«لدينا تسجيلات وفضائح شديدة ارتكبها هؤلاء النواب فى الانتخابات ولن نصمت عليها بعد اليوم». إذا قال شخص عادى هذه الكلمات لوجبت محاكمته بتهمة التستر على جريمة، أما إذا قالها شخص يرأس نادى القضاة، فالمعنى الوحيد الذى يمكن استنتاجه، أننا ذاهبون للأسف الشديد فى «ستين داهية» وليس داهية واحدة!. تخيلوا رئيس نادى القضاة المستشار أحمد الزند يقول علنا فى مؤتمر صحفى ظهر الخميس الماضى إننا «سترنا فضائح النواب بورقة التوت». والسؤال: لماذا فعلت ذلك يا سيادة المستشار؟ أليس واجبك الذى أقسمت عليه أن تكشف الفاسدين والمنحرفين وتضعهم خلف القضبان، بدلا من التستر عليهم. يعلم الله أننى أصبت بأزمة نفسية حادة عقب قراءة ما قاله الزند لأنه إذا كانت تلك هى اللغة التى يتحدث بها رئيس نادى القضاة، فقل على الدنيا السلام. مبدئيا فلست مع أى هجوم أو تطاول أو سب لأى فئة ضد أخرى، حتى لو كانت هذه الفئة الأخرى من الفلول.. وإذا كان ذلك قد حدث من نواب البرلمان ضد القضاة، فمن باب أولى علينا أن نستنكره، لكن إصلاح ذلك يكون بالقانون وليس بهذه اللغة الصادمة. الزند يفترض أنه قدوتنا فى القانون، وبالتالى كان يفترض عليه طالما أنه يملك وزملاؤه الحق التقدم بمليون بلاغ للنيابة وليس عشرة آلاف فقط ضد النواب الذين تطاولوا على القضاة. رأيى قد لا يختلف كثيرا عن رأى الزند فى أداء غالبية نواب البرلمان، لكن معالجة ذلك لا يكون بالحرب الشعواء والتصريحات الكاسحة، فهؤلاء النواب يمثلون الشعب بأكمله، وعلينا أن نحترم ذلك حتى لو اختلفنا معهم. الطريقة التى تحدث بها الزند فى النادى النهرى للقضاة بالعجوزة تشير إلى أن الموضوع أكبر بكثير من مجرد محاولة للرد على بعض النواب. الشعور الذى وصل لكثيرين عقب هذه التصريحات أنها غير منفصلة عن الحرب الأشمل التى تدور رحاها هذه الأيام بين كل قوى المجتمع الرئيسية حول موضوع رئيسى هو: من يحكم مصر فى المستقبل. قد نفهم الصراع بين الإسلاميين والليبراليين، وقد نفهم الصراع بين أى قوة سياسية والمجلس العسكرى، لكن لا يمكن فهم دخول القضاة طرفا فى صراع سياسى. هم الذين يطبقون القانون، لكن لا يصدرونه، ولذلك يبدو من الغريب إصرار الزند على وضع القضاة طرفا فى خصومة سياسية. مرة أخرى، لا أحد يقبل هدم مرفق القضاء لأنه إحدى الضمانات القليلة المستقرة الباقية فى مصر، لكن من حق الجميع أن يطالب باستقلال القضاء. تعبير «استقلال القضاء»، قد يغضب أو يضايق البعض لكنه مهم ومطلوب وعندما يتحقق ذلك فإن المستشار الزند سيجد أن لا مجلس الشعب ولا غيره سيتجرأ على انتقاد القضاء. لكن هل لو انتقد البعض سلوك المستشار عبدالمعز إبراهيم فى قضية تسفير المتهمين الأجانب فى قضية التمويل الأجنبى يكون قد تدخل فى عمل القضاء؟!. ثم وهذا الأهم : لماذا لا ينتفض المستشار الزند وغيره للانتهاكات التى يتعرض لها القضاة من قبل السلطة التنفيذية منذ زمن طويل. إحدى المعانى الكارثية لتصريحات الزند وقبلها تصريحات لبعض النواب محدثى السياسة أنها تكشف كيف تم تجريف المجتمع المصرى وكيف أصبح مستوى النخبة، وإذا كانت السلطتان التشريعية والقضائية لا تعرفان كيف تتحاوران فلماذا نلوم على البسطاء عندما يستخدمون السنج والمطاوى لحسم أمورهم؟!. لو صدقت ظنون البعض فإن كلام الزند قد يكون مؤشرا على أن تفاصيل المشهد المقبل قد اكتملت، وأن هناك مرحلة جديدة ستبدأ قريبا قد لا تسر جماعة التيار الاسلامى. نقلا عن الشروق