(1) محل وحيد يبيع الشيكولاتة في مدينتي، كانت أهم مفاجآت الطفولة ان يحدث توقف مفاجئ لسرب العائلة أمام فاترينة المحل، أعرف الفرق جيدا، الشيكولاتة ذات الغلاف التريكواز في أصفر باللبن، ذات الغلاف الأزرق سادة، أما ذات الغلاف الأحمر فهى بالبندق، عموما كانت البهجة كاملة تتجلى في الغزالة النحيلة الموجودة على غلاف الشيكولاتة، كانت رمزا للسعادة، وفى الوقت نفسه رمز شركة كورونا الذى اختاره الخواجة تومى خريستو أول من أدخل صناعة الشيكولاتة إلى مصر، الرجل الذى تدين له قلوب أجيال كثيرة من أطفال المصريين بالسعادة، و لكن لماذا اختار خريستو ( الغزال) ليكون رمزا لمشروعه؟ (2) يقول عقد شراء الأرض التي أقيم عليها المصنع عام 1919 أن المشترى (تومى خريستو ابن ايفن غيبور) مولود و مقيم بالإسكندرية، وانه دفع ثمنا لقطعة الأرض الموجودة في محرم بك ما يقرب من ألفى جنيه، لكنها ليست البداية، بدأ خريستو نشاطه بمصنع صغير في الإسماعيلية أطلق على منتجاته اسم (شيكولاتة رويال)، ثم انتقل إلى الإسكندرية و بدأ بقطعة أرض صغيرة ،كان خريستو ينتقى العاملين بعناية، لأن الماكينات التي استوردها من أوربا لعمل عجينة الشيكولاتة تحتاج لمهارة ما، وكانت البداية بعدد قليل من اليونانيين و المصريين..كان خريستو يؤمن بشرط مهم لصناعة الشيكولاتة، وهو أهمية ان يكون صانع كل هذه السعادة سعيدا، اختار قطعة أرض قريبة من المصنع و أعدها كملعب كرة قدم، كان تقام عليه مباريات بين العاملين يديرها بنفسه. في الوقت نفسه كان يرى السينما و هي تدخل إلى مصر ببطء لكن بثقة، وقع في غرامها و أراد ان يشارك في التجربة، فبنى دارى عرض هما الأشهر في الإسكندرية حتى الآن ( سينما ستراند، و سينما رويال)، وكانت مكافاة نهاية الأسبوع للعاملين هي دعوات مجانية لإصطحاب عائلاتهم لمشاهدة الأفلام، عهد إلى شقيقه ديمى خريستو بإدارة العمل معظم الوقت و كانت وصيته هي حالتهم النفسية، فعجينة الشيكولاتة حساسة جدا وتلتقط بسهولة مزاج من يطبخها. (3) كان خريستو يقضى معظم وقته في سويسرا، لكن الصورة الجماعية الوحيدة المتاحة له مع عمال المصنع في الأربعينيات، تظهر بشدة ما أسسه خريستو في وجدان عمال مصنعه، ابتسامة عريضة صادقة لم ينجو منها أحد في تلك اللقطة سواء كان يرتدى جلبابا أو عفريتة الشغل. على مقربة منه قام رجل يونانى اسمه بولين موريس نادلر، بإقامة مصنع آخر للحلويات، لكنه تخصص في البونبونى و الأرواح، كان مصنعا صغيرا و لسبب ما حدث ما يشبه الشراكة بينه و بين مصنع خريستو، كان خريستو يستخدم حلويات نادلر لخلطها بالشيكولاتة و تقديم أنواع جديدة، و كانت شراكة ناجحة، و بالرغم من أنها لم تكن شراكة رسمية إلا أن الحكومة المصرية اعتبرت نادلر جزءا من كورونا في وقت ما. كانت شيكولاتة خريتسو قد استقرت في تفاصيل حياة المصريين، كان الجميع يعرفون الشعار المميز لإعلانات كورونا ( لنأكلها سويا)، ظهرت أنواع أخرى قادمة من الخارج، إلى جانب محاولات غير ناجحة للتصنيع في مصر، لكن الوجدان العام ظل مدينا جيلا بعد جيل لمن فتح الباب أمام البهجة، كان مصنع خريستو يعرف بالوقت النقطة التي ارتبط بها من خلاله المصريون فكان يذيل إعلاناته بجملة ( كورونا .. حلم جميل يداعب طفلك) مع صورة لطفل نائم بعمق، انطلقت هذه الجملة في الأربعينيات، واختبرتها بنفسى في الثمانينات و كانت صحيحة تماما. لكن الحكومة المصرية كان لها راى آخر، فأصدرت عام 1963 قرارا بتأميم كورونا، و ضمت إليها أيضا ( شركة نادلر) و تم اعتبارهما كيانا واحدا ( شركة الإسكندرية)، و أصبحت قطاعا عاما، وأسندت إدارة الشركة إلى أحد اللواءات ( اللواء على نقطة)، ومهندس مصري (محمد رشاد زكى)، و كانت تركة ثقيلة ليس على مستوى الصناعة فقط و لكن على مستوى صناعة لها علاقة بأحد أسباب السعادة عند المصريين. كان التأميم محبطا ل (آل خريستو)، استقر تومى في سويسرا إلى الأبد، أما شقيقه (ديمى) فقد مات حزنا على ضياع الحلم بعد فترة قصيرة و أوصى بدفنه في الأسكندرية، بعدها حولت الدولة منزله إلى مقر تابع للأمن، أما (نادلر) فلا أخبار عنه سوى أن ابنته الكبرى (ليا) تزوجت من دبلوماسي صغير صار أمينا للأمم المتحدة اسمه (بطرس غالى)، وتزوجت شقيقتها من وزير اسرائيلى، ويقال أن الأختين كان لهما دور ما في بدايات معاهدة السلام. عودة للشيكولاتة التي أصبح مسئولا عنها لواء!، مال اللواءات و الشيكولاتة؟ كان انهيار التجربة وشيكا لولا ( عم زكى المصرى). كان عم زكى قريبا من آل خريستو، أسموه زملاؤه (المصرى) لأنه قاهرى، لكن بحثه عن الرزق جعله يستقر في الإسكندرية، كان ماهرا و كان المصنع كله يعرف أنه ( العجًان) الأهم، الذى يمتلك سر الخلطة بعد أن التقطها من الخواجة، و بعد التأميم كان عم زكى هو الأمل الوحيد الذى قد ينقذ صناعة مهمة من انهيار كان يتوقعه كثيرون. . حافظ المصرى على سر الخواجة و صنعته، و بالرغم من أن المصنع تحول إلى قطاع عام إلا أن الإدارة ظلت تكافح عاما بعد عام لإستثناء زكى المصرى من المعاش بعد أن بلغ سنه، و ظلت تستصدر له قرارات بالمد إلى أن توفى. (4) لم تكن غزالة كورونا تحمل للواحد مفاجآت في طفولته فقط، لكن بعد سنوات طويلة وأنا أفتش عن سيرة الرجل الذى أدخل صناعة الشيكولاتة إلى مصر، كنت أعرف أن المصنع مر بمرحلة تأميم ثم خصخصة و لم يعد هو المكان الذى أفتش عن صاحبه، لكن فكرت أن أجرب و تواصلت مع المصنع، أحالونى إلى مدير التسويق، قال أنه اليوم الأول له في العمل، كانت المفاجآة إنه هو أيضا مهتم بمعرفة تاريخ المكان الذى بدأ عمله فيه للتو، ساعدتنى تلك المفاجأة الصغيرة في معرفة الكثير.. يحكى أحد العاملين أنه قبل عدة سنوات زارت ابنة تومى خريستو المصنع، كانت برفقة بعض صديقاتها و كانت تحكى لهم عن والدها الذى كان سببا في سعادة الكثيرين، لم تطل الزيارة أكثر من عشر دقائق ثم ودعت الإبنة المكان بنظرة للغزالة المرسومة على مبنى الشركة. .هل كانت تعرف القصة؟ (5) كان ملعب الكرة الذى اختاره خريستو بالقرب من مصنعه عندما كان اسمه (رويال) ملعبا ترابيا مشهورا بوجود غزال برى شارد يظهر فيها كثيرا، وكان العمال يعتنون به و يدللونه، وذات يوم، و على هامش إحدى المباريات، انطلقت قذيفة كروية اصطدمت برأس الغزال، فمات في التو. .كان خريستو حاضرا، و حزن بشدة، ثم قرر بعدها أن يجعل هذا الغزال رمزا لما يقدمه، وضع صورته على أغلفة الشيكولاتة ليخلده، ثم بنى له تمثالا في مدخل المصنع،و أغلب الظن أن (كورونا) كان اسم الغزال. ...................................................................... مصادر: ( الأستاذ: أحمد النادرى .. شركة كورونا ، موقع مكتبة الأسكندرية، مقال أشرف عبد الحميد .. موقع قناة العربية)