فاز الملياردير الأمريكى دونالد ترامب رسميا بترشيح الحزب الجمهورى لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها فى نوفمبر المقبل، بعدما حصل على تأييد غالبية المندوبين من الولايات والأقاليم فى التصويت الذى جرى فى المؤتمر العام للحزب فى كليفلاند قبل أيام. ورغم أن الفوز كان متوقعا، فإنه لم يكن سهلا، فقد ظهرت نغمة معارضة لترشيح ترامب خلال المؤتمر نفسه، ظهرت من خلال وقوف عدد من المتظاهرين مكتوفى الأيدى على أرضية مقر انعقاد المؤتمر، يساورهم القلق من أن هذا الترشيح قد لا يضيف إلى الحزب وأمريكا كلها إلا المزيد من الافتقار إلى الوحدة، والطاقة، والثقل العاطفي، وظهر ذلك أيضا من خلال رفض كثير من رموز الحزب الجمهورى خلال المؤتمر هذا الترشيح. لقد كسر ترامب التقاليد الحزبية أصلا بقدومه إلى المؤتمر قبل تسميته رسميا، وخاطب حشدا كان قبل ساعات أطلق هتافات شاجبة وصيحات استهجان رفضا لترشيحه، مصرين على إسماع أصواتهم، وعبر معارضون لترشيح ترامب عن غضبهم لأن حزب إبراهام لنكولن وثيودور روزفلت سيكون بقيادة رجل وصف المكسيكيين بالمغتصبين ودعا إلى منع المسلمين من دخول الولاياتالمتحدة. وفى مؤشر على الانقسامات المستمرة داخل الحزب، تغيبت عن مؤتمر كليفلاند شخصيات حزبية مهمة، مثل جميع أفراد أسرة بوش، وميت رومني، وحتى جون كاسيك حاكم أوهايو الولاية المضيفة والذى كان موجودا فى كليفلاند، لكنه لم يحضر المؤتمر، حتى إن بعض خطب النواب الجمهوريين لاقت استهجانا عندما حاولوا الدفاع عن سياسة ترامب. ولكن، رغم كل ما يقال فى هذا الإطار، تبقى الحقيقة وهى أن رجل الأعمال الثرى حقق بالفعل فوزا كبيرا فى الانتخابات التمهيدية للحزب فى ولايات عديدة، وجمع أكثر من 13 مليون صوت، متفوقا على أى مرشح جمهورى على الإطلاق. وسعى ترامب قبيل المؤتمر إلى تهدئة المنتقدين المحافظين عبر تسمية حاكم ولاية إنديانا مايك بينس كمرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقته الانتخابية. وعلى غير العادة، أدخل اللمسة العائلية على المؤتمر «ليكسر قلوب معارضيه»، فجعل زوجته «ميلانيا» عارضة الأزياء السابقة السلوفينية الأصل واللاجئة التى حصلت مؤخرا على الجنسية الأمريكية، تلقى خطابا عاطفيا لحشد التأييد لزوجها، كما حشد كل أبنائه ليؤكدوا فى خطبهم أنه نعم الصديق والرفيق، لكن حتى هذه المحاولات تعرضت لكثير من الانتقادات من الإعلام الأمريكى «المتربص» بترامب أصلا، خاصة بعد أن تبين أن أجزاء كثيرة من خطاب «ميلانيا» كانت مقتبسة من خطاب سابق لميشيل أوباما كانت قد ألقته عام 2008! ورغم هذه السلبيات، فقد كانت هناك نقاط قوة كثيرة استند إليها ترامب فى ترشيحه لرئاسة البلاد، فقد نجح ترامب ومؤيدوه فى الأيام التى سبقت المؤتمر فى التركيز على المسائل التى تجمع الجمهوريين : وهى دعم القوات المسلحة، والقلق بشأن القانون والنظام، ووسط موجة من عمليات القتل ذات الطابع العنصرى فى الولاياتالمتحدة وهجمات إرهابية فى أنحاء العالم، لخص العضو الجمهورى فى الكونجرس مايكل ماكول المباديء الأساسية لرسالة ترامب» بسؤال يقول : «هل أنتم فى أمان أكثر من ثمانى سنوات مضت»؟ وكانت ورقة ترامب الرابحة الأخرى هى حشد الكراهية للمرشحة الديمقراطية هيلارى كلينتون، ففى مرات عدة فى المؤتمر، علت صيحات مثل : «احبسوها، احبسوها»، بعد أن علت الانتقادات لسياستها الخارجية وزاد اتهامها بالجهل والأنانية فى تعاملها مع قضايا ليبيا والعراق وسوريا، إضافة إلى القضية التى ما زالت مثارة حتى الآن، وهى استخدامها لبريدها الإليكترونى الشخصى فى المراسلات الرسمية خلال فترة عملها كوزيرة للخارجية. وعلى أرض الواقع فى الشارع الأمريكي، ووسط كل هذه الاضطرابات، يبدو أنه لا يوجد شيء قد يغير من رأى مؤيدى ترامب، وكذلك هو الحال بالنسبة لهيلارى ومؤيديها أيضا. فالمرشح الجمهورى يبدو بالنسبة لمؤيديه نموذجا للقوة والمكانة الاجتماعية المرموقة، فهو شخص يرفض أن تسكته الشرطة، وثري، وقوي، وبالتالى لا يمكن شراؤه. مهرج، نرجسي، وأدت تصريحاته النارية والعنصرية وهجومه على النساء إلى دفع كثير من الناس، بما فى ذلك بعض الجهات المانحة المحافظة البارزة، إلى نتيجة مفادها أن ترامب غير لائق ليكون رئيسا. وبالمثل، فمؤيدو هيلارى يعتقدون أن الجمهوريين يشنون حملة «عنيفة» للتخلص منها، ويرون أنها الأفضل فى التعامل مع قضايا التعصب العرقي، ولها خبرة واضحة مع القضايا الدولية والهجرة، وقادرة على الصعود مجددا بالطبقة الوسطى، ولكنهم فى الوقت نفسه لا يستطيعون إغفال خطئها فى قضية البريد الإليكتروني، ورغم أن تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالى الأخير خلص إلى أن استخدامها للبريد الإليكترونى الخاص لا يستحق توجيه اتهامات جنائية لها، فإن هذا لم يمح مخاوف ناخبيها من أنها «مهملة» للغاية وتخفى الكثير من الحقائق. وهكذا، تميل الكفة أحيانا لصالح ترامب، وأحيانا أخرى لصالح هيلارى التى تتفوق فى استطلاعات الرأي، لكن الكثير من استطلاعات الرأى اتفقت فى النهاية أن هناك استياء واضحا بين الأمريكيين من الخيارين المتاحين لهما. ومن هنا، يبدو أن النتيجة قد حسمت لصالح فردين أمام عدد من الناس فى حزبى كل منهما، لكن ماذا بشأن غالبية الأمريكيين. والغالب الأعم حتى الآن هو أن هذه الانتخابات تتسم بانعدام الثقة، والناس فى الولاياتالمتحدة لديهم مشاعر قوية سلبية سواء تجاه ترامب أو هيلاري، وهو ما يمكن تسميته ب»التيار الثالث» الذى يبدو أنه سيكون البطل الرئيسى للانتخابات الأمريكية المقبلة.