عندما قرأت التصريحات الأخيرة التى أطلقها عضو مجلس الشعب المصرى، تذكرت اقتراحات بعض السلفيين من حزب النور فى مجلس الشعب تحت رئاسة الرئيس الاسبق محمد مرسى، عندما طالبوا بخفض سن الزواج وإلغاء قانون الخلع، والسماح بختان الإناث. وها هو السيد عجينة، تحت قبة البرلمان الحالى يطالب بإجراء اختبارات العذرية لطالبات الجامعات كحلٍ لمشكلة الزواج العرفى، والتى تعتبر انتهاكا صريحا لحقوق الانسان. والمثير للانتباه، أن الطريقة التى فكَّر فيها جميع هؤلاء البرلمانيين للتصدى لظواهر اجتماعية مخيفة، هى التحكم بقسوة فى المرأة والدعوة لاستخدام العنف الممنهج ضدها. ناهيك عن تعارض هذه الطريقة فى التفكير مع تعاليم ديننا السمح، فهى أيضاً تتعارض مع اتفاقيات ومواثيق دولية وقَّعت عليها مصر والتزمت بتنفيذها. إلا أن المشكلة الكبرى هى تكرار تنحى المنهج العلمى فى طرح حلول للظواهر الاجتماعية، بما يضمن تحليل الأسباب الجذرية للمشكلة وإيجاد حلول علمية ومستديمة بطرق سلمية بعيدة عن العنف. كما تساءلتُ كثيراً لماذا لا يجد البرلمانيون حلولاً إلا تلك التى تقضى بالسيطرة على النساء وقهرهن، تاركةً الرجال بمنأى عن أى جهد أو دور للتغيير، بالرغم من أنهم شركاء فى الفعل؟ ولكنى لم أجد إجابة أخرى غير تلك التى تؤكد أننا فى مجتمع ذكورى يعمل على زيادة قهر المقهورات، وأن بعضا من أعضاء البرلمان لا يمثلون آراء الشعب. مشكلة الزواج العرفى هى بالتأكيد ظاهرة يجب معالجتها، ولكن ليس بمثل تلك المقترحات، بل بتحليل أسباب المشكلة والبحث عن حل لها فى إطار المسئولية الاجتماعية التى تقع على عاتق الجميع. فمن المعروف أن من أهم أسباب الزواج العرفى هى تكاليف الزواج الباهظة التى لا يمكن أن يتحملها الشبان والشابات ولا أولياء أمورهم الذين أنهكتهم مصاريف التعليم والدروس الخصوصية. فمَن من الشباب أو أولياء الأمور قادر على شراء شقة يبلغ سعرها مئات الآلاف من الجنيهات حتى لو اقتصرت على غرفة نوم واحدة؟ وفى مقابل مثل هذه الأسعار، ماذا حل بالقيمة الشرائية لراتب الخريج الجديد أو حتى القديم؟ بالتأكيد يستحيل عليه شراء عش الزوجية، حتى ولو بدون تجهيزه. وإذا أضفنا إلى ذلك المهر والشبكة وتكاليف حفل الزفاف الباهظة أيضاً، لعرفنا أن الزواج أصبح بالنسبة لهذا الجيل حلماً بعيد المنال. ولن أتحدث عن القيمة الشرائية لراتب الخريجة الجديدة لأنها فى المقام الأول لن تجد عملاً، وإن وجدت، فغالباً ما يكون بأجر أقل من زميلها، لا لشيء إلا لكونها فتاة. كما أن غياب الوعى بأضرار الزواج العرفى وما يترتب عليه من مشكلات نَسب وميراث بسبب تضاؤل دور الأسرة والمدرسة، من العوامل التى تدفع الشباب للجوء إليه. وتحليل أسباب الزواج العرفى لا يمكن تغطيته فى هذه المقالة لضيق المساحة المتاحة، ولكن الغرض هنا هو الإشارة إلى أن هناك أسباباً جذرية لهذه الظاهرة من الممكن حلها بشكل علمى وبعيداً عن العشوائية والعنف ضد النساء، إذا قامت الدولة ومؤسساتها بالدور المنوط بها بشكل كامل وفعال. فاقتراح نائب مجلس الشعب بإجراء كشوف العذرية لطالبات الجامعات يشكل إهانة صارخة ومباشرة ليس فقط للفتيات والنساء، بل للرجال أيضاً، كما أنه يضلل الرجال بمنحهم حقوقاً ليست من سلطاتهم، غافلاً المسألة القانونية التى يعرضهم إليها. كما أن هذ الاقتراح يشكل اعترافاً واضحاً بأن الدولة التى يمثلها عضو البرلمان عاجزة عن القيام بدورها الأساسى وهو توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، ولذلك لجأ المواطنون إلى طرق غير شرعية لحل مشكلاتهم. وأخيراً، إذا عرف سيادة العضو الآثار النفسية والجسدية والمعنوية المترتبة على النساء من جراء هذا الإجراء العنيف، وكذلك التكلفة التى تتحملها الدولة بسبب ذلك العنف، لما فكر بهذا الحل العشوائى ولا بادر إلى اقتراحه. ولإيجاد حلول لمشكلات المرأة العربية يعمل مركز المرأة اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربى آسيا (الإسكوا) على وضع سياسات على أسس علمية مستندة إلى أدلة بحثية. وبهذا الصدد أشارت نتائج دراسات المركز إلى آثار العنف ضد المرأة على كل أفراد الأسرة وعلى المجتمع ككل، والمركز فى صدد حساب التكلفة الاقتصادية لذلك العنف فى المنطقة العربية. كما أوضحت تلك الدراسات دور الدولة والمجتمع المدنى والرجال والنساء فى التصدى لتلك الظاهرة، فأكدت أنه إذا اضطلع الكل بدوره وتحمل مسئولية أعماله وإذا طبقت مؤسساتنا مبدأ المساءلة، سوف نقف على أول الطريق لحل المشكلة ومنه إلى تحقيق العدالة الاجتماعية. ........................................................ مديرة مركز المرأة فى لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربى آسيا (الإسكوا). والآراء الواردة فى هذا النص هى آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة آراء الإسكوا. لمزيد من مقالات د. مهريناز العوضى