أجواء الحرب الإقليمية تخيم علي شمال العراقوسوريا، وسط تصعيد خطير ينذر بانفجار واسع، يبدأ من شمال العراقوسوريا، بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته في احتلال مناطق واسعة تمتد من الموصل إلي شمال حلب، وقال إن قواته سوف تنطلق إلي مدينة الباب السورية، التي تبعد نحو 30 كيلومترا شمال حلب، وبعدها كل من مدينتي منبج والرقة، كما تحدي كل التحذيرات العراقية من التوغل في الأراضي العراقية، وقال إن تركيا تعتزم الدخول إلي الموصل وتلعفر وكركوك وسنجار وطوزخرماتو. روسيا تبدو منزعجة من سلوك أردوغان، الذي كان قد اعتذر عن إسقاطه طائرة روسية، وأبدي حماسا شديدا للتقرب والتعاون مع روسيا وإيران، لكنه ينقلب من جديد علي تعهداته، مدفوعا بأحلام قديمة، جعلته يستخرج معاهدة لوزان التي وقعتها تركيا عام 1923 وتخلت فيها عن أملاك الدولة العثمانية، وتبني أردوغان خلال لقائه قيادات محلية تركية بإعادة النظر في المعاهدة، التي رسمت الحدود التركية الحالية. هزائم داعش وقرب تحرير الموصل أثار النهم علي إرثه من الأراضي التي كان يحتلها في كل من سورياوالعراق، والتي يجري التعامل معها علي أنها مشاع، وكل من يضع يده علي قطعة منها يصبح متحكما فيها، ويبدو أن الولاياتالمتحدة أطلقت يد أردوغان بعد تعثر مخططها، فلا هي استطاعت تحقيق مكاسب علي الأرض بجيش سوريا الديمقراطية المكون من بعض الأكراد والعشائر العربية، ولا بجيش سوريا الجديدة الذي فشل في اختباره الأول عندما انطلق من الأردن محاولا الاستيلاء علي مدينة البوكمال السورية المتاخمة للحدود العراقية، وتخلت أمريكا عن الأكراد، الذين عادوا مخذولين من شرق الفرات، بعد أن تخلت عنهم واشنطن، وتحالفت مع أردوغان، رغم علمها أنه يتحرك بدافع مصالحه وأهدافه الخاصة، لكنها مضطرة لدفع الحلم التركي ليس حبا في أردوغان وإنما كراهية في بوتين. الرئيس الأمريكي أوباما رحب بجهود أردوغان في ضرب تنظيم داعش، وهي الضوء الأخضر علي الرضا الأمريكي علي الخطوة التركية الخطرة، فأي خطوة تركية باتجاه مدينة الباب السورية سوف تجد ضربات عنيفة، وفق بيان صادر عن القائد الميداني لقوات التحالف الروسي الإيراني السوري، لتتفجر بعدها حرب إقليمية مباشرة. أما علي الحدود العراقية فالوضع لا يقل تفجرا، بعد الإعلان عن انطلاق قوات الحشد الشعبي العراقية باتجاه مدينة تلعفر، الواقعة بين الموصل والحدود السورية، والتي ترفض تركيا دخول قوات الحشد الشعبي إليها باعتبارها ذات أغلبية تركمانية، لكن تركمان تلعفر هم عراقيون أولا وأغلبهم من الشيعة، ويرفض العراق أن تتدخل تركيا وتحدد للعراقيين أولوياتهم، وتوعدوا تركيا بضرب أي قوات تحاول التدخل في حربهم ضد داعش. القوات التركية التي دخلت مدينة بعشيقة العراقية بدعوي تدريب متطوعين من العشائر العربية قوامها 1600 جندي وضابط تركي، عبارة عن كتيبة مدفعية وكتيبة دبابات وكتيبة عربات مدرعة .. وهي أكبر من قوات للتدريب، لكن أقل من قوة قادرة علي فرض سيطرتها علي شمال العراق، أو حتي مدينة واحدة، ولم يعد بإمكان تركيا أن تتدخل في مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، لأن الوقت قد مضي، وطوقتها القوات العراقية، لكن الفرصة مازالت سانحة في تلعفر، المرشحة لتكون أول ساحة للصدام بين تركياوالعراق، مثل مدينة الباب السورية. المبررات التي تسوقها تركيا للتدخل العسكري البري في العراقوسوريا لا تبدو مقنعة، وتتعارض مع القوانين الدولية، وفي البداية حاولت تركيا إقناع القيادة العراقية بأنها لا تريد سوي مساعدة العراق، وأن ليس لديها أي أطماع، وعندما قوبل الطلب التركي بالرفض راحت تتحدث عن اتفاقات قديمة مع مسئولين عراقيين، وجاء رفض البرلمان العراقي بالإجماع لأي تدخل تركي ليوجه لطمة للادعاءات التركية، فراحت تتحدث عن حقها في تأمين نفسها من هجمات محتملة لتنظيم داعش، .ومخاطر تتهدد بعض الأقليات، رغم أن تركيا كانت أكثر من ساعد داعش، ولم تحرك ساكنا عندما ارتكب الدواعش مذابح مروعة ضد التركمان والزيديين والسنة والشيعة والمسيحيين. طبول الحرب يرتفع إيقاعها، خاصة بعد إعلان بوتين فشل المباحثات مع واشنطن لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية، وتوجيه الطائرات الروسية ضربات لقوات داعش التي دخلت ريف البوكمال السورية، منسحبة من العراق، بينما أغارت الطائرات السورية علي القوات الموالية لتركيا قرب بلدة دابق، وأوقعت فيها قتلي وجرحي. تتواصل تركيا مع محافظ نينوي السابق أثيل النجيفي المطلوب أمام المحاكم العراقية بتهم العمالة وتسهيل دخول داعش إلي الموصل، والذي جمع أنصاره، وأطلق عليهم ا«حرس نينوي»، لينخرط تحت قيادة القوات التركية، كما حشد الأتراك قوات تنتمي لجماعة الإخوان وتنظيمات تكفيرية أخري تحت «اسم االجيش الحرب» للانطلاق إلي مدينة الباب شمال حلب، والكل يترقب سماع دوي أول التحام مباشر بين الجيش التركي وكل من القوات العراقية والسورية، لتنفجر حرب إقليمية مرشحة للتوسع إذا لم يتراجع أردوغان في اللحظات الأخيرة، قبل فوات الأوان. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد;