في عام1991 تابع الإيرانيون, عن كثب, مجريات وتفاعلات وتطورات حرب الخليج الثانية( حرب تحرير الكويت) خاصة أمرين: أولهما, كيف أن الأمريكيين كانوا منحازين مبكرا. إلي الخيار العسكري ضد العراق, ومبكرا هذه تحمل المعني كاملا, حيث إن جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية( وقتها) كان في موسكو, وفي لقائه مع نظيره السوفيتي إدوارد شيفارنادزه بعد ساعات قليلة من الغزو والاحتلال العراقي للكويت, وهناك عبر بوضوح شديد عن أهمية وضرورة الحل العسكري. وثانيهما, كيف تعمد الأمريكيون اللجوء إلي' القوة المفرطة' في التعامل مع القوات العراقية, وكيف أنهم كانوا يمعنون في التنكيل بهذه القوات, وليس مجرد القتل. وخرج الإيرانيون بدرسين شديدي الأهمية من هذه التجربة: الدرس الأول يقول أن الولاياتالمتحدة لن تتردد لحظة في اللجوء إلي الخيار العسكري ضد إيران إذا ما تيسر لها ذلك, وإذا كانت حساباتها تقول إن ردود الفعل الإيرانية لن تكون مؤثرة وخطيرة للدرجة التي تجبر الأمريكيين علي التردد في استخدام القوة العسكرية ضد إيران. أما الدرس الثاني فيقول إن المخرج الوحيد أمام إيران لردع الأمريكيين عن الاعتداء عليها وتجنب المصير العراقي هو امتلاك القوة النووية علي الأقل عند مستوي ما قبل إنتاج القنبلة, بحيث تصبح إيران قوة نووية حقيقية مثلها مثل أكثر من عشر دول تملك قدرات نووية متقدمة إلي مرحلة ما قبل إنتاج القنبلة, ولا يفصل بينها وبين إنتاج القنبلة إلا القرار السياسي الذي يبرر ذلك علي غرار ألمانيا واليابان وكندا والبرازيل والمكسيك ودول أخري. إيران استوعبت الدرس جيدا, وهي الآن تخوض بجدية شديدة معركة امتلاك القدرة علي الردع هروبا من مصير عراقي ينتظرها, وهي عندما تستطيع تحقيق ذلك, فإنها لن تستطيع فقط امتلاك القدرة علي الردع, وفرض معادلة توازن رعب متبادل مع إسرائيل, بل إنها ستحصل علي عشرات المكاسب الأخري من الوصول إلي هذا المستوي من القدرة لعل أهمها المكانة والعزة والاقتدار في تعامل القوي الإقليمية والدولية معها, ناهيك عن حصولها علي مكان ممكن في إدارة العلاقات الإقليمية والدولية. وإذا كانت إيران قد راقبت وعايشت عن قرب ما حدث للعراق في حربي1991 و2003 واستخلصت الدروس وتحركت بقوة, فإن العرب يراقبون ويتابعون ما يحدث الآن لإيران ولمشروعها النووي وكيف أن إسرائيل والدول الغربية تتحرك بجنون لمنعها من امتلاك قدرات نووية سلمية كاملة, أي عند مستوي ما قبل إنتاج القنبلة. فهم يعاملون إيران علي أنها امتلكت فعلا أو هي في طريقها إلي امتلاك القنبلة, وعادوا للتلويح بالخيار العسكري, بل وبالخيار النووي حسب تصريحات أخيرة للرئيس الأمريكي وهو يستعرض الاستراتيجية النووية الأمريكيةالجديدة. هل استخلص العرب أي نتيجة؟, وهل نتوقع تحركات عربية في أي اتجاه ما تنطلق من تلك النتائج المستخلصة؟, هل يدرك العرب أن نجاح الغرب, ومعها إسرائيل, في منع إيران من امتلاك برنامج نووي سلمي كامل سوف يتكرر مع العرب إذا ما حاولت أي دولة عربية أو عدد من الدول العربية امتلاك برنامج نووي كامل خاصة امتلاك القدرة العلمية والفنية علي إثراء( تخصيب) اليورانيوم بالقدرات الذاتية وإنتاج الوقود النووي محليا لمفاعلاتها دون اعتماد علي الخارج؟ وهل يدرك العرب أن نجاح إيران في كسب معركة الفوز ببرنامجها النووي سيكون سابقة للعرب كي يفوزوا هم, متي شاءوا, ببرنامج نووي حقيقي وليس مجرد محطات لا تدري من شأنها شيئا كما هي حالنا في استيراد واستهلاك كل شئ دون قدرة, ودون نية علي امتلاك القدرة لإنتاج ما نحتاج إليه من المعدات والآلات وغيرها؟ وهل يدرك العرب أن شن حرب أمريكية_ إسرائيلية علي المنشآت النووية الإيرانية وتدميرها, سيفرض إسرائيل قوة إقليمية عظمي في المنطقة, وسيضع نهاية حاسمة لما يسمي ب' عملية السلام' حسب تأكيدات بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية, بما يعني دخول العرب' العصر الإسرائيلي' مجبرين؟ هذه الأسئلة وغيرها باتت ضرورية في ظل كم هائل من التطورات المتسارعة الخاصة بالمسألة النووية التي يبدو أنها سوف تفرض نفسها كقضية مركزية في العالم وبالأخص في إقليم الشرق الأوسط. من بين هذه التطورات المهمة يأتي الإدراك العربي لفشل المجتمع الدولي ممثلا في القوي النووية الكبري الخمس, مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فرض إقليم الشرق الأوسط إقليما خاليا من الأسلحة النووية بإجبار إسرائيل علي الانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, وبإجبارها أيضا علي فتح كل منشآتها النووية أمام المفتشين الدوليين التابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية. إدراك العرب لهذا الفشل يفرض عليهم القيام بتحرك جماعي وجاد من أجل طرح مطالبهم خصوصا أن أمامهم فرصة مواتية لعرض قضيتهم علي المجتمع الدولي شرط أن يكون لديهم مشروع عربي يضمن إجراء محددا يظهر أنهم لن يبقوا علي سكوتهم وانصياعهم لما تريده الولاياتالمتحدة. هذه الفرص موجودة في المؤتمرات النووية الثلاثة التي ستعقد هذا الشهر والشهر المقبل. فأمس واليوم تعقد في واشنطن القمة النووية التي دعا إليها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وفي يومي17 و18 من الشهر الحالي سيعقد في طهران مؤتمر آخر يبدو أنه للرد علي المؤتمر الأمريكي تحت عنوان' الطاقة النووية للجميع.. ولا للأسلحة النووية'. وفي مايو المقبل سيعقد' مؤتمر المراجعة' للمعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي, وهو المؤتمر الذي يعقد كل خمس سنوات لمراجعة التطورات التي تحدث علي صعيد الانتشار النووي ومراجعة مدي سلامة وتماسك المعاهدة ومواقف الدول الموقعة عليها من كل هذه الأمور. العرب مطالبون بحضور تلك المؤتمرات للتأكيد علي مطالبهم وللدفاع عن مصالحهم, فهم أولا أصحاب مصلحة حيوية في امتلاك برامج نووية حقيقية وامتلاك قاعدة علمية وصناعية نووية, وهم إذا كانوا أصحاب مصلحة فهم ثانيا أصحاب حقوق, ومعاهدة حظر الانتشار النووي تعطيهم هذه الحقوق, وهم ثالثا أصحاب مصلحة في نزع الأسلحة النووية الإسرائيلية, وتفعيل دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ذلك, ومن ثم فإنهم إذا كانوا مطالبين باتخاذ مواقف جماعية في مؤتمري واشنطنوطهران, فإنهم مطالبون في مؤتمر المراجعة باتخاذ موقف حقيقي من الأسلحة النووية الإسرائيلية, موقف يتراوح بين التهديد بالانسحاب من معاهدة الحظر وبين التهديد برفض التوقيع علي بروتوكول التفتيش المباغت الذي سيجري التصويت عليه في مؤتمر المراجعة المقبل, لكن ما يجب شئ وما يحدث علي أرض الواقع للأسف أشياء أخري. فمن أجل البحث في الخيارات العربية عقد كبار المسئولين بوزارات الخارجية العرب اجتماعا في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية انتهي بإعلان مدير إدارة العلاقات متعددة الأطراف بالجامعة نفي أي نية عربية للانسحاب أو للتهديد بالانسحاب من معاهدة الحظر والاكتفاء باللجوء إلي مطالبة المجتمع الدولي بتنفيذ قراراته وطرح عدد من الآليات لتنفيذها, ووضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته, مثل طلب عقد اجتماع دولي تحت رعاية الأممالمتحدة لبدء التفاوض حول إنشاء المنطقة الخالية من الأسلحة النووية, وأن ينشئ مجتمع المراجعة الثامن( مايو المقبل) لجنة دائمة لمراجعة معاهدة منع الانتشار تتولي تنفيذ قرارات المؤتمر لحين المؤتمر الذي سيعقد للمراجعة عام2015 هذا الموقف الهزيل الذي لا يرقي إلي مستوي التحديات التزمت به القمة العربية التي أنهت أعمالها يوم28 مارس الماضي في مدينة سرت الليبية. فقد اكتفي البيان الختامي بمطالبة مؤتمر المراجعة2010 باتخاذ قرارات واضحة وتبني خطوات عملية لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. وحذر إسرائيل من إصرارها علي رفض الانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي, ورفضها إخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة التابع للوكالة الدولية. وهكذا نستطيع أن نقول إن العرب أهدروا فرصة كانت مواتية لمواجهة كل المتخاذلين والمتواطئين وإسماع العالم, ولو لمرة واحدة لغة غير المناشدة والتحذير التي لم تعد تجد لها احتراما في عالم لا يحترم غير الأقوياء القادرين علي الدفاع عن حقوقهم.