عندما يعيد المخرج ومصمم الرقص ومدير فرقة الرقص الحديث بالأوبرا مناضل عنتر تقديم احد عروضه السابقة فانه يفاجئنا بعمل جديد ومتطور.. يعترف مناضل عنتر بمراحل التجربة والخبرة التي يكتسبها ويستكمل عادة في النسخة الجديدة من العمل رؤية فنية أكثر نضجا وإبهارا. وهذا ما حدث عند إعادة تقديم الفيل الأزرق، مولانا، حلم البصاصين وغيرهما، وخلال هذا الأسبوع أيام 3 و4 و5 نوفمبر بمسرح الجمهورية يعيد مناضل عنتر عرضه أعمق مما يبدو على السطح، الذي سبق أن قدم نسخته الأولي في 2013 . في نسخته الجديدة المتطورة يعتمد مناضل على منهج وكتاب «سيكولوجيا الجماهير» لجوستاف لوبون ويلخص رؤيته بمقولة الكاتب الحقائق ليست مطلقة ولا أبدية وإنما لها تاريخ محدد بدقة وعمرها قد لا يتجاوز عمر الزهور أو قد يتجاوز عمر القرون.. إن لها لحظة ولادة و نمو وازدهار مثلها مثل الكائنات الحية ثم لحظة ذبول فشيخوخة فموت. يتناول عنتر فكرة السلطة والتحكم وحرية الإنسان بصورة مجردة ويسعى في مشاهد راقصة منفصلة إلى إبراز حالات الصراع والعنف بشتى أنواعه في حركات ورقصات مركبة وعنيفة تصور حالات القهر التي يتعرض لها الإنسان.. في خلفية المسرح، التي تبدو فوضوية يقف تمثال لرجل يرتدي جلبابا وعمامة فوق الرأس، يدير ظهره للاحداث رافضا كل هذا الصراع والعنف.. تبدأ المشاهد برقصة تشبه لعبة الكراسي الموسيقية يتنافس فيها ثلاثة راقصين، وننتقل فيما بعد لمشاهد أكثر دلالة على القهر بحكم العرف والتقاليد والسلطة الأبوية..تنهزم فيها فتاة أنهكها الصراع الطويل.. تبهرنا مشاهد الرقص الحالمة خاصة تلك التي تعبر عن المشاعر الإنسانية والتي تصور لنا مع موسيقى وكلمات أغنية فلك لريما خشيش فتاه تائهة من فرط الحب، أو مشهد لقاء المحبين بنهاية العرض على أنغام أغنية ظافر يوسف.. رغم هذا العالم الفوضوي المتصارع، فلايزال هناك أمل في الحب والحياة. وخلال المشاهد الراقصة المتميزة في تصميماتها تتخلل العرض مشاهد ومونولوجات استلهمها مناضل عنتر من رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ. نبتعد عن السياق المجرد للرقص وتعيدنا تلك المونولوجات إلى إطار الحارة التي تناولها محفوظ.. وربما للحظات نشعر بالحيرة لكن عنتر يهدف من خلال تلك المونولوجات الدرامية إلى تقريب لغة الرقص المعاصر إلى الجمهور وإضفاء معادل درامي ولغوي لحركات الجسد مما يسهل عملية التلقي.