الأم من أول يوم ترى فيه ابنها وليدا وهي تخاف عليه من شكة الدبوس حتى بعد أن يكبر ويذهب للمدرسة تخاف عليه من أصحابه ومدرسيه ومن السيارات وهو يعبر الشارع حتى عندما يدخل الجامعة تخاف عليه وتفضل كلية بجوارها أحسن من كلية بعيدة ليظل في حضنها أو من أي بنت تلهفه منها أو تتجوزه عكس رغبتها في أن تكون العروس من اختيارها هي . هذه الأم موجودة في كل بيت مصري ولكن الحال أختلف في بعض قري محافظات الوجه البحري فالأم التي كانت تخاف من سير أبنها بمفرده في الشارع تحولت بقدرة قادرة لأم تقوم برمي ابنها دون رحمة في عرض البحر ليلقي حتفه ، وهي بذلك لا تختلف كثيرا عن الأم التي تلقي برضيعها أمام مسجد أو ملجأ للتخلص منه . هؤلاء الأمهات قمن بجمع مبلغ كبير من المال وعلي افتراض أنهن من الطبقات الفقيرة فتدبير المبلغ يكون أكثر صعوبة ولكن هذا المبلغ الكبير حوالي خمسين الف جنيه والذي تسلمه بطيب خاطر لابنها ليس لعمل مشروع أو شراء عقد عمل عن طريق شركات معتمدة بل ليسلمه لشخص هو معروف لدي أبناء القرية بالكامل أنه من يقوم بتسفير أولادهم للعمل في ايطاليا أو قبرص أو دول أوربية يمكن الوصول لها عن طريق البحر. منذ سنوات طويلة وكل مصري من كبير لصغير يعرف أن نهاية هذه المراكب والتي تقوم بعمليات الهجرة غير الشرعية هي الموت غرقا قبل الوصول لشاطئ الدولة الأوربية أو أرض الأحلام فكلنا يعرف أن المركب يكون بها أعدادا كبيرة أضعاف حمولتها وهي تلقي بركابها جميعا في عرض البحر قبل الوصول للشاطئ حتى لا يراهم حرس الحدود مع تسليم الغرقى سترات نجاة وأطيب التمنيات بالوصول الآمن . كلنا يعرف هذا السيناريو من بدايته وهو تسليم المبلغ الكبير لأحد محترفي هذه العمليات غير الشرعية حتى نهايته وهو الغرق في عرض البحر . الأم تعرف مصير أبنها قبل سفره ورغم ذلك تتركه يلاقي حتفه اعتمادا علي قصص خيالية عن أشخاص سافروا وحققوا نجاحات كبيرة في هذه الدول وهم عدد قليل بالمقارنة بمن غرق في عرض البحر ولم يحصل علي فرصة مجرد دخول أرض الأحلام . تأثرت كثيرا بمشهد الأمهات وهي تبكي أبناءها الذين غرقوا في مركب رشيد في عرض البحر ولكن يا أيها الأمهات الثكلى أنتم من قام بدفع هذه المبالغ وتدبيرها ، وأنتم من ترك أبنه يذهب ليلاقي حتفه ، وأنتم من يتحجج بأنها تبحث عن فرصة عمل لابنها بدلا من قعدته في البيت خالي شغل ولكن هل البديل هو تركه ليغرق في عرض البحر . الأم التي أستطاعت أن توفر لإبنها هذا المبلغ الكبير هل هي عاجزة عن توفير مأكله ومشربه وهل لو تعاونت كل هذه الأمهات في قرية واحدة وجمعن هذه المبالغ التي يشترون بها موت ابنائهم وأقاموا مشروع خاص بهم يدر دخلا ولو بسيطا عليهم حتي لو كانت "نصبة شاي" . يستخرج منها قوت يومه أفضل من ضياع الإبن والمال في عرض البحر . أيها الأمهات لقد قتلتم فلذات أكبادكم وقمتم بعد ذلك بالمشي في جنازتهم، تركتموهم يصارعون الأمواج الحقيقية في عرض البحر وهي أقوي بكثير من أمواج الحياة والتي يمكن مقاومتها، علقوا شماعة أخطأكم علي الحكومة أو النصاب الذي هرب بفلوس أولادكم أو الشرطة ولكن في النهاية أنتم المسئول الأول والأخير عن هذه الجريمة، فأولادكن لن يموتوا جوعا لو بقوا في أحضانكن فانتظار فرصة عمل قد تتأخر أو لا تأتي أبدا أفضل بكثير من نهاية مأساوية وهي موت ابنك غرقا في عرض البحر . لمزيد من مقالات عادل صبري