«.. من وحى رسالة كتبها صديق على الفيس بوك » :انتصف الليل فأحس بوجع فى بطنه أيقظه من عِزّ النوم. كان جائعا جوعا لم يعرفه من قبل فقام إلى المطبخ مُهروِلا. همس لنفسه: أعوذُ بالله.. ما هذا الجوع؟ امتدت يده المرتعشة فى وَجَل إلى باب الثلاجة فانفتح وتسلل ضوء الثلاجة البارد إلى فراغ المطبخ فأضاءه. كان قد اعتاد فى الآونة الأخيرة على أن يطفىء كل أنوار البيت توفيرا للكهرباء التى ارتفعت أسعارها فبلغت عنان السماء. .. دار بكفيه بحثا عن بقية طعام فى صحن. لا شىء. شمشم بأنفه عساه أن يشم نسائم علبة تونة مفتوحة، أو نصف طماطماية، أو قطعة جبن مهملة. لا شىء. فتح «الفريزر» وقال لنفسه: أكتفى إذن برغيف ناشف مُجمّد فأسَخِّنه وازدرده ازدرادا مع «سَفّة» ملح.. ونشرب عليهما «شويّة مَيّه» ونرجع ننام وأمرنا لله. ياللغرابة.. حتى الخبز غير موجود؟ صرخ صرخة أيقظت كل من بالبيت فأتت الزوجة الدائخة المصعوقة حافية تسعى: فيه إيه يا اخويا كفى الله الشر؟ صاح: فين الأكل يا وليّة؟ قالت مرعوبة: أكل إيه .. مِن يوم ما شالوا الدعم والثلاجة زى ما انت شايفها كده.. خرابة بعيد عنّك.. رُوح كَمّل عشاك نوم رُوح.. بلا خيبة! زحف إلى الصالة ضاغطا بطنه يُسكِتُ جوعها الملحاح. جلس مكسور الخاطر ورأسه بين كفيه وراح يتذكر الماضى الجميل القريب- أيام أن كان بالثلاجة دائما طعام. قدح زِناد فِكرِه ثم تساءل: هل سيكون قرار إلغاء الدعم بالكامل قرارا صائبا يا ترى؟ لم يجد إجابة شافية فقال: أُشرِك أصدقائى على «الفيس» معى. تَعجّب عندما قرأ «الكومينتات». إن ثمّة ما يشبه الإجماع على أن إزالة الدعم ليست حلا أبدا. كتب له أحدهم قائلا: شيل الدعم سوف يُنشّف السوق لأن الناس سوف يتوقفون عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار.. وآنئذ ستتوقف المصانع والمزارع عن الإنتاج.. مما يترتب عليه إلقاء ملايين العاملين بتلك المصانع إلى قارعة الطريق. ومعروف للكافة طبعا الآثار الخطيرة الناتجة عن البطالة. وكتب صديق آخر: فى الاقتصادات الحديثة يتم الاعتماد على ما يسمى الإنتاج السلعى لتدوير حركة الاقتصاد القومى.. ومن ثَمَّ خلق قوة شرائية كبيرة تساعد هذا الاقتصاد على الاستمرار والنمو.. فإن أنت أوقفت هذه الدورة بأن رفعت سعر السلع فستتوقف دورة الاقتصاد.. وستكون العواقب وخيمة. وقال ثالث: إلغاء الدعم لن ينهى عجز الموازنة كما يدّعى البعض.. لماذا يا عمّ الناصح؟ لأن ما ستوفره سيادتك من أموال تُنفَق على الدعم سوف تعود فتخسرها نتيجة انخفاض الموارد السيادية كالضرائب.. إذ كيف ستطلب من الناس ضرائب وهم لا يشتغلون أصلا؟ وكتب صديق رابع صارخا: يا ناس يا هووووه.. أنت- بإزالتك الدعم- تُفقِر الطبقة المتوسطة؛ كالمدرسين والأطباء والمحامين والموظفين والقضاة والصحفيين وغيرهم. إن هؤلاء هم من يشترون السلع والخدمات يا عمّ الحاج.. فإن أنت أفقرتهم بأن رفعت الأسعار عليهم فسوف ينزلقون ليصبحوا طبقة دنيا مُعدَمة.. وبالتالى يزداد عدد الفقراء عند سيادتك بما يترتب عليه زيادة المشكلات وليس حلها.. فماذا تنتظر من مجتمع أغلبيته فقراء مُعدَمون؟ صديق خامس نَبّه إلى نقطة أخرى فى غاية الخطورة. قال: إن الذى يبنى المجتمعات ثقة أفرادها فى أنفسهم.. فإذا لم يستطع الأب- أو الأم- النظر فى عيون أبنائهم خجلا ويأسا لعجزهم عن تلبية حاجات هؤلاء الصغار.. فسوف تسود المجتمع حالة من القنوط والعدمية وسرقة الأحلام.. ونحن- كما تعلم حضرتك- لو بطّلنا نحلم نموت! أمّا الصديق السادس فكتب رسالة من 9 كلمات: «الحل يا سادة تحجيم الاستيراد ومقاومة الفساد.. مافيش حل تانى !». لمزيد من مقالات سمير الشحات