«عودة يوسف» هى الرواية الثانية للكاتب أحمد البدرى، وكان قد أصدر قبلها روايته الأولى «مهندس فى المغارة» إلى جانب مجموعتين قصصيتين. الرواية تقدم عالما ثريا يكشف عن طبيعة المكان، حيث يعيش الكاتب فى الوادى الجديد، وتوظيفه للمكان فى روايته يحتفى بالمفهوم الفنى، وليس الجغرافى، حيث يهتم بتعرية الحياة الاجتماعية، بما تقدمه من خصوصية، كاشفا عن العادات والتقاليد والطقوس، فبطلها - وهو فى نفس الوقت الراوى - يشده الحنين للعودة إلى وطنه الذى غادره طفلا مصاحبا لوالده الذى ذهب للبحث عن أخيه المطرود من القرية، وتلك العودة تكشف ما كان مستورا وخافيا، ليعرف هو، ونعرف معه، قصة العم «يوسف» الذى طردته العائلة بسبب علاقته ب «الغازية الغجرية»، حين طاردته بمساعدة والدها ليرتبط بها، وذهب الشقيقان ولم يعودا، الى الواحة، الا بعد موتهما. وباستخدام ضمير المتكلم، نعلم كل شىء عن تلك العائلة العريقة، ونتعرف على اللعنة التى أصابتها، نتيجة ما اقترفه «يوسف» من ذنب فى حقها. ويتتبع الكاتب تاريخ تلك الشخصية، ومن خلال هذا التتبع نتعرف –أيضا- على تاريخ عائلة «أبو النجا»، وجدته التى تمثل الأصالة والتاريخ، ولذلك نجدها الوحيدة التى رحبت بعودته، لأنه يمثل امتدادا لولديها المفقودين. وعندما تعود الغجرية، فى نهاية الرواية، لكى تدفن ابنتها التى ماتت فى مقابر عائلة «أبو النجا»، يكتشف الجميع أن «يوسف» كان قد تزوج منها، وأنجب طفلة، هكذا يلحق العار بالعائلة فى وجود يوسف وبعد موته. وتلك العودة غير المتوقعة «عودة الغجرية» تحرك الساكن وتكشف المسكوت عنه، أما عودة يوسف فليست مادية، لكنها معنوية تماما.. وتتميز لغة الرواية بذلك الايقاع الشعرى فى السرد الروائى، وتقدم ما نسميه بغنائية البوح، حيث الكشف عن الوجدان، والتعبير عن الانفعالات الداخلية، لشخوصها. واعتناء الكاتب برسم شخوصه، وتقديمهم بشكل مقنع، فضلا عن قدرته على إدارة الحوار، ورسم الصور، ذات الدلالة، وتوظيف الرمز، والاحتفاء بمفردات المكان لتكون أداة كاشفة لتأثيره على سلوك الشخوص، كلها أشياء تكشف عن كاتب موهوب، وتستحق أعماله المتابعة والتقديم.