لا تقتصر ظاهرة انخراط عدد من النساء والفتيات، في صفوف تنظيم "داعش" الإرهابي، علي سوريا أو العراق أو ليبيا فقط، وإنما وبالكشف عن شبكة إرهابية نسائية بفرنسا، أصبح الأمر يتعلق بأمن أوروبا كلها. فهل هناك شبكات "جهادية" نسائية؟ وهل تمثل تلك الشبكات تهديدا جديدا وحقيقيا لدول الاتحاد الأوروبي؟ في ظل الصراعات الكبرى التي تعج بها المنطقة العربية، انتعش نشاط عدد من المجموعات الإرهابية في أكثر من مكان، بأكثر من طريقة. لكن اللافت في الأمر، أن المرأة كانت أداة قوية داخل هذه التنظيمات مثل "جبهة النصرة" و"داعش"، ولعبت دورا رئيسيا، ما يعد تغيرا نوعيا لدور النساء داخل هذه التنظيمات. حيث بات لافتا للنظر تنامي ظاهرة تجنيد النساء، وانضمامهن للجماعات الإرهابية وانخراطهن في العمل الدعوي والإعلامي لهذه الجماعات، إلى جانب قيامهن أيضا بأعمال خطرة واشتراكهن في القتال، وقد برز تنظيم "داعش"، في هذا الإطار، من خلال تركيزه على الترويج لفكرة أن المرأة جزء أساسي وفاعل في دولة الخلافة التي يدعو إليها التنظيم، من خلال نشر صور وفيديوهات "للداعشيات" الجديدات وهن يمارسن فنون القتال كتدريب أو يقدن عمليات الخطف والاعتقال لنساء من خارج التنظيم. دخلت المرأة على خط العمل الجهادي في لبنان أيضا، وهي المرة الأولى، إذ لم يسبق أن كشف النقاب عن عملية كانت تعتزم سيدة القيام بها، ولم يعرف أن للحركات الجهادية أجنحة نسائية إلا أخيرا، بعدما شكل تنظيم "داعش"، في الرقة شرق سوريا، كتيبتين نسائيتين بهدف كشف ناشطين يتنكرون بأزياء نسائية. وحسب مختصون، تعد مشاركة النساء والفتيات في عمليات انتحارية، أسلوب تستخدمه المجموعات الإسلامية المتشددة، لتفاجئ عدوها وتخترق إجراءاته الأمنية، لافتين إلى أن هذه الجماعات، تسعى على المستوى العقائدي إلى البرهنة أن الجهاد لا يستثني النساء، ولا حتى الفتيان. وفتح التنظيم، باب الانتساب إلى الكتيبتين اللتين أطلق عليهما اسمي "الخنساء" و"أم الريان"، مشترطا أن تكون المنتسبات من العازبات، بين عمر 18 و25 سنة، على أن يتقاضين مبلغ 25 ألف ليرة سورية، أي أقل من 200 دولار شهريا، وبشرط التفرغ الكامل للعمل مع التنظيم. ووفق بيانات مختلفة، ليست مشاركة النساء في المجموعات الجهادية قوية، ولا تزال ضمن الحالات الفردية سواء من خلال بعض العمليات الانتحارية. في العراق شكلت النساء 2% من العدد الإجمالي لمنفذي العمليات الانتحارية، حيث بلغ عددهن 14 انتحارية تسببن بقتل 107 أشخاص من أصل 2560، أي 5% من مجموع قتلى التفجيرات الانتحارية. الجدير بالذكر هنا، أن ظاهرة اعتماد الجماعات الإرهابية في المنطقة على النساء، قد بدأ من خلال تنظيم "القاعدة"، التي أصدرت أول بيان إعلامي لها عن البدء في تجنيد النساء وقبول انضمامهن للتنظيم بشكل علني عام 2003، كما أنشأ التنظيم موقعا إلكترونيا لمجلة نسائية مطبوعة أطلق عليها "الخنساء"، في عام 2004، أشرفت على تحريرها عضوة في التنظيم تسمي "أم أسامة"، والتي اعتقلت على يد السلطات السعودية لنشاطها في الذراع الإعلامية النسائية للتنظيم، وهي أول إصدار نسائي خالص، إذ اكتفى التنظيم، لفترة طويلة بمخاطبة النساء عبر زاوية ثابتة في مجلة "صدى الملاحم" بعنوان "حفيدات أم عمارة"، ثم عمل على إصدار مجلة ثانية، وهي "الشامخة" عام 2011، وهي مجلة حاولت الجمع بين النقيضين، وهما سبل الانخراط في الجهاد، والحياة الطبيعية للمرأة في بيتها ومع شركاء حياتها. في حين بدأ الإعلان عن توظيف المرأة في كتائب الجهاد الإلكتروني للتنظيم في عام 2008، كما أصدر التنظيم، بيانا اعلاميا يدعو فيه النساء إلى الهجرة إلى اليمن لمشاركة مقاتلي التنظيم نشاطهم هناك عام 2010. وقد استطاع تنظيم "داعش"، البناء على خبرات سابقيه في استخدام النساء كآلية للترويج لأفكار التنظيم، وتجنيد أعضائه مستفيدا بالتقدم التكنولوجي الذي أتاح مزيدا من الفرص للاستفادة من وجود عناصر نسائية فيه، فتزامن بروز اسم تنظيم "داعش"، مع إعلانه عن وجود عناصر نسائية في التنظيم لا سيما من الأجنبيات، حيث كشف تسجيل مصور للتنظيم، حمل اسم "الإصدار الفاجعة"، والذي بث خلال شهر يناير 2014، عبر مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر"، عن حجم الحضور النسائي في صفوفه، وركز مقطع الفيديو على وجود خمس مهاجرات من جنسيات ولهجات مختلفة، يتهمن الجيش الحر في سوريا بإستهداف أسر مقاتلي "داعش" والاعتداء عليهن، وركز الفيديو على التحاق بعض الفتيات بإخوانهن الذكور للقتال في سوريا، ومن بينهن الفتاة السعودية التي أثارت جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي "ندى معيض" التي لقبت نفسها "أخت جليبيب" الذي سبقها أخاها للقتال في تل رفعت بسوريا. ومنذ ذلك الحين توالت مظاهر تركيز تنظيم "داعش"، على جهود نسائه سواء من خلال العمل الإلكتروني والإعلامي المقروء من خلال إصدارات التنظيم، والعملياتي على الأرض أيضا، واشتراكهن في أعمال العنف، التي وثقت بمقاطع الفيديو المصورة، والتي أظهرت في أكثر من فيديو وجود مقاتله أوأكثر من النساء في صفوف رجال التنظيم، تشترك معهم في عمليات الذبح للرهائن، فضلا عن الصور التي تبدو فيها "الداعشيات" كمشرفات على عمليات اختطاف واقتياد عدد من النساء، لا سيما الأيزيديات في العراق. وقد عمل تنظيم "داعش"، على إسناد جزء مهم من وجوده على الفضاء الإلكتروني، إلى ما يمكن أن يطلق عليه "جيش من النساء" المنضمات إلى التنظيم، واللائي بدأ نشاطهن في الظهور تحت اسم "المناصرات" و"المهاجرات" على مواقع "فيس بوك"، و"تويتر"، وبدأت صورهن التعبيرية على صفحاتهن الخاصة تتبدل بصور للدماء والرؤوس المعلقة، وعلم التنظيم، غير أن ملاحقة الحسابات المحسوبة على التنظيم والتابعة لأعضائه وإغلاقها، قد دفعت إلى استخدام حسابات وهمية في محاولة اختراق الجروبات الاجتماعية والصفحات النسائية على الفيس بوك، بهدف اختراق العقول وتغيير المفاهيم، لا سيما في أوساط الشباب البسيط والنساء سهلة الانقياد وراء الخطاب الديني المغلوط، وذلك من خلال التركيز على الحديث عن مشكلات المجتمعات العربية، وما يعتبرونه تضييقا على المتدينين، مثل إغلاق بعض المساجد، ومنع الأذان، وتغيير المناهج الدينية أو إلغائها من المدارس. يبدو أن استراتيجية التنظيمات الإرهابية مع عنصر المرأة، قد تغيرت منذ أن أعلن أيمن الظواهري، أنه لا مكان للمرأة داخل التنظيم وخاصة ميدانيا، لأن لها مهام في الصفوف الخلفية ومهام تقليدية لا غير، أما مع تنظيم "داعش"، فأصبح الحديث علنا عن دور المرأة المجاهدة وأدوارها داخل التنظيم، حيث وعى التنظيم، بأن الوصول إلى المرأة ووسائل تجنيدها أقل تكلفة من تجنيد الرجل، والمرأة أكثر فداحة من حيث النتائج. الخطورة الحقيقية تكمن في قدرة الجماعات الإرهابية على تجنيد مناصرات من النساء لها أو منفذات لأجندتها، فتجنيد المرأة إرهابيا، يعني تزايد نسبة تجنيد نصف المجتمع، أضعاف ما يحققه تجنيد الرجل لجماعة إرهابية، في ظل خصوصية المرأة وسهولة تحركها وتخفيها بسبب ثقافة وعادات مجتمعاتنا، والتي تجد فيها المرأة من الإمكانات والخيارات للوصول بها إلى الأهداف أكثر من الرجل. لمزيد من مقالات ابراهيم النجار