فى إطار مبادرات تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، أصدرت وزارة الأوقاف عددًا من المطبوعات المتخصصة فى مواجهة التشدد، حيث صدر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع للوزارة كتاب "نحو تفكيك الفكر المتطرف"، ويجمع الكتاب بحوثا مختارة من أعمال المؤتمر الخامس والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تركز على تفكيك الفكر المتطرف للجماعات الدينية المتطرفة، من خلال كشف الأخطاء الفقهية ومحاولة تفكيك هذه الأفكار بأدلة دينية وشرعية تثبت كذب المزاعم التى تحاول هذه الجماعات الترويج لها بين شباب المسلمين وقطاعات مختلفة من الرأى العام الإسلامي. ويعتبر د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، فى تقديمه للكتاب أن قضية الخطاب الدينى هى القضية الأولى التى تواجه العالم الإسلامي، معتبرا فى نفس الوقت أن تصحيح الفكر وتصويب مسار المعتقد الخاطئ ليس بالأمر الهين أو اليسير، ولكنه عملية تراكمية تتحكم فيها عوامل وعناصر متعددة، ويحتاج إلى جهد دءوب. كما نشر الكتاب دراسة للدكتور جابر نصار حول دور المؤسسات التعليمية فى تفكيك الفكر المتطرف وقدم تجربة جامعة القاهرة التى يرأسها كنموذج لذلك، من خلال مجموعة الإجراءات التى اتخذها ونجحت فى منع نشر هذا الفكر بين الطلاب. ومنها غلق المصليات المتناثرة فى أرجاء الحرم الجامعى والمدينة الجامعية، والتى كانت تتعدد فى المبنى الواحد، والانفتاح على الفنون والثقافة كمكون أساسى تفتقده كثير من المؤسسات لمواجهة الفكر المتطرف وإقامة مسارح مفتوحة فى مختلف المؤسسات، وإقامة المسابقات الثقافية وتشجيع الطلاب على المبادرات الذاتية فى الأنشطة المختلفة. كما استشهد د. يوسف أدعيس الشيخ، بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية المشرفة التى تناولت الوسطية فى الدين والاعتدال فى الأخذ بأحكامه، وأشار فى هذا الصدد إلى أن هذه الآيات والأحاديث النبوية كثيرة بحيث لا يمكن حصرها. ومن الأبحاث المنشورة بالكتاب ورقة بحثية للدكتور عبد الله النجار تحت عنوان “آليات تفكيك الفكر المتطرف”، وتتضمن مطلبين: الأول: إصلاح الاعتبارات الشخصية المؤثرة فى تفكيك الفكر المتطرف، وهى اعتبارات ذاتية تتعلق بالأشخاص الذين يتولون إثم ذلك الفكر ويعتنقونه ويوقعون غيرهم فى فخه، ومن أبرز الصفات الشخصية المكونة لتلك الاعتبارات الانحراف فى فهم الدين، والذى ينشأ غالبًا عن الجهل به. والميل للتشديد على النفس والغير، حيث إن جهله يدفعه للتشديد على النفس ظنًّا منه أن ذلك التشديد يضمن له إصابة الحق ويكفل له الجنة، وتجاهل التدبر عند تلاوة أدلة التشريع، وعدم تدبر معانى القرآن الكريم أو ألفاظ الحديث وفهم مقاصده السامية، ليعلم أن الفروع الفقهية إنما تتضافر فى مجملها لتحقق مقصدًا شرعيًّا محددًا يعود بالنفع على الإنسان. وكذلك الاعتزال والتشكيك فى فهم الآخرين ونواياهم، فمن ملامح المتطرف أنه انطوائى منغلق على ذاته ويتحصن بالتقية فى التعامل مع الآخرين. وتعطيل ملكة العقل فى الإنسان، ويأتى ذلك من خلال: مبدأ السمع والطاعة. واحتقار الوطنية وتقديس الأممية. أما المطلب الثانى الذى تعرضت له الدراسة فهو إصلاح العوامل الموضوعية المؤدية لتفكيك الفكر المتطرف، وذلك بإصلاح التعبيرات اللفظية المؤدية إلى تفكيك التطرف، فهناك مفردات تحتاج إلى فهم وليس إلى مجرد حفظ وتلقين. وإصلاح النظر الفقهى للموضوعات التى يقوم عليها الفكر المتطرف، ومن هذه الموضوعات العلاقة بين المسلمين وغيرهم، واعتبار أن العداء هو أساس العلاقة مع غير المسلمين قصر مفهوم الجهاد على القتال. كما تضمن الكتاب الذى يقع فى 332 صفحة من الحجم المتوسط أوراقًا بحثية حول دور المجتمع فى تفكيك الفكر التكفيرى للدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم عميد كلية أصول الدين بأسيوط، والذى أكد فيها دور الأسرة المباشر بينها وبين أبنائها فى مراقبتهم ومواجهة التطرف فى بدايته وتطبيق مبدأ التيسير على الناس والتحذير من الغلظة والخشونة والقسوة فى التعامل. وأعتبر الدكتور عبدالله النجار، أن الفكر المتطرف الدينى أصبح خطرا يهدد حياة الإنسان قبل أن يهدد وجود الإسلام، ووصف خطر التطرف الدينى بأنه يهدد حياة ووجود الإنسان على كوكب الأرض قبل أن يهدد وجود الإسلام ذاته، معتبرا أن التطرف الدينى يمثل خروجا على الدين الخاتم الذى يقوم بالأساس على اليسر والتراحم والشرعية. يبقى أن كل ما تضمنه الكتاب من أوراق بحثية ألقت باللوم والاتهام على الإعلام والتعليم، ولم تقدم المؤسسة الدينية على أخطر وأهم خطوة فى تجديد الخطاب الديني؛ حيث لم تتعرض مثلا لدور المناهج الأزهرية فى إنتاج المتطرفين، ولم تطرح سؤالًا عن أسباب انخراط خريجى الأزهر فى الجماعات المتطرفة.