قضايا الدولة تُهنئ الرئيس السيسي ب عيد الأضحى المبارك    إعلام لبناني: 13 غارة بمسيرات ومقاتلات إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية    الشوط الأول| إسبانيا تضرب فرنسا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية    مأساة في وقفة العيد| بطلق ناري.. عاطل ينهى حياة جاره في القناطر الخيرية    أهل الفن والإعلام يقدمون واجب العزاء في سيدة المسرح العربي سميحة أيوب | صور    هند صبري تهنئ متابعيها بعيد الأضحى    مها الصغير تروج حلولها ضيفة مع منى الشاذلي | صور    عيد الأضحى المبارك 2025| سنن نبوية وشعائر دينية تملأ القلوب فرحة    نصائح مهمة للتعامل مع الُمصاب بضربة الشمس خلال مناسك الحج    الهلال يُغري نابولي بعرض خيالي لضم أوسيمين    مدحت بركات: زيارة الرئيس السيسي للإمارات تعكس التزام مصر بالتعاون العربي    زلزال ب جنوب إيطاليا يتسبب بانهيار جزئي ب موقع بومبي الأثري    المهيرى: اتفاقية للحفاظ على حقوق العاملين ب «اقتصاد المنصات»    مباشر مباراة إسبانيا ضد فرنسا في نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية    مصطفى محمد يدعم الزمالك من مدرجات ستاد القاهرة في نهائي الكأس    «كل إناء ينضح بما فيه».. تعليق ناري من زوجة الخطيب على «سب» هاني شكري جماهير الأهلي    غرفة ملابس الزمالك قبل مواجهة بيراميدز في نهائي كأس مصر (صور)    مياه المنوفية: استمرار شحن عدادات المياه مسبقة الدفع خلال عيد الأضحى    قرار هام بشأن أسئلة امتحانات الثانوية الأزهرية في مطروح (تفاصيل)    بروتوكول تعاون بين «التضامن» و«التعليم العالي» ضمن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات    أستاذ تمويل: المنصة الإلكترونية لتراخيص الاستثمار مهمة لتعزيز بيئة الأعمال    بعد إطلاق ال5G.. مطالب برلمانية بإلزام شركات المحمول بعدم زيادة الأسعار    شيخ الأزهر يهنئ الرئيس السيسي والأمة الإسلامية بمناسبة عيد الأضحى    ورش وعروض فنية في احتفال ثقافة المنيا بعيد الأضحى    مخرجة «ريستارت» عن انتقادات مشهد ارتداء تامر حسني ملابس داخلية: أشكره على جرأته    الناتو يعزز قدراته في تدريب الطيارين والتعاون عبر الحدود الجوية    صلاة العيد يوم الجمعة الساعة كام في مصر؟ رسميًا بالتوقيت المحلي    صلاة عيد الأضحى 2025.. موعدها وطريقة أدائها وفضلها العظيم    أول زيارة للمستشار الألماني للولايات المتحدة    نصائح لإعداد المعدة، كيف نستقبل أكلات العيد دون مشكلات صحية؟    في العيد.. طريقة عمل لحمة الرأس بخطوات سهلة وطعم مميز    استشاري تغذية يحذّر من الإفراط في تناول اللحمة خلال عيد الأضحى- فيديو    "التنظيم والإدارة" يتيح استعادة كود التقديم في مسابقاته عبر بوابة الوظائف الحكومية    " صوت الأمة " تنشر أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    إعلام إسرائيلى: مقتل جندى إسرائيلى متأثرا بجروح خطيرة أصيب بها فى غزة قبل 8 أشهر    وزير الخارجية الألماني يجدد مطالبته لإسرائيل بالسماح بدخول المساعدات إلى غزة    المجمع المقدس يؤكد على الرعاية المتكاملة ويُطلق توصيات جديدة للرعاية والخدمة والأسرة    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    يوم الرحمة.. كيف تستغل يوم عرفة أفضل استغلال؟    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    120 جنيه وخناقة بخرطوم تنهي عشرة "نقاش العمرانية" وزوجته.. ما قرار الجنايات؟    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    توريد 173ألف و821 طن قمح إلى الشون والصوامع بسوهاج    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    أجمل صور يوم عرفة.. لحظات تتجاوز الزمان والمكان    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    الاحتلال يستهدف صحفيين في مستشفى المعمداني واستشهاد 3    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا صديقى: الموتى أحيانا.. أكثر رحمة!
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 10 - 2016

نحن الآن في حارة برجوان.. وبرجوان هذا للذين يعلمون والذين لا يعلمون كان مملوكا خصيا من مماليك ست الملك وماتسألونيش يعني ايه خصي بفتح الخاء وكسر الصاد هذه لأنه لا هذا وقته ولا هذا مقامه.. وصاحبة الدار الحاجة زهرة تستعد للخروج معي بلباس محتشم يجرجر علي الأرض وطرحة سوداء فوق رأسها.. وبرقع بضم الباء وسكون الراء وضم القاف يخفي عيونها الكواحل أو التي كانت «كواحل».. عندما كانت الأرض فى درب المغربلين تهتز لخطواتها والتي قال فيها وغني مطربنا الشعبي الأصيل محمد رشدي فيما بعد.. «ما تبطل تمشي بحنية ليقوم زلزال».. في أغنيته الشهيرة: كعب الغزال.. هي صاحبة الأغنية دون جدال..
سألتها: علي فين العزم يا ست الملك؟
قالت: وعملتني كمان ست الملك أخت الحاكم بأمر الله اللي قالوا انها اللي أرسلت رجالها لقتله في جبل المقطم!
أقاطعها: ياه دا انتي مذاكرة تاريخ كويس أهوه؟
قالت: تاريخ حتتنا اللي احنا عايشين فيها من أبد الآبدين.. أنا يا باشا فتحت عيني في البيت هناوهاموت هنا!
قلت لها مازحا: بعد الشر وينحرم منك شارع المعز لدين الله اللي اتولدت فيه القاهرة قبل ألف عام ويزيد!
مشينا صامتين.. لكن متجاورين.. لم أسألها: احنا رايحين فين؟.. لانني أعرف تماما.. انها ستقودني إلي صديقنا وصديق وحبيب كل الصحفيين والفنانين الذي اسمه الحاج بهادر العطار الذي اختفي فجأة من حي الحسين بحاله في ظروف مريبة!
مشيناها خطي.. من حارة برجوان.. إلي جامع الحاكم بأمر الله.. إلي حارة الغوازي وهذا هو اسمه عند العامة وليس في كتاب التاريخ إلي ساحة بيع الجواري والغلمان زمان طبعا.. ومنها تسللت الحاجة زهرة بخطوات ثابتة منتظمة وكأنها آمر عسكر السلطان بحاله وأنا يادوب أدب بخطواتي المتثاقلة البطيئة فوق أحجار شوارع الغورية والمغربلين والسروجية ودار الكسوة النبوية الشريفة التي خلت من صناعها وصبيانها وخطاطيها العظام.. وآه يا زمن.. حتي تعبت مني الساقان وتسارعت مني دقات القلب..
أمسكت يدها لأوقف هذا الفرس الجامح الذي لا يلوي علي شيء وقلت لها: ناخد هدنة شوية انت ايه يا ست الستات فكوا عنك اللجام؟
قالت: ماشي ناخد نفسنا مع فنجان قهوة محوجة عند الست باتعة ما أنت عارفها!
سألتها بريبة: واعرفها منين الست باتعة دي كمان؟
قالت: ما حضرتك أيام صولجانك شغلت جوزها شغلانة كويسة عندكم في الصحافة.. لما تشوفها هتفتكر كل حاجة ولو ما افتكرتش هي تفكرك!
.................
.................
علي مقهي صغير في زقاق المغاربة هكذا اسمه جلست التقط أنفاسي بينما غابت الحاجة زهرة إلي داخل الزقاق.. وما هي إلا دقائق معدودة.. حتي عادت وفي كتفها الست باتعة.. قمر زمان الحتة في شبابها.. وآه يا زمن..
بعد السلامات والتحيات.. وكلمات في »السر كده« بين الحاجة زهرة والست باتعة.. حتي أعلنت الأخيرة قرارها: يا خبر الحاج بهادر العطار.. أنا جاية معاكم.. استنوني لما البس لبس الخروج.. هاحط طرحة سودة فوق وشي موش معقول بجلالة قدره حنروح المقابر وأنا كده علي سنجة عشرة!
أمسكت بيد الحاجة زهرة وقلت لها مندهشا: مقابر ايه يا حاجة.. هو ده وقته.. احنا رايحين نقابل الحاج بهادر العطار في بيته اللي عايش فيه دلوقتي بعد ما طردوه ولاده.. واللا هو اللي طفش من العقوق ونكران الجميل؟
قالت بكل هدوء: ما احنا يا باشا رايحين بيته الجديد.. موش حضرتك برضه عاوز تقابل الحاج بهادر.. احنا حنوديك لحد عنده!
كمن القمتني في فمي حجرا كما يقول جهابذة اللغة سكت ولم أنطق أنا الآخر ببنت شفة.. يعني بالبلدي كده »نطقتها بسكوتي.. كما يقول العامة!
في الطريق رحت أقلبها في دماغي في مونولوج داخلي.. ايه اللي حصل للدنيا يا ولاد.. الراجل بعد ما شقي وتعب وعمل لأولاده كل حاجة.. يقوم ما يلاقيش ولا حتي ضل حيطة يتسند عليها في أواخر أيامه.. ايه اللي حصل.. هي الدنيا غدارة بالشكل ده.. واللا الزمان بيعمل كده ليه في الناس الطيبين؟
أيقظتني من سرحاني صاحبة المقهي التي جاءت معنا وهي ما اعرفش ليه زي ما بيقولوا ولاد البلد »علي سنجة عشرة«.. يعني لابسة اللي علي الحبل كله« كما يقولون.. ومتزوقة كما العروس في ليلة زفافها.. وهي تردد: والله الحاج بهادر وحشنا!
لم أسألها: لم؟.. وعشان ايه؟
وقلت لنفسي دون صوت: خلينا كده ندخل علي الرجل الهارب من ظلم الأولاد والزمان معا.. وبصحبتي صنفين من »الحريمات الأراري« الذي لا يتكرر في هذا الزمان.. واللاتي يعرفن التايهة.. وكل واحدة منهن كما يقول أولاد البلد دوبت من صنف الرجال.. قول ما تعدش!
يعني بالزواج واحدا بعد الآخر وآسف لهذه العبارة التي تسللت وحدها إلي هنا رغما عني!
..................
................
نحن نمشي الآن بأقدامنا داخل مقابر المماليك.. وعلي مقربة من مقبرة الأمير طاز وهذا هو اسمه وله قصر بديع يطل علي شارع المعز لدين الله.. وتقام فيه ليال قاهرية ينقلها التليفزيون المصري علي الهواء مباشرة.
الوقت بعد الظهيرة بقليل.. نزلت الست زهرة سلالم من الرخام.. ثم دلفت يمينا.. ثم يسارا.. لنجد أمامنا عمنا الحاج بهادر العطار بشحمه ولحمه جالسا وحده أمام بوابة حديدية مغلقة.. قام لفوره عندما لمحنا بطرف عينيه.. واحتضننا جميعا واحدا بعد الآخر..
نزلت دموعا ساخنة علي وجنتيه وهو يقول: موش معقول.. موش مصدق عينيا والله. خطوة عزيزة جاي ومعاك كل الحبايب الحاجة زهرة والله زمان.. والست باتعة كمان جاية تسأل عني..
ونزلت دموعه فوف وجهه مدرارا..
قلت له: موش وقته يا حاج بهادر.. احكيلنا ايه الحكاية.. وايه الرواية؟
الست باتعة تكمل سؤالي بس من الأول وحياتك؟..
هو يحكي ونحن له منصتون:
أنتم عارفين إن الحاجة الست بتاعتي أم الأولاد.. ست الكل ربنا افتكرها واخذها عنده: لكن حا اقول ايه واللا ايه.. بعد اسبوع واحد من كتابتي كل شيء باسم الأولاد والبنات.. المحل والبضاعة.. والخزينة واللي فيها.. والبيت وفدادين الأرض اللي في البلد.. والدوار الكبير اللي بيسموه دوار العمدة.. لقيت الوجوه غير الوجوه.. والكلام متغير.. زي ما تحط في كباية شوية ملح بدل السكر.. موش تبقي ممررة.. وهي حياتي بعد كده بقت يوما بعد يوم في مرارة العلقم!
دموع تسيل علي وجنتي الحاجة زهرة ربما دون أن تدري.. والحاج بهادر يحكي وسط هدوء المقابر وصمت الموتي: الوجوه أصبحت غير الوجوه.. والكلام لم يعد هو الكلام.. حتي المعاملة تغيرت وتبدلت.. حتي أصبحت أتسول الرضا واللقمة وكباية الشاي!
لكن اللي ضربني بسكينة في قلبي هو أول يوم بعد ما كتبت كل حاجة للأولاد وكل واحد اطمن علي نصيبه من الميراث.. نزلت الدكان زي العادة.. بصيت لقيت ابني الكبير قاعد في مكاني علي النصبة وعمال يبيع ويشتري ويحاسب ويستلم النقدية!
قلت له كما كنت أناديه دايما: ايه يا شرلوك هولمز قاعد مكاني.. قوم فز بكسر الفاء وسكون الزين!
قال لي بكل برود: ده بقي مكاني أنا من النهارده.. حضرتك يا والدي تقعد علي باب الوكالة تراقب اللي رايح واللي جاي.. وخليني آخد بالي من الزباين!
................
................
مازلنا نتحاور ونتداور مع الحاج بهادر في حوش المماليك..
الست باتعة تسأل: أمال ايه اللي جابك هنا يا حاج؟
هو يكشف السر: قلت في نفسي يا حاج دول ولادك.. أصبر شوية هو ده اللي عملته في نفسك.. بقي المال مالهم.. ومادام المال أصبح مالهم.. يبقي الرأي رأيهم والشورة شورتهم.. وأنا لا حول ولا قوة حتي مصروفي أصبحت باخده من ابني الكبير مع تكشيرة.. زي ما تقول كده: أنت لسه عايش ما تروح كده تتاوي في حتة بعيد عنا.. وقبل ما يقولوها.. وبعد ما أخذوا الشقة اللي كنت عايش فيها في الدور الثاني مع الحاجة الله يرحمها عشان يجوزوا فيها بنتنا آخر العنقود.. وقالوا لي: احنا فرشنالك الاوده اللي تحت السلم!
قلت لهم: بتاعة البواب اللي طفشتوه هو راخر؟
قالوا: أيوه.. لكن خليناها لك زي الفل!
ساعتها قلت في نفسي الأب يتكلم: ما بقاش ليه عيش في البيت ده.. واخدت قرشين كده كنت مخبيهم لوقت عوزة.. زي ما تقول كده.. كان قلبي حاسس بأن غدر الأولاد قادم.. قادم.. قلت لنفسي مافيش حل إلا اني أروح أعيش مع أبويا وأمي وأعمامي وجدودي في مجاورة المماليك.. واديني قدامكم أهوه!
تدمع عينا الست زهرة وتنهمر دموع الست باتعة التي تسأل خلال دموعها: مافيش حد من ولادك سأل عنك.. وقال حتي الراجل ده راح فين؟
قال في أسي: البنت الصغيرة اللى اتجوزت في شقتنا بعد ما طردوني أنا.. جاتني هي وعريسها وقعدت تعيط وقالتلي: ما تزعلش يابا.. كله سلف ودين!
ولما سألتها: يعني ايه يا ست الكل.. وهذا هو اسمها؟
قالت: اللي عملوه فيك يا بابا.. ولادهم هيعملوه فيهم إن طال الزمان أو قصر.. صدقني يابا.. كله سلف ودين!
وتوتة.. توتة.. فرغت الحدوتة!{
لمزيد من مقالات عزت السعدنى;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.