جاء قرار تعطيل الإنتخابات المحلية الفلسطينية والذى كان مقررا لها يوم الثامن من اكتوبر المقبل مخيبا لأمال الفلسطينيين ورفع معدلات الإحباط واليأس لدى المواطن الفلسطينى سواء فى محافظات الضفة الغربية او فى قطاع غزة، ورغم ان القرار جاء من محكمة العدل العليا فى رام الله غير ان المواطن لا يعترف بغير فتح وحماس وراء انقسامه وتشرذمه وانهاك مشروعه الوطنى فى اعلان دولته، ويعتبر ان استمرار رضوخه للإحتلال الغاشم الذى يلتهم الأرض ويضيق عليه سبل الحياة ويرعى قطعان المستوطنيين العنصريين الذين يستبيحون ممتلكاته ودماءه ومستقبل اطفاله، لا لشىء إلا بسبب الإنقسام فى القيادة والمصالح الفصائلية الضيقة التى يستنزفها الخلاف بعيدا عن المشروع الفلسطينى الوطنى فى التحرر من الإحتلال وقيام الدولة، بما يتيح لإسرائيل أن تواصل نهجها العدوانى الاستيطانى من دون أن تلقى ما تستحق من رد، لأن المشروع الوطنى النضالى المشترك الذى يفترض أن يشكل رداً على العدوان الإسرائيلي، حولته الفصائل المتصارعة إلى حلم بعيد المنال. تكشف تجربة الإنتخابات المحلية أن الانقسام لا نهاية له فى المدى المنظور، فى ظل وجود القوى الفلسطينية الأساسية، فتح وحماس اللذان يقبضان على خناق الشعب الفلسطيني، ويتصرفا كأنهما ولي أمر هذا الشعب ومن حقهما التصرف فى حياته ومصيره ومستقبله، فتتكشف الصورة عن الوضع الفلسطينى البائس فى عدم القدرة حتى على توفير الحد الأدنى من الاتفاق على انتخابات محلية معنية بتدبير شئون الناس اليومية والمعيشية، فى ظل ظروف مأساوية يعيشها الفلسطينيين تحت احتلال عنصرى جائر فقد تكون الانتخابات المحلية فرصة لتوفير بيئة ديمقراطية يتمتع فيها الجميع بتكافؤ الفرص، بعيداً عن التعصب الحزبى والفصائلي، وبمنأى عن الضغوط والتهديدات، وقد تفتح الطريق أمام استحقاقات وطنية أخرى، مثل الانتخابات التشريعية والرئاسية، وتمهد لمصالحة وطنية كبرى تنهى الانقسام بين شطرى الوطن المحتل والمحاصر، وتضع حداً لبقاء الشعب الفلسطينى أسير الصراعات والخلافات، ولكن هيهات. فكانت الدعوى الى هذه الانتخابات فى إطار استحقاق دستورى، والدعوى إلى عقدها لا تعنى نية العزم على عقدها فعلاً، وتتكشف الحقائق بأن لم يكن أحد يريد هذه الانتخابات من الفصيلين الرئيسيين فتح وحماس، فهى دعوة للانتخابات فى ظل عدم توفر الجرأة لرفضها بل بانتظار كل طرف إفشالها من الطرف الأخر كى يتحمل مسئولية هذا الفشل، ومع استمرار الإجراءات الانتخابية وفقاً للتاريخ الزمنى الذى أقرته لجنة الانتخابات المركزية، والحراك الفصائلى والشعبى بالتوازى مع سير العملية الانتخابية، بدا وكأن هذه العملية مستمرة حتى يوم الاستحقاق الانتخابي، مع عجز كل طرف عن وضع الطرف الآخر فى خانة المعرقل أو المسئول عن فشل العملية، إلى أن ظهرت مسألة طعون القضاء الحمساوى فى لوائح حركة فتح. وافقت حماس مع باقى الفصائل على أن يقوم القضاء بالفصل فى اختراقات العملية الانتخابية، وكان ذلك أحد الأسباب التى وفرت لحماس المشاركة فى الانتخابات، هذه الحركة التى لم تسمح بإجراء أى شكل أو نوع من أنواع الانتخابات منذ حكمت القطاع قبل عشر سنوات، ومجرد هذا التوافق على دور القضاء ودور وزارة الداخلية فى القطاع بالإشراف على العملية الانتخابية، منح حركة حماس الشرعية فى سيطرتها على قطاع غزة من قبل سلطة رام الله، وحققت هدفاً أولياً دون الدخول فى العملية الانتخابية وهذا الهدف الإستراتيجى الذى طالما راود حماس جاءها على طبق من ذهب تمثل فى قبول سلطة رام الله اشراف امن حماس على انتخابات القطاع وروجت بين سكان القطاع رضاء سلطة رام الله على شرعيتها. على خلفية دعوى قضائية طالبت بوقف الانتخابات كونها لا تجرى فى العاصمة الفلسطينية القدسالمحتلة، وبسبب التوافق على أن تقوم محاكم غزة بالنظر فى الطعون الانتخابية، انتهت المحكمة الى قرارها بالوقف المؤقت كما أن المسائل التى اعتمدها القضاء لتبرير الوقف المؤقت للانتخابات كانت معروفة منذ بداية العملية الانتخابية حول القدس، وحول محاكم البداية لدى حركة حماس، هذه الحركة التى لا سلطان لها لا على لجنة الانتخابات المركزية ولا على محكمة العدل العليا. ويخطىء من يتصور قبول إسرائيل بدخول صناديق السلطة الى القدس فى ظل هذه الحكومة اليمينية التى تردد ليل نهار ان القدس عاصمة موحدة وتجابه اى مطالب فلسطينية فى القدس، ووجود عملية انتخابية فلسطينية داخل القدس هو امر بالغ الصعوبة فى ظل تركيبة نيتانياهو اليمينية المتطرفة، وان كان ذلك تم فى الإنتخابات التشريعية عام 2005 فجاء اثر ضغوط مارسها جورج بوش الأبن على حكومة إسرائيل لأسباب وقتها لا مجال لذكرها الأن. وإذا كان هناك من خطأ ارتكبته لجنة الانتخابات المركزية، فإنه يتمثل فى التزامها بما تم الاتفاق عليه بالتوافق بعيداً عن القانون الذى يشير بوضوح إلى وحدة الساحة الفلسطينية فى مناطق السلطة، قانوناً وقضاءاً، إلا أن اللجنة فضلت التوصل إلى تفاهمات فصائلية لتسهيل إجراء الانتخابات، خاصة فى قطاع غزة المحروم تماماً من هذه الأداة الديمقراطية طيلة عشر سنوات من حكم حركة حماس، لكن الأمر كله يتعلق بعدم توفر مصلحة حقيقية بإجراء هذه الانتخابات، من قبل حركتى فتح وحماس، لأسباب متباينة تخص كل طرف على حدة، والمسألة لم تكن قانونية أو دستورية، بقدر ما هى مسألة سياسية، مرتبطة بالوضع الفلسطينى المتأزم على ضوء الانقسام وليس ارتباطاً بتداعيات إقليمية وعربية حسب ما سوق البعض.