عندما وجه رئيس مجلس النواب الأمريكي السابق جون بينر الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو في بداية العام الماضي لإلقاء خطاب يتحدي فيه سياسة الرئيس باراك أوباما والاتفاق النووي مع إيران، قال لي مصدر جمهوري في الكونجرس إن هناك تفكيرا في توجيه دعوة مشابهة للرئيس عبد الفتاح السيسي للحديث أمام الكونجرس، وهو ماكان سيمثل خروجا كبيرا علي سياسات البيت الأبيض. نحن نعرف بالطبع كيف سارت الأمور بالنسبة لخطاب نيتانياهو وماكان له من آثار سلبية داخلية ربما تكون حالت دون تكرار الدعوة للسيسي أو لغيره. لكن ماكان واضحا هو أن الجمهوريين تحديدا أكثر اقترابا من مواقف مصر بعد الثلاثين من يونية. هذا ما تأكد لي في لقاءاتي أثناء المؤتمر القومي للحزب الجمهوري في كليفلاند في يوليو الماضي، فمثلا لم أكد أبدأ الحديث مع الجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشار ترامب لشئون الأمن القومي حتي بادرني بأنه من أشد المعجبين والمؤيدين للسيسي. كنا نناقش خطابه المتشدد أمام مؤتمر الحزب بشأن مكافحة الإرهاب، حيث نبهته إلي مايمكن أن تؤدي إليه لغتهم الحادة من تنفير المسلمين المعتدلين الذين لايمكن الاستغناء عنهم للانتصار في الحرب ضد الإرهاب، هنا جاء رد فلين بأنه من الضروري التعاون مع القيادات المعتدلة مثل الرئيس السيسي لمكافحة مايطلق عليه الجمهوريون “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”.وقد صاحب فلين دونالد ترامب أثناء لقائه الرئيس السيسي في نيويورك الشهر الماضي. عبارات التأييد الصريح من جانب القيادات الجمهورية خاصة دونالد ترامب بعد لقائه السيسي دعت الكثير من المعلقين في مصر لتصور أن فوز المرشح الجمهوري للرئاسة هو الأفضل لمصر، حيث تعهد بأن تكون الولاياتالمتحدة صديقا تعتمد عليه القاهرة، بعكس الحال مع هيلاري كلينتون التي لم يكن لقاؤها مع السيسي بنفس الحميمية وأثار بيانها عن اللقاء قضايا خلافية بشأن الحريات وحقوق الإنسان بما يعني أن التوتر الحالي في العلاقات المصرية الأمريكية سوف يستمرحال وصولها إلي البيت الأبيض. فإذا أضفنا لذلك الحكايات السلبية عن هيلاري ومواقفها أثناء توليها وزارة الخارجية تفهمنا الرأي السلبي تجاهها في الإعلام المصري بصرف النظر عن عدم صحة الكثير من تلك الحكايات التي تزعم أنها منقولة عن أحد كتبها. في مقابل ذلك هناك تيار آخر في مصر يري أنه لافارق بين هيلاري ودونالد لأن السياسات الأمريكية ثابتة ولاتتأثر كثيرا بشخص الرئيس. والحقيقة أن العبارة الأخيرة تفتقد الدقة. صحيح أن هناك ثوابت في السياسة الأمريكية، لكن لايمكن تجاهل دور وتأثير الرئيس والشخصيات المحيطة به في تشكيل تلك السياسات. ولكي نوضح ذلك لنعد بالتاريخ إلي عام ألفين حين فاز جورج دبليو بوش بالرئاسة علي المرشح الديمقراطي آل جور، حيث يمكن القول بثقة كبيرة إنه لو فاز جور بالرئاسة لما كان قد وقع غزو العراق بكل ماترتب عليه من نتائج كارثية للمنطقة ربما تستمر آثارها لعقود قادمة. هذا نموذج واحد فقط بالنسبة لقضية كبري وهناك غيره الكثير من الأمثلة في أمور ربما تكون أقل أهمية لكنها مرتبطة بعلاقات واشنطن المتشعبة مع دول المنطقة وإسرائيل. ومع هذا يظل هناك تأثير كبير للرئيس خاصة في الملفات الخارجية، فكيف سيختلف أو يتشابه الحال بين هيلاري وترامب؟ لن تتغير طبيعة العلاقات الاستراتيجية مع مصر أيا كان الرئيس خاصة في النواحي العسكرية، لكن مع تركيز ترامب والجمهوريين علي “الحرب ضد الإرهاب” يمكن القول إن التعاون سيزداد خاصة إذا استمر التفاهم المصري-الإسرائيلي بشأن بعض القضايا الإقليمية المهمة مثل الوضع في سيناء. يمكن تكرار ذلك أيضا بالنسبة للعلاقات مع السعودية ودول الخليج، حيث سيكون هناك توافق أكبر بشأن الملف الإيراني، و ستزداد الضغوط علي طهران مع ترامب، لكن لا أعتقد أنه سيسارع كما يقول بإلغاء الاتفاق النووي، خاصة لو استمرت إيران في تنفيذ تعهداتها. بالنسبة لإسرائيل، يمكن القول إن العلاقات معها ستزداد قوة أيا كان الرئيس القادم، وقد ذكر لي المبعوث الأمريكي السابق دينيس روس أن هيلاري كانت تمثل صوتا براجماتيا داخل إدارة أوباما وكانت تميل للتفاهم مع حكومة نيتانياهو. هي بذلك ستكون امتدادا للسياسة الحالية ولكن بدون التوتر الشخصي الملحوظ في علاقة أوباما ونيتانياهو. من جانبه سيكون ترامب أكثر صراحة في دعم إسرائيل وقد تعهد أثناء لقائه نيتانياهو في نيويورك بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، كما أنه سيدعم ضم إسرائيل لأجزاء من الضفة الغربية حسب مستشاره دافيد فريدمان. يمكن القول أيضا إنه سيتم تفعيل دور أكبر لواشنطن في قضايا المنطقة خاصة في سوريا، وإن كان من المشكوك فيه التدخل المباشر بقوات برية تحت أي من الإدارتين. لكن يبقي الأهم من السياسات التفصيلية لكل منهما هو الرؤية العامة والشاملة لمستقبل المنطقة والعالم، وهنا أقولها صراحة إنني أثق أكثر في تفكير الديمقراطيين وهيلاري كلينتون، لأنه أقل راديكالية في تصوراته وأقل استعدادا لاستخدام العضلات الأمريكية لتنفيذ تلك التصورات التي تصل أحيانا للمطالبة بإعادة تقسيم المنطقة في إطار مذهبي وعرقي وطائفي، كما حدث في دعوة شخصيات جمهورية بارزة لإقامة دولة سنية بين العراقوسوريا. صحيح أن الجمهوريين سيكونون أكثر قوة في محاربة الإرهاب، لكن رؤيتهم لهذا الإرهاب معزولة عن دوافعه السياسية، وتربطه بالإسلام بشكل عام بما سيجعل تلك الحرب ملفوظة لدي قاعدة أكبر من الرأي العام في الدول الإسلامية، حيث سيكفي تكرار عبارات ترامب التي لم تثبت صحتها عن أحد القادة العسكريين بأنه كان يغمس الرصاص في دم الخنزير قبل قتل المسلمين لإثارة الرأي العام ضده وضد حربه علي الإرهاب. لمزيد من مقالات محمد السطوحى;