كل منا يبحث عما ينقصه نشتهي النظر خارج نطاق ما نملك للبحث عن النصف المفقود من حياة لم نعشها، حب لم نصل إليه، صداقة لم نعرفها، أو حتي ابتسامة أجلتها الأيام؛ عزيزي القارئ قبل أن تبحث عن نصفك المفقود عليك أن تتعرف أولاً علي نفسك قبل أن يحتلك شعور الاحتياج بما يمتلكه الأخرين... الإحساس بالنصف هو أن لا تعرف من أنت، تعرف عليك أولاً لتدرك أن الجزء المفقود منك لن يأتي إلا عندما تتعرف وترضا بما تملك... فالنصف لا يكتمل إلا بالنصف. بعد مرور أكثر من تسع سنوات من البعد تقابلت أنا وبعض الأصدقاء لنعيد ذكريات الماضي التي افتقدناها، وبعد السلام والكلام بدأت أدرك أن الكل لم يعد كما كان؛ "بالأمس كنا نكمل بعض واليوم كل منا يبحث عما يفقده في جعبة الآخر"، كان من بين فرقة البحث صديقتي حياة التي تري أنها لا تملك من أسماها سوي الأحرف فقط؛ منذ الوهلة الأولي وهي تنظر لتتفقد كل منا علي حدي، وبين النظرة والأخرى تتساقط منها بعض الجمل التي تعبر عما يدور بداخلها من احتياج لما يملكه الآخر: "سافرت... يابختك أنا نفسي أسافر لوحدي.. مش عارفه حتي أخرج ربنا عالم خرجت النهاردة بخناقة... يا بنتي زعلانة من ضغط الشغل ليه أحمدي ربنا أنك مش زي حلاتي مخنوقة بين أربع حيطان... علي الأقل بتعميلي حاجة لنفسك مش كل حاجة لغيرك". ظلت حياة هكذا حتي داعبتها أمل ببعض الكلمات " حياة .. انتِ عايزه تعيشي حياتي اللي شيفاها من بره مع أنك فاقده الإحساس بتفاصيل مملكتك الخاصة... عندما ترقرقت عين حياة بالدموع جاء دور الأمل لحياة " حبيبتي الحياة عاملة زي مقابلة اليوم كل واحد فينا طلب يشرب حاجة مختلفة عن الآخر باختياره، منا من أدرك حلاوة اختياره ومنا من غير مسار ليختار شيء آخر ومنا من ظل يتأمل اختيارات الآخرين اعتقاداً منه أنها أفضل كثيراً من اختياره ونسي متعة الاستمتاع بما يمتلك" . هنا صاح محمد ليقول " أحساس الفانلة..." عندما ضحك الكل قال: "والله.. السر فى كيمياء الأعصاب كما قال مصطفي محمود رحمه الله؛ إن أعصابنا مصنوعه بطريقة خاصة .. تحس بلحظات الانتقال و لا تحس بالاستمرار، أنت لا تشعر بالفانلة على جسمك الا في اللحظة التي ترتديها وفي اللحظة تخلعها.. أما في الساعات الطويلة بين اللحظتين وهي تلامس جسدك لا تشعر بوجودها؛ إن الدوام قاتل الشعور .. لأن أعصابنا عاجزة بطبيعتها عن الاحساس بالمنبهات التي تدوم، نحن مصنعون من الفناء .. و لا ندرك الأشياء إلا فى لحظة فنائها.. فإذا دام شيء فإننا نفقد الاحساس به.. عشان كدا أنا عايز عصير البطيخ اللي معاكي لو سمحتي أكيد أحلي من البرتقال اللي بقالي ساعة بشرب فيه". هنا ضحك الجميع بعد أن أدركنا أن النصف هو لحظة الإحساس بالعجز و أنت لست بعاجز، النصف هو أن لا تعرف من أنت وماذا تملك مثل الآخرين.. قبل أن تبحث عما ينقصك في حياة الآخر أبحث عنك أولاً.. فالنصف لا يكتمل إلا بالنصف. [email protected] لمزيد من مقالات مى إسماعيل