحزب الجمهوري لتكون نائبة مستشار الأمن القومي. و«كاترين» ( 65 عاما) خدمت من قبل في مجلس الأمن القومي في ادارة كل من نيكسون وفورد وريجان. وعملت مع الداهية السياسي «هنري كيسنجر». وكانت في الفترة الماضية معلقة سياسية في شبكة «فوكس نيوز» وانتقدت سياسات أوباما الخارجية خاصة تخاذله في محاربة الارهاب، وما لفت الانتباه أيضا في توجهات «ترامب» الخارجية ما قاله الرئيس المنتخب منذ أيام عن «جاريد كوشنر» زوج ابنته «ايفانكا» وعما يمكن أن يلعبه من دور مهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. على أساس أن «كوشنير» (35 سنة) رجل أعمال ناجح ويهودي ولديه أصدقاء كثيرون في اسرائيل وفي المنطقة. ولم يتردد مسئولون اسرائيليون مقربون من رئيس الوزراء الاسرائيلي «بنيامين نيتانياهو» في ابداء تفاؤلهم تجاه «كوشنير» واحتمال قيامه بدور في عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين، ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن «رون ديرمر» السفير الاسرائيلي بواشنطن (وله علاقة مقربة مع كوشنير) قوله: «لا شك أنه يشعر بالتزام قوي تجاه أمن اسرائيل ومستقبلها». وذكرت الصحيفة أيضا أن «كوشنير» تكررت زياراته لاسرائيل وبأن له ولوالده وأسرته العديد من الاسهامات المالية والاستثمارية والمشروعات في الدولة العبرية. اختيارات «ترامب» لأفراد ادارته في الأيام المقبلة ربما تكشف أكثر عن توجهات رئاسته القادمة وسياساتها المرتقبة في التعامل مع ملفات الداخل والخارج. الا أن الرئيس المنتخب كعادته يحب المفاجآت ويريد أن يفعل ما وعد به في حملته الانتخابية. ولهذا يتابعه ليس فقط أهل أمريكا بل شعوب العالم في انتظار ما سوف يحدده ويعلنه ويفعله الرئيس ال45 لأمريكا.