مع تزايد إنجازات القوات العراقية في مدينة الموصل التي تشهد معارك ضارية لتحريرها حاليًا من تنظيم داعش، اتجهت الأنظار إلى معركة جديدة بدأتها قوات الحشد الشعبي قبل يومين، لكنها أثارت مخاوف الدول التي ترفض مشاركة الحشد في المعارك العراقية، وعلى رأس هذه الدول جاءت تركيا التي أطلقت صافرات الإنذار بمجرد بدء المعارك في مدينة تلعفر التابعة لمحافظة نينوي. أعلنت فصائل الحشد الشعبي في العراق، أول أمس السبت، بدء هجوم في مناطق غرب مدينة الموصل بهدف قطع طريق الإمدادات عن تنظيم داعش الإرهابي، وقال المتحدث باسم الحشد الشعبي، أحمد الأسدي، إن هدف العملية قطع الإمداد بين الموصل والرقة وتضييق الحصار على داعش، وتحرير تلعفر غرب الموصل، وأضاف أن العمليات انطلقت من منطقة سن الذبان وتهدف إلى تحرير الحضر وتل عبطة وصلال، وصولًا إلى قضاء تلعفر التابع لمحافظة نينوى، ويشارك في المعركة نحو 8 آلاف مسلح من لواءات بدر والنجباء وسرايا عاشوراء وسرايا الجهاد وغيرها. في اليوم الثاني للمعارك في المحور الغربي لمدينة الموصل، تمكنت قوات الحشد، أمس الأحد، من تحرير 8 قرى هي الجرن، والسلماني، والمستنطق الثانية، ومرج الديباج، وقرية الشيك، وقرية عين البيضة بالكامل، وامريني، وقرية زركة، كما تمكنت القوات من قتل أعداد كبيرة من إرهابيي داعش، ودمرت آلياتهم أثناء الاشتباك المباشر معهم، بالإضافة إلى ملاحقة الفارين منهم، كما استكملت قوات الحشد تطهير منطقة المستنطق الأولى، بالإضافة إلى تطهير القرى التي تم تحريرها السبت الماضي، من جيوب داعش، وقالت مصادر عسكرية هناك إن مجمل ما تم تحريره من أراض خلال اليومين هو أكثر من 280 كم مربع غرب الموصل. في الوقت نفسه، أكدت مصادر عسكرية مواكبة للمعارك هناك، أن أغلب قيادات داعش هربت إلى العمق باتجاه المدينة، وهرب مسلحو داعش من قرية دلاوية باتجاه قرية دولاية شرقي، وأيضًا هرب مسلحو مفارز داعش في مناطق الأمريني وعين البيضة ضمن المحور الجنوبي الغربي لعمليات تحرير الموصل، وأصدرت قيادات تنظيم داعش العسكرية أمر انسحاب لعناصرها من منطقة قرقرة، وأمرتهم بحرق مقراتهم قبل المغادرة. بالتزامن مع هذه الإنجازات العسكرية السريعة التي حققتها قوات الحشد الشعبي في المحور الغربي لمدينة الموصل، ظهرت من جديد حرب النفوذ هناك، حيث تسارع تركيا، بدعم من حليفتها الأمريكية، لمنع الحشد الشعبي من الدخول إلى مدينة تلعفر، وخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليعلن أهمية مدينة تلعفر التركمانية بالنسبة لبلاده، وقال في كلمة له بمناسبة ذكرى تأسيس الجمهورية التركية، إن تركيا تعتزم تعزيز قواتها المنتشرة في بلدة سيلوبي الواقعة على الحدود مع العراق، وبيّن أن تلك القوات سيكون لها رد مختلف إذا أشاعت ميليشيات الحشد الشعبي الخوف في تلعفر العراقية، وشدد أردوغان على أهمية تلعفر التركمانية بالنسبة لتركيا، وأنها قضية حساسة بالنسبة لأنقرة، وهدد قوات الحشد بأنه "في حال قام الحشد بأعمال إرهابية هناك، فإن جوابنا سيكون مختلفًا". هذه لم تكن المرة الأولى التي تحذر فيها أنقرة قوات الحشد الشعبي من الدخول إلى مدينة تلعفر، فقد سبق أن حذرت من أنها ستتخذ إجراءات مختلفة إذا وقع هجوم على المدينة التي تضم عددًا كبيرًا من التركمان السنة، كما أنها حذرت من أنها لن تسمح بدخول الحشد الشعبي إلى تلعفر من الأساس، الأمر الذي يوحي بأن هناك مواجهة قريبة بين الحشد الشعبي المدعوم من إيران والأطراف التي تتحفظ على مشاركته في المعارك وعلى رأسها تركيا. ويرى مراقبون أن تركيا والسعودية وأمريكا تتخوف من إنجازات قوات الحشد السريعة وقدرتها على السيطرة على مساحات واسعة في أرض المعركة في فترة زمنية قليلة، الأمر الذي يثير مخاوف لدى الدول الثلاث من سيطرة قوات الحشد على بلدة تلعفر والانتشار فيها بعد استعادتها من داعش واتخاذها مكانًا لتجميع قواتها هناك، خاصة وأن مدينة تلعفر لها أهمية ديموجرافية واستراتيجية كبيرة بالنسبة للحشد. في ذات الإطار، يرى مراقبون أن استنفار قوات الحشد في المحور الغربي للموصل وحشد قواتها هناك يحمل مؤشرات وأبعادا عسكرية أهمها أن تكون مدينة تلعفر قاعدة للتحرك نحو مناطق الموصل وسوريا فيما بعد، خاصة بعد إعلان هيئة الحشد الشعبي عزمها القتال في سوريا بعد طرد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي في العراق، وقال المتحدث باسم الحشد، أحمد الأسدي، قبل أيام إن "الساحتين السورية والعراقية متداخلتان، ما يستدعي الذهاب الى أي مكان يكون فيه تهديد للأمن القومي العراقي". بناء على كل هذه المخاوف التركية، إضافة إلى المخاوف السعودية والأمريكية، تأتي المؤشرات التي تعكس نية أنقرة بتكرار سيناريو مشابه لعملية درع الفرات التي تشنها في سوريا، وذلك عبر التقدم من بعشيقة والتوسع غربًا باتجاه تلعفر بالتنسيق مع واشنطن، حتى الوصول إلى مواجهة مباشرة مع الحشد، وذلك تحت راية "حماية الأقلية التركمانية السنية التي تستغيث بأنقرة". من هذا المنطلق قد تكون مدينة تلعفر مدخلًا لصراع إقليمي بين إيرانوتركيا، لكن يظل السؤال حاضرًا: لماذا لم تستنفر القوات التركية بقيادة الرئيس أردوغان عندما أشاع تنظيم داعش الفساد في العراق، وارتكب مجازر بحق التركمان الذين تعتبرهم أنقرة جزءا لا يتجزء منها، حسب قول رئيسها، ولماذا لم تشمر عن ساعديها حينها وتعلن مساعدة القوات العراقية لاستعادة وحماية من تطلق عليهم "الأقلية التركمانية"، لكن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في جملة واحدة وهي "المصلحة التركية" التي لا تعرف أقلية من أكثرية، ولا تعرف أتراكا من عراقيين أو سوريين، فإذا حانت المصلحة التركية تغيرت السياسات وانقلبت المعادلات وأصبح عدو اليوم صديق اليوم.