فى عهد الرئيس الراحل السادات، كانت الحكومة عندما تريد أن ترفع أسعار الخبز، فلا ترفعه بطريقة مباشرة، بل تلجأ الى الحيلة، فتقول سننتج الخبز "طباقى" وهو أكبر حجما وبضعف سعر الخبز العادى، وهو لمن يريد، فهو ليس إجباريا، وبالفعل ينتشر فى الافران خبز رائع الحجم بضعف السعر، ويختفى الخبز العادى تدريجيا، حتى لا يظل فى السوق الا الطباقى، ولكنه يظل إسما فقد، فهو "يعمل رجيم حاد" حتى يعود الى حجم الخبز العادى، وبذلك تكون الحكومة رفعت سعر الخبز الى الضعف دون أن تقول ذلك. وقد تكررت هذه الحيلة أكثر من مرة، ليس فى الخبر وحده، فكانت تستخدم نفس الحيلة فى أسعار المواصلات، عندما تستخدم أتوبيسات "مميزة" ثم "طوالى" ثم "مكيفة" وهكذا وبعد فترة تختفى المميزات التى تم بحجتها رفع سعر الخدمة. ومنذ أن تحدث الرئيس السيسى عن سعر تذكرة المترو والدعم المقدم فيها، ولا حديث للمسئولين فى وزارة النقل والشركة المصرية لإدارة وتشغيل المترو إلا زيادة سعر تذكرة المترو، وأنه لا رجعة فى قرار الزيادة، وأن الاختلاف فقط حول توقيت بدء تطبيق الزيادة الجديدة. وقد لاحظ الركاب في الآونة الأخيرة تخطيط أول عربتين من كل قطار باللون الفوسفوري، وذلك لتمييز العربات المكيفة عن البقية كتطبيق لسياسة رفع تكلفة التذاكر، أى أنه سيكون هناك نوعين من التذاكر، أحدهما تذكرة مميزة والأخرى عادية. وقالت المصادر، إنه سيتم توقيع غرامات على من لا يلتزم باستقلال العربات المميزة بتذكرتها المخصصة لها، لافتًا إلى أنه سيتم تطبيق هذا النظام بشكل مؤقت لحين تركيب بوابات الكروت الذكية الجديدة بالخطين الأول والثانى محل البوابات القديمة، ليتم بعد ذلك تطبيق نظام المحطات بالخطوط الثلاثة. وتتوالى الأسئلة عن محاولة رفع سعر تذكرة المترو بطريقة "الخبر الطباقى": كلنا يعلم أن هناك قطارات كاملة مكيفة، ولا تحتاج الى تخطيط فسفورى، وخاصة فى الخط الأول والثالث، فهل سيتم تعطيل التكييف فى العربات ذات السعر العادى؟ وهل يعلم المسئولون أن هناك عربات للسيدات فى كل مترو، أى أن الراكب عليه أن يتحرى البعد عن عربتين للسيدات، وعربتين مكيفتين إذا أراد أن يركب بالتذكرة العادية؟ فأى عذاب هذا للراكب الملتزم. وما هو موقف السيدة التى تريد أن تركب عربة مكيفة، هل تترك عربة السيدات و"تنحشر" فى العربات المختلطة المكيفة وخاصة وقت الذروة؟ وما هو موقف أصحاب "الإشتراكات" العادية والطلبة؟ هل سيكون هناك نوعان من الاشتراكات لهما؟ ويظل السؤال الأهم: من الذى يستطيع أن يمنع صاحب التذكرة العادية من ركوب العربات المكيفة، وخاصة فى أوقات الذروة التى لا يكون فيها موضع لقدم فى المترو؟ فلا التهديد بالغرامة أو غيرها سيمنع الركاب من ارتيادها. ومن خلال الإجابة على هذه التساؤلات نكتشف أن تطبيق فكرة "الخبر الطباقى" على المترو فكرة فاشلة، وأن التطبيق الأمثل هو "تكييف" كل العربات حتى يصبح المترو وسيلة محترمة وآدمية، وفى نفس الوقت رفع سعر التذكرة حسب طول المسافة، أو عدد المحطات. وعلى المسئولين على إدارة وتشغيل المترو أن يفكروا فى رفع التذكرة بحيث لازيد على كاهل المواطن المثقل بزيادة أسعار وخدمات كل شىء، فهناك كثير من العوامل التى يستطيعون بها تعظيم دخل المترو من أهمها إصلاح البوابات الإلكترونية المعطلة فى كل المحطات تقريبا، وإسناد مهمات التسويقية للإعلان بالمحطات وقطارات خطوط المترو لشركة إعلانية متخصصة فى التسويق، واستغلال الإذاعة والتليفزيون الداخلية بالمحطات للإعلان، والاستفادة من تذاكر المترو إعلانيًا، وزيادة عدد الإكشاك فى المحطات، فقد شاهدت خلال زيارتى للهند وكوريا الجنوبية، أنك بمجرد أن تهبط لتركب "مترو الأنفاق" وكأنك تنزل الى مدينة متكاملة تحت الأرض، فيها محلات ومطاعم وكافيهات وفروع للبنوك وغيرها من خدمات تغنيك عن الصعود الى أعلى، فلماذا لا ننقل مثل هذه التجارب التى تعظم من دخل المترو، بدلا من الندب ولطم الخدود على تذكرة المترو المدعمة، وتحميل المواطن العادى، خيبة المسئولين فى كل مرفق. لمزيد من مقالات جمال نافع