الي ما قبل التصريحات النارية التي أطلقها المستشار احمد الزند رئيس نادي القضاة, كنا نعتقد نحن عامة الناس وبسطاؤهم ان القضاة ليسوا مثل سائر البشر. لا يغضبون وإذا غضبوا فهم الاشداء يملكون انفسهم ويكظمون الغيظ. غضب الزند المستطير, لغته الصارخة, تهديداته لأعضاء مجلس الشعب, وعده ووعيده, نبرته الحادة, كلماته التي لم نعتدها من رجال القضاء أصابتنا بالحيرة والصدمة. ليست هذه مكانتهم لدينا ولا عهدنا بهم. صوت العدل, خلفاء الرسل والأنبياء, كلمة الحق والصدق التي يجريها الله علي السنتهم وينير بها قلوبهم وبصائرهم ليفرج كربات المظلومين. عباد الرحمن الذي يمشون علي الارض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. الكاظمين الغيظ العافين عن الناس. شأنهم دائما الترفع عن المهاترات والصغائر والخصومات الشخصية. يعرضون عن السفهاء ويتعففون عن رد الاساءة. لا يخافون في الحق لومة لائم. هؤلاء هم القضاة كما عرفناهم حصن العدالة وملاذ المظلومين. هذه صورتهم في اذهان البسطاء الذين لم يستوعبوا تماما كيف يثور قاض كبير مثل الزند بهذا الشكل ولماذا يتحدث بهذه الطريقة. غضبه اخرجه عن حلم القاضي ليوقعه في اخطاء سياسية وقانونية رصدها زملاء له من القضاة الحاليين والسابقين. لغته كانت واحدة من غرائب حديثه. لم نألفها في احاديث القضاة لا يا حبيبي انت وهو عند الخط الفاصل الرجل اللي هتعدي هنقطعها التهديد موجه لنواب مجلس الشعب ردا علي تجاوز بعضهم وما اعتبر اساءة من جانبهم للقضاء ورموزه. للزند الحق ان يغضب لأي تطاول علي القضاء او التشكيك في نزاهته, ولكن عليه ايضا كقاض ان يلتمس العذر للغاضبين من افلات قتلة المتظاهرين من العدالة. بعيدا عن لغته كان غريبا ايضا ان يتحدث عن تدويل الخلاف بين السلطتين التشريعية والقضائية وهو تطور ان حدث سيكون بالغ الخطورة ينال من هيبة الدولة وسيادتها. كان غريبا ومدهشا كذلك تهديده بالامتناع عن الاشراف علي الانتخابات اي التخلي عن امانة عهدت بها الامة الي القضاء. اما تهديده بإغلاق المحاكم فهو تعطيل للعدالة وفقا لوصف المستشار محمود الخضيري الرئيس السابق لنادي قضاة الاسكندرية وعضو البرلمان. كما ان التلويح بعدم العمل بالقوانين التي يصدرها مجلس الشعب الحالي بما فيها قانون السلطة القضائية هو دعوة للفوضي كما وصفها قاض اخر هو المستشار الجليل احمد سليمان رئيس نادي قضاة المنيا في التصريحات المنسوبة اليه. القضاة اقسموا علي احترام الدستور والقانون والسلطة التشريعية بما يعني التزامهم بما يصدر عن البرلمان. نفس الرأي يذهب اليه المستشار وليد الشافعي رئيس محكمة استئناف الاسكندرية. وفي تصريح له قال ان ما جاء علي لسان المستشار الزند من ان القضاة هيمشوا البرلمان زي ما جابوه كلام خاطئ ولا ينبغي قوله. فالذي اختار البرلمان هو الشعب وليس القضاة. كثيرة هي النقاط المثيرة للجدل التي حفلت بها تصريحات الزند بدءا من دعوته لتقديم آلاف البلاغات ضد نواب البرلمان مرورا بإعلانه عن الدور السياسي الذي يعتزم القضاة القيام به رغم ان القانون وفقا لما افتي به المختصون يحرم عليهم ذلك, انتهاء بكشفه المثير عن ان القضاة ستروا فضائح النواب في الماضي دون ان يوضح ما هي هذه الفضائح ولماذا اخفاها القضاة وهو تصرف لا نتخيله ابدا منهم. رغم ان تصريحات المستشار الزند تمثل سابقة شكلا ومضمونا فيما يتعلق بأحاديث كبار رجال السلك القضائي, وتمثل ايضا تطورا مقلقا بشأن الخلاف بين السلطتين التشريعية والقضائية ومستقبل التعاون بينهما وهي كلها امور مهمة فإن الأهم ان تلك التصريحات لا يمكن فصلها عن ما يدور علي المسرح السياسي. نعرف ان المستشار الزند لم يكن من تيار الاستقلال داخل الهيئة القضائية ونعرف ايضا انه ظل قريبا من النظام الحاكم قبل وبعد الثورة وهو ما يكفي ليثير تكهنات وتساؤلات حول الرسالة التي يراد ايصالها للرأي العام وتهيئته لما يليها. خلاصة ما نفهمه من تصريحات الزند وغيرها ان البرلمان سيئ وفاشل, وان نوابه او اغلبهم يقترفون الكثير من الاثام والخطايا. فمن يمكنه بعد ذلك ان يدافع عن اعضاء كهؤلاء او يتمسك بمجلس كهذا بما فيه قانون انتخابه بالقائمة الذي لولاه ما رأينا وجوه هؤلاء النواب كما قال الزند. يبدو ان ما لم يقله المستشار الزند اهم كثيرا مما قاله. ويبدو اننا علي موعد قريب مع ما هو اهم. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق