«لماذا ننتظر غيرنا في كل مرة ليسددوا ديوننا بعد أن نموت وينفقوا صدقات جارية علي أرواحنا ويرسلوا من يحج نيابة عنا لتنال الثواب.. رغم أن بوسعنا أن نفعل ذلك بأنفسنا لانفسنا» رأيت نفس هكذا.. أعود الي بيتي منهكا متعبا جائعا فقالت لي زوجتي وقد روعتها حالتي.. هلا ابدلت ثيابك وارتحت قليلا حتي انتهي من إعداد الطعام.. وبالفعل ابدلت ثيابي وتمددت علي سريري فإذا بي أغيب في نوم عميق.. مضي بعض الوقت وفتحت عيني علي صوت أذان العصر وقد أستبد بي الجوع.. ذهبت الي المطبخ ورأيت زوجتي تنقل الطعام الي المائدة.. الغريب أنها مضت بجواري وكأنها لا تراني.. وعادت فسألتها ماذا اطبخت لنا اليوم يا حبيبتي،. لكنها لم ترد ولم أر علي وجهها أي تعبيرات توص بأنها استمعت.. وازدادت دهشتي الي هذا الحد هي شاردة الذهن غير منتبهة لكلامي اليها..تري ما الذي يشغلها الي هذا الحد؟ وخرجت إلي المائدة وطلبت من ابني أحمد الذي جاء ليساعدها.. احضار زجاجة ماء من الثلاجة.. فمر الي جوارها ولم ينفذ ما طلبته بل الادهي انه ايضا بدا وكأنه لا يسمعني فلم يعيرني انتباها.. وبدآ الغضب يسري في أوصالي.. ما الذي جري لهذه العائلة اليوم.. وقبل ان اتمادي في افكاري فوجئت بزوجتي تطلب من أحمد أن يذهب الي غرفة النوم ليوقظني!! ويوقظ مني وأنا أجلس علي مقعدي امامها.. وأخذني الذهول وأنا أري احمد يتجاوب معها ويذهب بالفعل الي غرفتي ليوقظني. وصرخت فيهم بأعلي صوتي وقلت: انتم اتجننتم.. أنا قاعد أمامك وتذهبوا لتوقظوني؟ ولكن أحمد استمر وعاد بعد دقيقة وعلي وجهه علامات فزع وصرخ في أمه: ياماما بصحيه مش بيرد.. وفوجئت بزوجتي تنتفض وتترك ما في يدها وتهرع الي غرفة النوم وهي تردد يا ساتر يارب.. وانتفضت بدوري وتبعتها وقد تجمع باقي أولادي علي صوت أحمد المرعوب ودخلت غرفة النوم لأجد شخصا يشبهني تماما ينام علي سريري ويرتدي بيجامتي.. ورأيت زوجتي تهزه بشدة وتصرخ فيه تناديه باسمي ثم وضعت أناملها علي عنقه وكأنها تتحسس نبضه.. ثم صرخت ودفنت وجهها في صدره بلوعة وهي تناديني وأنا اقف خلفها وقد الجمت المفاجأة لساني فلم انطلق بكلمة.. وبدأت الصورة تتضح أمامي.. ما أنا الآن إلا شبح أو روح غير مرئية.. وما هذا الجسد المسجي علي السرير إلا جسدي الميت بعد أن فارقته الروح.. وجري أحمد يستدعي الطبيب ومن بعده يستدعي إخوتي وأقرب أهلي وهو منهار من الصدمة والدموع تتدافع الي عينيه ورأيت بناتي وقد تشبثن بجسدي يبكين بمرارة وألم.. حاولت أن أتكلم.. اخفف عنهن أؤكد لهن انني بخير وأنني موجود ولكن لم يصل اليهن صوتي.. وبعد دقائق حضر أخوتي وأهلي وتجمع الجيران والاقارب وامتلأ البيت وبدأت اتصالات جاء علي اثرها بعض اصدقائي كنت قد اوصيت زوجتي منذ فترة بعيدة أنني أرغب في أن هؤلاء بالذات من يقومون علي غسلي وتكفيني وأعجبني أنها مازالت تتذكر وصيتي وارتحت لحضورهم وبدأت الاجراءات سريعا وانتهي الغسل ولفوا جسدي بكفن ابيض نسيت أنني كنت قد اشتريته منذ سنوات وجاءوا بصندوق وضعوا جسدي فيه. ثم حملوه الي المسجد ليصلوا علي.. وفوجئت بعشرات الاحباب والاصدقاء كلهم جاءوا لوداعي.. ووسط زحام المسجد وجدتني اخترق الصفوف بيسر دون أن المس أحدا.. ووقف الامام ليصلي وتمنيت أن يطيل قليلا بعد التكبيرة الثالثة ليتيح للمصلين فرصة الدعاء بإخلاص الي الله ليغفر لي ويرحمني.. وتوجهت الي الصندوق وكشفت الغطاء لأنظر الي النائم فيه وما أن فعلت حتي فتح عينيه وقال: أنا جسدك الفاني الان انتهي دوري. وللمشهد بقية الاسبوع القادم بمشيئة الله.