لعل ما يعزز ويزيد من أهمية وخطورة ما يعتقده أهل الصين أن العالم على طول تاريخه لم يشهد فجوة عميقة بمثل هذا الاتساع بين الأغنياء والفقراء سواء على مستوى الأمم والشعوب التى باتت مصنفة كدول قوية وغنية فى الشمال ودول فقيرة وضعيفة فى الجنوب أو على مستوى المجتمع الواحد فى كل دولة على حدة ويزيد من تفاقم الأمور أن الدول الغنية تزداد تقدما وثراء بسرعة مذهلة فى حين أن الدول الفقيرة تزداد فقرا وتخلفا بمعدلات مخيفة ونفس الشيء ينطبق على الأفراد فى المجتمع الواحد فالأغنياء يعانون تخمة الثراء والفقراء لا يجدون ماهو دون الكفاف.. ثم إن التقدم العلمى والتكنولوجى أفرز ثورة للمواصلات والاتصالات أدت إلى إزالة الحدود واختصار المسافات وفتح أعين الفقراء على أنماط استهلاكية فوق طاقتهم وفوق قدرتهم فى الوقت الذى يشاهدون فيه على شاشات التليفزيون - عبر الفضائيات - جنونا استهلاكيا وترفيا غير مسبوق وعندما يعجز الفقراء عن مجاراة هذا الجنون الاستهلاكى تتولد فى نفوسهم كل عوامل الحقد والنقمة على الغنى والأغنياء. ولاشك فى أن أخطر ما فى أجندة العولمة حسبما يرى أهل الصين - ليس الأطماع السياسية التى تريد عودة الاستعمار بمسمى جديد كما أنها ليست أيضا فى السباق الاقتصادى الرهيب الذى لا تقدر خلاله الدول الفقيرة والنامية على مواجهة أو منافسة القدرات الهائلة للشركات العملاقة المتعددة الجنسيات وإنما الخطر الأكبر يكمن فى البعد الثقافى الذى يروج للإباحية والشذوذ والفسق الاجتماعى بدعوى أن ذلك يمثل حرية الفرد ويندرج تحت أجندة حقوق الإنسان. وفى ذات السياق تنبغى الإشارة إلى أنه إلى جانب ما أفرزته بشائر السنوات العشرين الأخيرة من زيادة حد الفقر فى الدول المتخلفة وانتشار المجاعات والأوبئة بها فإن الدول الغنية أغمضت عيونها عن رؤية أى شيء سوى رؤية أرصدتها المتراكمة فى البنوك. وغدا حديث آخر من بكين خير الكلام: لا شيء يتطلب السرعة غير إطفاء نار الفتنة! [email protected] لمزيد من مقالات مرسى عطا الله