الحديث عن حرب أكتوبر.. هو حديث عن الجيش المصرى العربى.. الوطنى العروبى بلا منازع.. كما أن الحديث عن هذه الحرب وما سبقتها من حرب فترة الاستنزاف (1967 1970) هو حديث عن ارادة التحدى والصمود كمفتاح للانتصار وتحقيق انجاز حقيقى لايقبل الشك أو التزوير والتلاعب التاريخى، كما أنه يمثل بارقة الأمل فى مستقبل مضمون. فمنذ أكثر من عشرين عاما، وفى هذا المكان، وعلى صفحات الأهرام، كتبت مقالا بعنوان: «حرب أكتوبر وارادة التحدى والانتصار»، ولذلك فإن الحديث عن هذه الحرب وتداعياتها وانجازها العسكرى والسياسى، هو حديث فى الوطنية المصرية أولا، وليس مجرد حديث فى العواطف. بل انه حديث عن خلاصة للدراسات العلمية فى هذا المجال. فقد أعددت رسالة الماجستير عن السياسة الخارجية المصرية (1970 1981)، بين انهاء مهمة الخبراء السوفييت 1972، وزيارة الرئيس السادات للقدس عام 1977، وقرأت كثيرا فى هذه الفترة من 1967، حتى نهاية فترة السادات، ثم تابعت بدراستى للدكتوراة فى موضوع: قياس قوة الدولة بين حربى 1967، و1973، الأمر الذى قادنى إلى التعرف على تفاصيل هاتين الحربين والفترة الفاصلة بينهما التى شهدت حرب الاستنزاف البطولية التى أكدت معنى الصمود والتحدى، فكانت الاستجابة هى حرب أكتوبر المجيدة، وقد قرأت كل ما أتيح أمامى من كتابات عربية وأجنبية عن الحربين، وعن الفترة ما قبل 1967 و1973 وما بعدها، وما بين 1967 1973. وكانت الخلاصة لهذه القراءات ودراستى الماجستير والدكتوراه عدة نتائج هى: 1 أن ارادة الصمود والتحدى ومواجهة التحدى، كانت هى رد الفعل لهزيمة 1967، وهى نكسة عارضة فى حياة الشعوب، يمكن استيعابها والقفز عليها وهو ما يحتاج إلى ارادة قوية صلبة كالجبال لإعادة تنظيم الصفوف، واستعادة الثقة والشعور بامكان الانتصار تمهيدا لتحقيقه. 2 أن شعور عبدالناصر بالمسئولية أمام الشعب، وتقديمه الاستقالة وعودته لصفوف الجماهير مقاتلا وجنديا فى خدمة الشعب المصرى والعربى، كان حافزا مباشرا للشعب والجيش فى آن واحد، للصمود والقدرة على الانجاز، وباعثا لتكوين ارادة سياسية كبرى للمواجهة والنصر. 3 توليد ارادة التحدى والصمود، بصورة سريعة، منحت الزعيم مسئولية جديدة فى قيادته القوات المسلحة، ولاننسى معارك الجيش المصرى، وانتصاره فيها خلال الأشهر الثلاثة التالية للهزيمة (رأس العش، والمدمرة إيلات، وسفينة التجسس ليبرتى ومعارك أخرى)، وكان العدو الصهيونى يتصور أن الهزيمة كاملة، وأن مصر وجيشها لقمة طرية يسهل هضمها بعد الانسحاب من سيناء، وثبت العكس، ليدرك العدو خطورة ماهو مقبل وتحقق ذلك خلال معارك حرب الاستنزاف (1967 1973). 4 أن البطولات لاحصر لها لجنود الجيش المصرى الباسل خلال معارك الاستنزاف وخلف صفوف العدو، فضلا عن بطولات حرب أكتوبر 1973، حتى وقف النار وبدء المباحثات الخ. ولاشك أن التذكير بها ضرورة وحافز للأجيال القادمة للدرس والعبرة والتعلم أن مصر قادرة على الصمود والتحدى والانجاز والقفز فوق الهزائم لتظل دولة واحدة قوية بشعب متماسك فى إطار وحدة وطنية حقيقية. 5 أنه رغم أن موازين القوى لم تكن فى مصلحة مصر تماما قبل حرب 1973، ولا المناخ الدولى أو الاقليمى يعزز من الحرب، فإن توافر الارادة على الانتصار كانت حافزا أكبر على عبور أكبر مانع مائى فى التاريخ (قناة السويس)، وتحطيم أكبر خط دفاعى عسكرى فى التاريخ أيضا (خط بارليف)، ولولا القرار السياسى، لكان الجيش المصرى قد وصل للمضائق والممرات فى سيناء وفرضنا شروطنا وما كنا فى حاجة للذهاب لاسرائيل أو كامب ديفيد!! ومن ثم كسرت ارادة مصر وجيشها الوطنى، نظرية توازن القوى وفجوة القوة لمصلحة الأقوى، لتحقق انتصار الأقل قوة فى مواجهة الأكثر والمدعوم دوليا. وعلى أية حال، خلاصة القول، انه علينا أن نتعلم من حرب أكتوبر الدرس بالقدرة على الصمود والانتصار، وتوليد الأمل فى حياتنا المدنية لحل كل مشكلاتنا الداخلية بالاعتماد على الذات وخيار أن الشعب هو الحل وليس أى خيار آخر. وهنيئا لجيشنا الوطنى فى ذكرى انتصار أكتوبر، أهم الحروب فى القرن العشرين بشهادة كبار المؤرخين والقادة العسكريين فى العالم، ومازال الحوار متصلا. لمزيد من مقالات د. جمال زهران