مدينة صيدا عاصمة الجنوباللبناني،إسمها باللاتينية وباليونانية «صيدون»وبالعبرانية «صيدو»،وتنسب إلى صيدون ابن كنعان، كما يعتقد أن الاسم مشتق من كثرة السمك في شواطئها أو نسبة إلى أهلها الأقدمين الذين عملوا كصيادي أسماك. وصيدا هي معقل السنة في الجنوب وآل الحريري والسنيورة ، والتنظيم الشعبي الناصري الذي أسسه معروف سعد أوائل السبعينات من القرن الماضي. ويقول المؤرخ الفرنسي جاك نانتي: إنّ أول مدينة أسسها الفينيقيون هي مدينة صيدا نحو سنة 2800 ق.م . وتبعد صيدا الحديثة نحو 45 كلم عن بيروت عاصمة لبنان. وتبعد عن العاصمة السورية دمشق 48 كلم وترتفع نحو 5م عن سطح البحر، وتمتد على مساحة 7.86 كلم مربع. ويسكن مدينة صيدا نحو 120ألف نسمة، ويبلغ عدد سكان المدينة المسجلين 89,152 نسمة، إضافة إلى نحو 50 ألفا من اللاجئين الفلسطينين الذين يسكنون مخيم عين الحلوة الذي يشكل ضاحيتها الفقيرة. وتشتهرصيدا بالآثار التي تروي حكاياتها: المدينة القديمة، القلعة البحرية، القلعة البرية، الميناء ومرافئ الصيادين، الجامع العمري الكبير، الكنائس وخان الإفرنج والحمامات الأثرية. كما تتمتع المدينة بمزايا عدة: فهي مركز المحافظة، وفيها وظائف تجارية متطورة، وتتميز أيضاَ بفرادة واجهتها البحرية ومنطقتها التراثية، ومأكولاتها وحلوياتها المتنوعة؛ كل هذا يجعل منها نقطة جذب سياحية مهمة، إضافة إلى انفتاحها على المناطق الزراعية في جنوبلبنان. وتضم منطقة صناعية واقعة في جنوبها. وتمتلك أيضاً مقدرات مهمة في حقل الإسكان، بفضل التلال المحيطة بها والمطلة على البحر، والتي شهدت نمواً عمرانياً ملحوظاً. ويقوم الاقتصاد الصيداوي بالدرجة الأولى على زراعة الحمضيات، إذ تمتد مدينة صيدا وسط سهل ساحلي خصب التربة غزير المياه. مرت صيدا بحقب تاريخية مهمة منها ما شهد بعض التطور والازدهار كما في عهد العموريون وأيام الأشوريين والكلدان والفرس وخصوصاً أيام العبرانيين والآراميين (885-331 ق.م). ومدينة صيدا القديمة بنيت بالأحجار المتلاصقة بما يعرف بالزواريب وهي شوارع ممتدة لها مدخل ومخرج ،وتتلاصق بيوتها بعد الدور الأول مغطية الزواريب إلا من فتحات لدخول الهواء وضوء الشمس،ولاتزال هذه البيوت موجودة ومأهولة بالسكان وتنتشر فيها محلات البقالة والمأكولات اللبنانية والعطارة والأسواق التي تشبه الموسكي في مصر وسوق الحميدية في دمشق وأسواق مراكش القديمة بالمغرب. وتوالى على المدن الفينيقية بما فيها صيدون الفاتحون والغزاة،وكان الاحتلال الأجنبي عنيفاً طاغياً حيناً وضعيفاً لا أثر له حيناً آخر، حسب مراحل الازدهار أو الانحطاط التي كانت تمر بها الدولة المحتلة. وتعاقب على صيدون الفراعنة ثم المصريون فالآشوريون،وقد ثارت صيدا على الآشوريين حوالي سنة 680-670 ق.م. فجاء الملك آسرحدون ودمر المدينة ونفى سكانها إلى آشور، كما ثارت ضد الفرس فحاصرها إرتحششتا الثالث، إلا أن أهل صيدا فضلوا الموت على السبي والأسر، فأحرقوا مدينتهم وجميع مراكبهم واستسلموا للموت حرقاً، ويقال ان أكثر من 40 ألف نسمة هلكوا في هذا الحريق. وبعد الفرس استسلمت صيدون إلى الإسكندر المقدوني بدون مقاومة ومن بعده إلى خلفائه، وفي أوائل العهود الرومانية كانت صيدون تشكل شبه جمهورية صغيرة لها حكامها وقضاتها ومجلس شيوخها. وفي العهد البيزنطي، تمّ تقسيم البلاد إلى تشكيلات إدارية تخالف التنظيمات الرومانية، فكانت فينيقيا الساحلية وقاعدتها صور قد شملت عكار وصور وصيدا وبيروت وجبيل وطرابلس، ودام الحكم البيزنطي في لبنان2500 سنة . وفي عام 573 م، ضرب زلزال قوي مدينة صيدا فدمرها. وفي العام 637 م سارت الجيوش العربية بقيادة يزيد بن أبي سفيان إلى مدينة صيدا، ففتحها فتحاً يسيراً، وجلا كثيراً من أهلها، ثم خلفه أخوه معاوية الذي خشي عودة البيزنطيين إلى المدينة فعمد إلى إنشاء أساطيل حربية بحرية في مينائى صيدا وصور حتى بلغ أسطوله 1700 سفينة حربية قاده بحارة مسيحيون واستطاع بواسطته اكتساح قبرص ورودوس محطماً عمارات البيزنطيين القوية، ومنذ ذلك الحين أصبح اسمها صيدا. وأصبحت صيداتابعة إدارياً لمدينة دمشق عاصمة الأمويين فيما بعد. وشهدت مدينة صيدا في عهد الأمويين (680- 750 م) نهضة فكرية تمثلت بالشعراء والمفكرين والفلاسفة، ونهضة فنية تمثلت بالهندسة البنائية، إضافة إلى تطورها الاقتصادي بحيث كان الصيداويون يصدرون إلى أوروبا وبقية أنحاء العالم صادراتهم الزراعية والصناعية. وفي عهد المماليك المصريين تأخرت مدينة صيدا كثيراً وانحط شأنها ولم يكن هذا الانحطاط من نصيب صيدا فحسب، فقد خربت كل المدن الساحلية ذات المرافئ المهمة في هذا العهد،حيث فرض المماليك ضرائب باهظة مما أرهق كاهل الشعب، وهجرها التجار وتهدمت بيوتها من جراء الحروب المستمرة. وفي العهد العثماني أصبحت صيدا سنة 1662 مركز ولاية تبتدئ حدودها شمالا من ولاية طرابلس وتنتهي جنوبا عند جبيل الكرمل، وفي عهد الأمير فخر الدين الثاني المعني (1590-1697 م)، شهدت مدينة صيدا تطوراً عمرانياً وتجارياً كبيرين، فقد اتخذ من صيدا عاصمة له، فنشطت الحركة التجارية وأخذ الأجانب يتمركزون فيها ويوسعون تجارتهم معها وخصوصاً بعدما فقدت طرابلس مركزها التجاري. وفي أواخر القرن الثامن عشر، نقل أحمد باشا الجزار مركز ولاية صيدا إلى عكا مما أدى إلى سقوط المدينة. وعام 1791 قام الجزاربطرد التجار الأجانب من صيدا، وكان ذلك سبباً في بروز بيروت كمركز تجاري مهم واحتلت مكانةً كبيرة في العلاقات التجارية مع أوروبا بدلاً من صيدا. كما وقعت صيدا مثل بقية مدن الشام تحت سيطرة إبراهيم باشا إبن محمد علي الذي كان يقود الجيش المصري خلال صراعه مع الدولة العثمانية. وكانت صيدا في عام 1860 ملجأ لعدد كبير من الفلاحين الذين هربوا من المجازر الطائفية واحتموا في خان الفرنج ومن تأخر منهم تعرض للقتل، ومنذ أوائل القرن التاسع عشر والمدينة تنمو وتزدهر تجارياً وثقافياً واقتصادياً، حتى أصبحت وقبل الحرب العالمية الأولى ميناء البلدان اللبنانية والسورية على حدٍّ سواء. وخلال الحرب العالمية الأولى، عانت صيدا من الجوع وانتشار داء التيفوس، ولما وصل الجيش الإنجليزي إلى ضواحي صيدا عام 1918م، قام المرحوم رياض الصلح مع عدد من الشباب الصيداوي بدخول دار الحكومة فرفعوا على ساريتها العلم العربي وأعلنوا نهاية الحكم العثماني في الجنوب ونودي رياض الصلح رئيساً للحكومة العربية المؤقتة والتي سرعان ما سقطت بعد دخول الفرنسيين إلى مدينة صيدا وضمها إلى دولة لبنان الكبير عام 1920م. ومنذ فترة ما بعد الاستقلال وحتى يومنا هذا، أخذت صيدا تزدهر يوماً بعد يوم وتتطور تجارياً واقتصادياً وصحياً وثقافياً، . وقد ورد ذكر مجيء السيد المسيح إلى مدينة صيدا في مواقع عدة من أصحاح إنجيل لوقا ومرقس ومتى، فقد ورد على سبيل المثال لا الحصر في الإصحاح السادس من إنجيل لوقا:» ونزل معهم ووقف في موضع سهل هو وجمع تلاميذه وجمهور كثير من الشعب ومن جمع اليهودية وأورشليم وساحل صور وصيدا الذين جاءوا ليسمعوه ويشفوا من أمراضهم.» كما انّ القديس بولس الرسول مر بمدينة صيدا، ويختلف الرواة في تاريخ مروره بها، ويقول ا الشيخ أحمد عارف الزين في كتابه تاريخ صيدا إنّ بولس الرسول مرّ في صيدا لتفقد شئون المسيحيين وذلك حين ذهابه إلى روما.