ضحى بنفسه من أجل إنقاذ زميلته، عائلة الممثل جوني واكتور تكشف اللحظات الأخيرة قبل مقتله    هيئة السلع التموينية: سلمنا 89 مليار رغيف عيش بمنظومة الدعم حتى الآن    كوريا الشمالية تفاجئ اليابان ب 10 صواريخ باليستية وتستفز جارتها الجنوبية ب"بالونات قمامة" (صور)    ميدو: نظام الدوري البلجيكي هو الأنسب للخروج من الأزمة.. ورسالة شكر ل أحمد دياب    كهربا يعلق على إصابة معلول ويقدم مبادرة لدعم غزة    ثغرة جديدة في نظام تشغيل ايفون.. تفاصيل    خالد أبو بكر يهاجم "المحافظين": "التشكيك بموقف مصر لو اتساب هتبقى زيطة"    انطلاق منتدى التعاون الصينى العربى بحضور الرئيس السيسى بعد قليل    هل تجوز الصدقة على الخالة؟ محمد الجندي يجيب    خالد مرتجي: لن ننسى العامري فاروق.. والخطيب تحمل ما لا يتحمله بشر    اقتحام وسرقة.. جيش الاحتلال يهاجم مدن الضفة الغربية    لحظة محاولة مجهول دهس طلاب يهود في نيويورك (فيديو)    موعد الملاحق.. متى امتحانات الدور الثاني 2024؟    بعد تصريحات «شيكابالا».. «كهربا»: «في ناس مبطلة من 2010 بيروحوا البيت لبابا عشان يجددوا»    أبو الغيط: منتدى التعاون الصيني العربي فكرة جيدة تعكس رغبة مشتركة في بناء علاقات قوية    الطريق إلى يوم التروية.. خطوات الحج 2024 من الألف للياء    طريقة عمل البيتزا في المنزل «بخطوات بسيطة ورخيصة وأحلى من الجاهزة»    تعود للانخفاض.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الخميس 30 مايو بالصاغة    العراق.. سماع دوي انفجار في منطقة الجادرية بالعاصمة بغداد    الحرس الوطنى التونسى ينقذ 17 مهاجرا غير شرعى بسواحل المهدية    توخوا الحذر.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 30 مايو في مصر (حرارة شديدة)    أسعار رغيف العيش الجديدة وحصة الفرد على بطاقات التموين.. هل يتغير الوزن؟    تقوية المناعة: الخطوة الأساسية نحو صحة أفضل    مجدي طلبة: حسام حسن قادر على النجاح مع منتخب مصر    بيبو: التجديد ل معلول؟ كل مسؤولي الأهلي في إجازة    «البوابة نيوز» تهنئ قناة القاهرة الإخبارية على حصدها جائزة التميز الإعلامي العربي    ياسمين صبري: أتمنى أمثل مع توم كروز وليوناردو دي كابريو    اللواء أحمد العوضي ل"الشاهد": سيناء تشهد طفر غير مسبوقة وتنمية كبيرة    عضو جمعية الاقتصاد السياسي: يمكن للمستثمر الاقتراض بضمان أذون الخزانة    ضبط سيدة تبيع السلع المدعومة بالسعر الحر.. نصف طن سكر مدعم و203 زجاجة زيت و800 كيلو عسل    الجيش الأمريكي يعلن تدمير مسيرتين ومنصتي صواريخ للحوثيين في اليمن    وزير الصحة يبحث مع سكرتير الدولة الروسي تعزيز التعاون في مجال تصنيع الدواء والمعدات الطبية    وزيرة الاقتصاد التونسي تؤكد ضرورة توفير المناخات الملائمة للقطاع الخاص في البلدان الأفريقية    كهربا: لن ألعب فى مصر لغير الأهلي وبإمكانى اللعب على حساب مرموش وتريزجيه فى المنتخب    مع زيادة سعر الرغيف 4 أضعاف .. مواطنون: لصوص الانقلاب خلوا أكل العيش مر    وفاة الفنانة التركية غولشاه تشوم أوغلو    أحمد عبد العزيز يكتب // الإدارة ب"العَكْنَنَة"!    بعد مراسم مماثلة ل"عبدالله رمضان" .. جنازة شعبية لشهيد رفح إسلام عبدالرزاق رغم نفي المتحدث العسكري    دون خسائر بشرية.. السيطرة على حريق محل لعب أطفال في الإسكندرية    الحكومة: أي تحريك للأسعار لن يأتي على حساب المواطن.. ومستمرون في دعم محدودي الدخل    73.9 مليار جنيه قيمة التداول بالبورصة خلال جلسة الأربعاء    كهربا: لم أقصر في مشواري مع الزمالك    استغل غياب الأم.. خمسيني يعتدي جنسيًا على ابنتيه في الهرم    مدير "تعليم دمياط" يتفقد كنترول التعليم الصناعي نظام الثلاث سنوات "قطاع دمياط"    حظك اليوم| برج الأسد 30 مايو.. «يوم عظيم للمساعي الإبداعية والخطط الطموحة»    في ذكري رحيله .. حسن حسني " تميمة الحظ " لنجوم الكوميديا من الشباب    حصري الآن..رابط نتائج الرابع والخامس والسادس الابتدائي الترم الثاني 2024 بالسويس    محافظة القاهرة تشن حملات على شوارع مدينة نصر ومصر الجديدة لرفع الإشغالات    الإفتاء توضح حكم التأخر في توزيع التركة بخلاف رغبة بعض الورثة    آخر تحديث لسعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الخميس 30 مايو 2024    "الصحة الفلسطينية" تعلن استشهاد مسعفين جراء قصف الاحتلال سيارتهما في رفح    خالد مرتجى: معلول من أعظم صفقات الأهلي.. وعشت لحظات صعبة فى مباراة الترجي    تخصيص 65 فدانًا لصالح توسعات جامعة الأقصر بمدينة طيبة    صحة الدقهلية: 7 عمليات بمستشفى المطرية في القافلة الطبية الثالثة    مدير مستشفيات بنى سويف الجامعي: استقبال 60 ألف مريض خلال 4 أشهر    واجبات العمرة والميقات الزماني والمكاني.. أحكام مهمة يوضحها علي جمعة    ما هو اسم الله الأعظم؟.. أسامة قابيل يجيب (فيديو)    رئيس جامعة المنوفية يعلن اعتماد 5 برامج بكلية الهندسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع زيارة لأرض المعجزات و«الغموض الفاتن»
«الصين العظمى».. وجرى الوحوش!

قصة صعود التنين من «قرية صغيرة للصيد» إلى تركيع القوى الكبرى المنافسة
التعليم وتحفيز الابتكار بداية الإصلاح .. والصناعة كلمة السر فى ارتقاء العملاق لمقعد قيادة العالم
معجزات وأحداث هائلة، تتشكل فى الخفاء وراء سور الصين العظيم، يتأهب العملاق الأصفر لشيء ما، يخوض حروبا شرسة مع قوى عالمية، بلد الغموض الفاتن لايعرف التثاؤب، يأتى إليك إذا لم تذهب إليه، بضائع رخيصة تدخل كل بيت فى المعمورة، لكن الجميع يشعر نحوه بالفزع، تختفى المصانع تدريجيا من البلاد المتقدمة، لتعاود الظهور هناك، سحر صينى يدهش الدنيا.
بدعوة من الخارجية الصينية، شددت الرحال – الأسبوع الماضى- إلى بلاد القوة العظمى الصاعدة، الرحلة ضرب من الوجع اللذيذ، ساعات طوال فى الطائرة نطارد الشمس حتى أرض مشرقها نحو60 ألف كم ذهابا وعودة وتجوالا بالطائرات، بين ثلاث مدن: «بكين» المدينة الامبراطورية و»شينزن» مدينة الحلم و»شينجدو» مدينة السعادة.. ثمانية أيام «سندبادية» داخل شرايين القلب التكنولوجى والعقل الحضارى، أضخم ورشة للبناء والتعمير والتحديث على وجه الأرض، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم ، فارق التوقيت بين القاهرة وبكين يتجاوز 6 ساعات، بعد وصولى اكتشفت أن الفارق ليس بضع ساعات، لكنه سنوات من التحضر وأجيال من الحلم، تحسست ملامح وأسباب الصعود الأسرع فى التاريخ، مع كل خطوة تأكد لى كم نحن قساة وأحيانا مجرمون بحق بلادنا.
ما أن تطأ قدماك مطار بكين بضخامته وأناقته، حتى تشعر بأنك عالق على جسر بين ماض قادم من الأزل وحاضر ذاهب إلى الأبد (المستقبل)، هنا الوقت يعزف نغماته بسرعة تسابق الزمن، شهدت الصين خلال 20 عاما المستوى نفسه من التغييرات الصناعية والحضرية والاجتماعية التى استغرقت 200 عام فى أوروبا، إنه التحول الوطنى الأسرع والأبعد مدى، يصعب الإحاطة بكل أسباب هذا الصعود المذهل، لكن يمكنك أن تقدر قوته، انطلاقا من حجم التغير فى حياة أفراد الشعب، دولة أدركت بخصوصيتها السياسية والجغرافية، أن تعزيز قوتها الناعمة ووضع نفسها فى صدارة الاقتصاد العالمى هما أمضى سلاح، فى وجه تحديات وقوى منافسة لاترحم الضعفاء.
خارج المطار، تواجهك «المدينة الامبراطورية» بثقة تليق بها، مدينة أوليمبياد 2008 المذهلة، كيان هائل ينبض بالبشر، تمزج الجمال الأصيل بأرقى صور الحداثة، النظافة الشديدة سمة حياة، الكاميرات تملأ الشوارع، صروح الصناعة وناطحات السحاب تنبت كأشرعة المراكب فى النيل، جسور وطرق حديثة وأنهار وطبيعة خلابة، «المدينة المحرمة» مازالت شاهدا على مجد عابر للأزمنة، صورة «ماوتسى تونج» على جدار بأهم ميادينها، تذكر بأن ثورته الثقافية حافظت على وجود الدولة، لكنها تركت الشعب ضحية للفقر والمجاعات، رحل «ماو» عام1976، وبعد صراع مرير على السلطة وقضائه على «عصابة الأربعة»، عثر رفيقه وخلفه دينج شياو بينج على طريق مغاير. رأى أن مفتاح حل الأزمات يتلخص فى إصلاح الداخل والانفتاح على الخارج وتنمية الاقتصاد وتخليص البلاد من الفقر والانغلاق، وجلب التكنولوجيا المتطورة من كل مكان.
اللافت أن الخطوة الأولى فى مشواره الإصلاحى - قبل أى شيء- كانت الأولوية المطلقة، لإصلاح التعليم وإحياء البحث العلمى وابتعاث الطلاب إلى الدول المتقدمة، القرض الأول للصين من البنك الدولي في السبعينيات خصص بأكمله لإصلاح التعليم.
ثم شرع دينج فى إصلاح اقتصادي (إنتاجي)، بنى هذا البلد مصانع وطرقا ومرافئ، مدنا وبلدات جديدة، مطارات وقطارات مغناطيسية ومركبات فضاء، وجيشا جرارا حاذقا وتكنولوجيات حديثة.. ومنذ عام 1979 انتشلت 450 مليون صينى من دائرة الفقر الجهنمية، يوازى 80% من مجمل الذين انتشلهم العالم، خلال القرن العشرين، وتغيرت الصين من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي - زراعي مُنتج، فارتفعت صادراتها، خلال عقد واحد، من 10مليارات دولار إلى تريليون دولار، اليوم تتجاوز تجارتها مع العالم تريليونى دولار..!.
كيف حدثت المعجزة إذن؟!
إليك الحكاية من بدايتها..!!
منذ 35 عاما، كانت «شينزن» قرية صغيرة لصيد الأسماك، تطل على بحر الصين الجنوبى، مجرد رقعة واسعة من الوحل، على الشاطئ المقابل لهونج كونج، لكن الإصلاحى الكبير دينج اختار «شينزن»، لتكون «مختبرا» لأحلام شعبه الكبرى، دشنها منطقة اقتصادية خاصة، شبه رأسمالية وموجهة للصادرات، فى البدء ظن كثيرون أن الأمر مجرد دعابة!..
فى اليوم الرابع من الزيارة، هبطت بى الطائرة القادمة من بكين فى مطار «شينزن»، أدركت كم كان دينج «رجل الدولة مقتدرا»، الأهم أننى تحسست ملمحا جديدا لعظمة شعب مثابر وقدرته على صنع الملاحم، بتواضع منقطع النظير..!
بعد أن شاهدنا فيلما عن تطور «شينزن» وقدراتها، قالت لىّ السيدة «تشن تشى» إحدى القيادات التنفيذية: إن المدينة تطورت إلى 6 قطاعات رئيسية: صناعية وسياحية ولوجستية وتجارية وسكنية ومرفأ عالمى، إنها نقطة مفصلية فى مبادرة «الحزام والطريق» التى أطلقها الرئيس الصينى الحالى شى جين بينج..
«شينزن» هى عاصمة ديناصورات التكنولوجيا الراقية، يكفى أن تعرف أنها المقر الرئيسى لعملاق الاتصالات «هواوى»، وغيرها من شركات الكمبيوترات العالمية والصناعات الدوائية، والملاحة الفضائية والأقمار الصناعية والرقائق الإلكترونية والليزر والسيارات الكهربية الصديقة للبيئة، زرت بعضها واستمعت إلى شروح مكثفة حول خطط التوسع والطلب العالمى على منتجاتها. تعد «شينزن» مفاجأة للعالم، تتمثل فى نظام صينى لتحديد المواقع بالأقمار الصناعية، يسمى «بيدو»، سيكون «مجانيا لجميع أهل الأرض.
مساحة المدينة 11100كم، يقطنها 14 مليون نسمة وبها جامعات تكنولوجية تضم جميع التخصصات، صناعات صغيرة ومتوسطة وكبيرة، إجمالى ناتج «شينزن» وحدها يتجاوز 1،7 تريليون يوان «نحو 200 مليار دولار سنويا»، تحتل المركز الأول بين المدن الصينية فى التصدير والرابع فى الناتج الإجمالى، تسبقها شنجهاى وبكين وكوان جو على الترتيب.
من حسن الطالع، أن تتفحص»المهد الأول» للمعجزة الصينية، المدينة المابعد حداثية مع شنجهاى، نظرت من شرفة الفندق فى الصباح الباكر، أهلها يقبلون على الحياة والعمل بتفاؤل ونشاط عارم، الرياضة منهج حياة متجذر بالشخصية الصينية.
فى شينزن، تعرفنا أكثر على المطعم الصينى الثرى بتنوع أصنافه، الشعار هنا أن كل ما يطير فى السماء أو يسير على الأرض صالح للأكل، سألت صديقا سودانيا درس فى بكين، عن أغرب الأطباق الصينية، فقال: «العقارب»، قلت ماذا؟!. قال كما سمعت، لأنهم يعتبرونها «بروتينا مرتفعا».. اصطحبنا مرافقونا إلى «مطعم حلال»، المائدة المستديرة الدوارة، تتيح للجميع تذوق جميع الأطباق، التوابل الحريفة و الماء الساخن، والشاى فى صلب الطعام، اللحوم التى تم إنضاجها وسط أوراق الشاى طبق مميز.
لاحظت أن الصينى «نحلة عسل»، يأكل قليلا ويعمل كثيرا ويعيش طويلا، لهذا لا أحد قادرا –هذا الزمان- على منافسة الصين فى مدارج الصعود.
طبعا تسألنى عن اليومين التاليين من وصولنا إلى بكين، أجيبك بأننا بدأنا اليوم الثانى، بزيارة سور الصين العظيم، بناه الأباطرة تأمينا للدولة ضد الاعتداءات الخارجية، وتمكينا للاستقرار والازدهار. من السور الحجرى انتقلنا إلى الأسوار التكنولوجية والقلاع الصناعية، المهمة نفسها فى الحالتين، رموز لقوة «التنين» ونفوذه المتعاظم، تفقدنا أكبر شركة صنية لإنتاج المعدات الثقيلة، والخامسة عالميا، إحدى الشركات ال 500 الأكبر دوليا، بحجم أعمال 12 مليار دولار، مليار منها صادرات للبلدان العربية.
فى اليوم الثالث، استقبلتنا السيدة يانج لى مى نائب المدير العام لبنك الصين للتنمية، بمقر البنك، وهو تحفة معمارية، وبعد استعراض دور البنك فى تنشيط التعاون العربى –الصينى، وضخ الاستثمارات والقروض الميسرة بنحو 15 مليار دولار، سألتها عن تأخر ضخ الاستثمارات الصينية خاصة فى منطقة محور قناة السويس، فأجابت على الفور: الآن ونحن نجلس معا، تعقد خمس شركات صينية كبرى اجتماعا لدراسة الملف، تمهيدا للاتفاق مع الجانب المصرى على التفاصيل، ثم تقديم الحزم التمويلية، وأن الوفد سيزور القاهرة أكتوبر الحالى، قلت لها: «بشرة خير»!.
ثم توجهت بصحبة وفد الإعلاميين العرب، إلى منتدى التعاون العربى-الصينى، وفى قاعة فخمة، استقبلنا السفير لى شنج ون مدير المنتدى دينامو العلاقات العربية-الصينية، ومن بين جميع الصحفيين والإعلاميين من مصر وتسع دول عربية، شد السفير «لى» على يدى بترحاب شديد، لما علم أننى صحفى ب «الأهرام»، قائلا: «نحن نقدر «الأهرام» ونعتز به كثيرا، إنه صديق قديم لبلادنا، ومنبر دولى مؤثر ومرموق، وليس محليا أو إقليميا فقط، لقد زرت «الأهرام» من مدة قصيرة، ونثمن التعاون معه، وأرجو أن تنقل تحياتى لجميع زملائك»..كلمات السفير تجاه «الأهرام»، أسعدتنى حقا، خاصة أن الزملاء المصريين والعرب، أخذوا يهنئوننى على هذه الأشادة الاستثنائية من أحد رموز الخارجية الصينية.
تجاذبنا الحديث على غداء عمل، مع المسئول الصينى الكبير، سألته: هلا أوجزت لنا ركائز النهضة ببلادكم، حاضرها ومستقبلها، أجابنى: نحن مجتمع فى عجلة شديدة من أمره، نهدف لمضاعفة الناتج المحلى عام 2020 قياسا إلى ناتج 2010 المقدر بنحو 5 تريليونات دولار، والأمريكى 8،8 تريليون العام نفسه.
قاطعته: لكن كيف؟ هذا رقم مهول؟
سكت برهة، ولمعت عيناه، بثقة، وأكمل: نبذل كل الجهد فى خمسة مجالات: إنشاء مجتمع الرفاهية، تعميق الإصلاح بأهداف محددة بدقة، إعلاء دولة القانون، تعزيز البناء الحزبى بمعايير صارمة، مكافحة الفساد بكل شدة، وذلك لتهيئة المناخ اللازم للاستقرار والتنمية. وتطرق السفير إلى التعاون المشترك، فأكد أن بلاده تعتبر الدول العربية، شعوبا صديقة يهمها تمتين العلاقات معها، لافتا إلى التبادل بين الجانبين يتعدى 200 مليار دولار سنويا، ثم عرّج إلى التعاون والشراكة الاستراتيجية المصرية-الصينية وزيارات الرئيس السيسى لبكين والرئيس شى للقاهرة، موضحا أن بلاده تشجع الشركات الصينية على الاستثمار بكثافة فى بلادنا، فى إطار مبادرة «الطريق والحزام»، وأضاف بحماس: نحن نمد أيدينا إليكم..ثم استدرك، قائلا: مصر تحقق تقدما كإنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، لكن هناك معوقات فى بيئة الأعمال، ينبغى إزاحتها، لتكون آمنة مستقرة مربحة للمستثمرين الدوليين والمحليين. لدينا توجيهات على أعلى مستوى للتعاون مع القاهرة.
...................
صحيفة أمريكية ذكرت أخيرا أن الشركات الصينية ستقدم الشطر الأكبر من استثمارات وتنفيذ المرحلة الأولى للعاصمة الإدارية الجديدة البالغة 45 مليار دولار.
أما مبادرة «الطريق والحزام» فيعتبرها بعض الخبراء أكبر مشروع للتنمية والبناء في العالم؛ إنه ثورة بالخريطة الاقتصادية الدولية، يمر فى 65 دولة، ويتوقع أن يصل ناتجه إلى 21 تريليون دولار. ويعتبره آخرون «الطلقة الأولى في المعركة بين الشرق والغرب من أجل الهيمنة في أوراسيا».
.................
بعد شينزن، حطت بنا الطائرة فى شنجدو «مدينة السعادة»- كما وصفها باسما ونج كونج لينج من رابطة صداقة الصين مع شعوب العالم- أنشأها الأمبراطور كاى مينج قبل 2500 عام وأقام به سدا مازال يعمل، كانت مركزا لصناعة الحرير التى اشتهرت بها الصين، مساحتها 114 ألف كم ويقطنها 16 مليون نسمة، وتقع على خط عرض 30 أى خط الحضارات القديمة بالتوازى مع القاهرة، وبها قنصلية لإسرائيل، شعار أهلها:»شنجدو تستطيع»، وقد استطاعت. المدينة مركز حضارى ثقافى به 113 متحفا، وهى واحة للتكنولوجيا ومؤسسات الأبحاث الراقية الدفاعية والنووية وإنتاج محركات القطارات السريعة والنسيج، الحكومة المحلية تدعم أى مبادرة للإبداع الخلاق وتمنح صاحبها قروضا دون فوائد، وربما منحا. شنجدو مدينة الحدائق والمتنزهات والتسوق والنقل وصناعة الطيران المدنى والحربى بامتياز، زرت مصنع الطائرات العملاق الذى ينتج طائرات وقطع غيار لشركتى بوينج وإيرباص، صور ضخمة للعمال المتميزين فى باحات المصنع ، تقديرا وتشجيعا للتنافس الإيجابى بين العمال، الأمر متكرر فى كثير من المصانع.
«شنجدو» فائقة الجمال، زارها الرئيس السيسى العام الماضى، وهم معتزون بذلك للغاية، بها 4 خطوط مترو أنفاق، غير القطار المغناطيسى (الطائر)، وهى أحد أهم محطات الاقتصاد ومقار البنوك والتجارة والماركات العالمية - استضافت اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين- وأضخم ميناء برى فى البلاد لتداول الحاويات، تنطلق منها أطول ثلاثة خطوط السكك الحديدية بالعالم، من قلب الصين مرورا بروسيا ووسط آسيا، لتنتهى فى بولندا وتركيا بأوروبا، لنقل السلع والبضائع، وقد تشكل منافسا جديا لحركة النقل عبر قناة السويس، ما لم تسرع مصر إلى إنجاز مشروع تنمية محور قناة السويس خلال العامين المقبلين، برؤى خلاقة، تجذب رجال الصناعة من كل الأوزان، سألت مسئولين صينيين بخصوص المنافسة المتوقعة، فكانت الإجابة (همهمات)، مع أنهم أشادوا بمشروع القناة لكن الجميع يطالبون مصر بالاندفاع لتحسين مناخ الأعمال، وضربوا مثلا بصعوبة الحصول عملى التأشيرة!.
................
قبل شهرين تقريبا، صرح وزير صينى، بأن بلاده ستضخ تريليون دولار، استثمارات فى الخارج، السؤال: هل تغتنم القاهرة هذه الفرصة، وتقابل القوم فى منتصف الطريق؟!
................
الزعيم دينج وخلفاؤه زيمين وهو جينتاو والرئيس الحالى شى جين بينج، جديرون بالإعجاب على مهاراتهم بالحكم، لقد نجحوا فى إنجاز التحديثات الأربعة: الاقتصاد والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والدفاع الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الغذاء لنحو 1400 مليون نسمة، أنجزت الصين قفزتها الكبرى وتبوأت مقدمة الصفوف ومازالت تسعى. يتضح الفرق عندما نقارنها بتجربتين، سابقة ولاحقة، أخفقتا إخفاقا ماحقا مؤلما، الأولى تجربة «الانفتاح الاقتصادى» بمصر، على يد الرئيس السادات، والثانية «اليرسترويكا» و»الجلاسنوست» أى الإصلاح والتغيير، على يد جورباتشوف والتى عجلت بانهيار الاتحاد السوفيتى وتمزيقه.
الاختلافات بين التجربة الصينية والتجربتين المصرية والسوفيتية، تكمن في أن الأولى كانت نابعة من الواقع المحلى، فلا زعيم في الدنيا يمتلك عصا سحرية يؤشر بها فتستجيب المتغيرات، الأمر دونه تحديات خطيرة، مع هذا فإنه: «على قدر أهل العزم تأتى العزائم»، حيث تجلت عبقرية دينج الذى قضى من عمره 5 سنوات بفرنسا، فى صياغة نموذج وطنى، وظهرت احترافيته فى اختيار القيادات السياسية «التكنوقراط» الإصلاحيين، مثل رئيس وزرائه «زهاو زيانج»، والتحرر التدريجى فى الحريات وشراسة التصدى للفساد والفاسدين، لأجل ذلك صار دينج مُلهم الصين -حيا وميتا- تنتظر الدنيا تحقق نبوءته عام 2028، لتصبح بلاده القوة الأولى اقتصاديا وسياسيا في العالم. بينما التجربتان الآخريان مستوردتان، دون إدراك لشروط الواقع، فكانت النتيجة كما هو معلوم.
إذن هل معنى ذلك أن الصين دولة بلا مشكلات؟
قطعا لا، هناك مشكلات جمة، باعتراف الصينيين أنفسهم، مثل: الفساد، والهوة بين الدخول والطبقات وبين الأقاليم وبعضها، التلوث البيئى، الموزاييك العرقى (56 قومية)، بالإضافة إلى الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة لتشغيل 15 مليونا يدخلون سوق العمل سنويا، فى ظل أزمة مالية عالمية خفضت معدل النمو من 12% إلى 6،5%.. لكن القوم لايستسلمون أمامها،شعارهم: نعم للتحديات لا للمستحيل..!
مازالت ممارسة السياسة فى الصين بالمعايير الغربية ضربا من الترف، أما على المستوى الخارجى، فإن الصين تخشى دفع ثمن باهظ للأزمة المالية العالمية وردود الفعل الحمائية من جانب الأسواق أمام صادراتها، كما يؤرقها التزاحم الأقليمى على ثروات بحر الصين الجنوبى الهائلة، وتصاعد حدة الصراعات مع القوى الإقليمية والدولية المنافسة: الولايات المتحدة والهند واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين.. تعتبر بكين أن الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، يتربصون بها، كبار المفكرين الاستراتيجيين بواشنطن لايتوقفون عن التحذير من أن الهيمنة الاقتصادية للصين أمر وشيك الحدوث، مثل زبجينيو بريجينسكى مستشار الأمن القومى الأسبق وسلفه الداهية هنرى كيسنجر، يرى الخبير الأمريكى فريد زكريا أن بعض جنرالات البنتاجون ينظرون إلى نهوض الصين بوصفه بذرة نزاع محتم بين القوى العظمى، وربما الحرب. خوفا من الخسوف الأمريكى، مقابل الشروق الصينى. أوباما غير عقيدة بلاده الاستراتيجية لتقوم على «احتواء الصين» والمحيط الهادى.
فى المقابل يشير جون إكنبيرى الباحث بجامعة برينستون –فى مقال بمجلة «فورين أفيرز»- إلى أن «النظام العالمى الحالى ملائم لارتقاء الصين بشكل سلمى، فى الوقت نفسه فإن الأسلحة النووية تجعل إمكانية الحرب بين القوى العظمى مسألة انتحارية»، أيده فى هذا جوزيف ستيلجيتز (نوبل فى الاقتصاد 2001) بقوله: «غالبا ما يقول الناس إن الصين وأمريكا تعتمدان بشكل متساو الواحدة على الأخرى، لكن هذا لم يعد صحيحا، لدى الصين وسيلتان للحفاظ على نمو اقتصادها، إحداهما هى تمويل المستهلك الأمريكى، الثانية هى تمويل سكانها الذين تزداد قدرتهم على استهلاك السلع، فى الصين لديهم خيارات لتحفيز الاقتصاد أما نحن فلا، ما من بلد آخر قادر على تمويل العجز الأمريكى»، يضيف فريد زكريا: «تمتلك الصين 10% من مجمل الدين الأمريكى العام، أصبحت أكبر مقرض للحكومة الأمريكية من كل الدائنين الأجانب والمحليين، فهى المصرفى الذى تستعين به أمريكا»..!ومن ثم دعا نيل فيرجسون فى كتابه «أهمية المال» إلى قيام تحالف «صينامريكا» منددا بما سماه الصينوفوبيا».
تتشابك المصالح الأمريكية الآن بشكل وثيق مع الصينية، برز هذا فى توافقهما خلال قمة «مجموعة العشرين» الأخيرة، وانتهاج واشنطن سياسة تهدف لعزل بكين لم يعد احتمالا واقعيا، المفاجآت واردة بالطبع، كان القرن العشرون قرنا أمريكيا بامتياز، فهل يكون الحالى قرنا صينيا؟!.
تظل مرارة الشعور بالمهانة من جرائم الاستعمار أحد روافد الاندفاع الصينية، لاسترداد الكرامة الوطنية ورد الصاع صاعين، الصين اليوم على محك الوصول إلى مقعد قيادة العالم، يفهم قادتها قوة دفع التاريخ، هم مصممون على النصر فى معركتهم الكبرى، معركة «النهوض السلمى»، ينصتون جيدا لمقولة المفكر الاستراتيجى الصينى «صن تزو» قبل 2000 عام: «إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك، فإنك لست بحاجة للخوف من نتيجة 100 معركة. ولو كنت تعرف نفسك ولاتعرف عدوك ستعانى الهزيمة مع كل نصر تحرزه.وإذا كنت لاتعرف نفسك ولاتعرف عدوك سوف تستسلم فى كل معركة»..!
النهوض الصينى نموذج يحتذى لكل شعب يروم الازدهار والتقدم، لكن لا يمكن استنساخه، لأنه «ابن ظروفه وآلامه العميقة وآماله المحلقة، لذلك قال لى كوان يو رئيس وزراء سنغافورة السابق:»من الخطأ الادعاء بأن الصين لاعب كبير، إنها اللاعب الأكبر فى تاريخ البشرية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.