ما ان ترد مفردة الزعامة فى أى سياق سياسى او تاريخي، حتى ترشح منها دلالات تتجاوز ما تعنيه القيادة، خصوصا فى العالم العربي، الذى شهد فى فترات التحول والتحرر ظهور شخصيات اقترنت اسماؤها بمفهوم الزعامة،. وقد تكون دراسة د . خليل احمد خليل حول مفهوم القيادة قدر تعلق الامر بالعالم العربى تدشينا لمرحلة من الدراسات حول هذا الشجن القومى المزمن، رغم اقتصار دراسة د . خليل على لبنان بكل ما يرتبط فيه مفهوم القيادة من محاصصة طائفية ووراثة عائلية . وهناك شروط تاريخية لظهور الزعيم حيث يمتزج الرمز بالواقع، ويصبح بمثابة اسم حركى او مستعار لأمة تشهد قيامة قومية، وغالبا ما يأتى ذكر سعد زغلول فى هذا السياق، فالرجل قاد الامة فى حقبة حرجة من تاريخها، واصبح بيتها بيته، لهذا يطلق على منزله بيت الامة، ولا ينافس رثاء الشعراء لرحيله غير المراثى التى آخت بين اللهجات العربية عندما امتزجت الدموع عشية رحيل الزعيم عبد الناصر . والزعيم بخلاف القائد، تعلق به حكايات تقارب الاساطير ويضيف اليه الخيال الشعبى خصالا وقدرات قد لا تكون بشرية فى بعض الاحيان، وقد شهدت الحرب العالمية الثانية سجالات واسعة بعد ان صمتت مدافعها حول مفهوم الزعيم او البطل القومي، ورأى بعض الباحثين فى هذا المجال ان الزعيم اشبه بيافطة على حدث فارق وحاسم، وانتهى الامر الى ان اصبح للزعيم استحقاقات نادرا ما تكون للقادة التقليديين وهنا نتذكر انسحاب الجنرال ديجول من الحياة السياسية لأنه فاز فى انتخابات الرئاسة بنسبة لا تليق بالاستحقاقات التى يشعر بها كبطل قومى . لكن بالمقابل ظهرت اطروحات ناقدة لمفهوم الزعيم، خصوصا بعد ان اصبح بعض الزعماء طغاة، يريدون اعادة الشعوب التى كدحت طويلا من اجل الحرية والمساواة الى مجرد رعايا، وكان اشهر ما كُتب فى هذا المجال طفولة زعيم او لوسيان لجان بول سارتر، وهنا يبرز المثال الستالينى او ما سٌمى ظاهرة عبادة الفرد، لهذا كانت ردة الفعل عنيفة بعد رحيله وطالب بعض الغلاة من خصومه باقتلاع السكك الحديدية التى انشأها ، وغالبا ما يكون المناخ ملائما لولادة الزعيم فى فترات الماضى فيها لم يغرب تماما، والحاضر رخو يميد تحت الاقدام والمستقبل غامض، عندئذ تلجأ الشعوب إما الى مقابرها كى تنقّب عن بطل يضمّد نرجسيتها الوطنية الجريحة او الى الخيال كى تستدينه من المستقبل، وفى الحالتين يكون الراهن غائما، وفيه فراغ شاسع بانتظار من يملأه ! لكن الملاحظ بقوة هو ان الحاجة الى الزعيم او البطل بالمفهوم التاريخى او السلفادور بمعنى المخلّص تتضاءل فرصة ظهوره فى مجتمعات قطعت شوطا فى الديمقراطية، وتمأسست وتراجع فيها دور الفرد، وانحسرت ظاهرة الشخصنة، لكن العالم الثالث ومنه العالم العربى وبعد ثلاث مئويات مُتزامنة تاريخيا هى سايكس بيكو وانهيار الامبراطورية العثمانية ووعد بلفور، استعاد دور الزعيم او البطل، خصوصا بعد ان تعرضت دول للتفكيك والزّوال، واصبح شبح اعادة التقسيم يهدد الحدّ الادنى من الالتئام القومي، فلم يحدث من قبل ان شكلت حكومات توصف بان مهمتها تسيير الاعمال فقط بحيث يُناط بالتكنوقراط مثل هذه المسئولية، وكما ان هناك حكومات مؤقتة من هذا الطراز ومنزوعة الدسم السياسى هناك ايضا قادة اشبه بالمدراء العامين لأوطانهم، حيث تُقاس الكفاءة بالاقتصاد فقط او بمنسوب النموّ تبعا لمعايير البنك الدولي، وكان اقرب نموذح فى هذا السياق هو تونس التى حققت نموا مشهودا فى المجال الاقتصادى لكنه اقترن بأنيميا سياسية عصفت بالرئيس بعد اقل من شهر من حراك شعبه، واذكر ان الكاتب حازم صاغية نشر مقالة فى مجلة ابواب التى كانت تصدر فى لندن عن صدام حسين بعنوان صدام حسين ذكرا، واستخدم فيها الفرويدية وتحليلاتها النفسية ، لكن الاهم من ذلك هو الحلقة المفقودة فى الوطنية المحلية التى لم تظفر بأى تحليل، ولو شهد العراق فى النصف الاول من القرن العشرين نمو الوطنية المحلية على طريقة مصر فى ثورة 1919 وشعار مصر للمصريين لتغير الحال، هذا بالرغم من ان هناك مؤرخين اساؤوا فهم هذا الشعار وتجاهلوا انه رفع فى زمن الاحتلال وان المقصود به هو مصر للمصريين وليس للانجليز . ان المطارحات حول فقه الزعامة بمختلف اللغات لا تلتقى عند مصب واحد، تماما كما ان مفهوم الكاريزما يختلف بين ثقافة واخرى، لأن هناك من تأسرهم الكاريزما العضوية كالتكوين الجسدى وما تسرب من صفات البطل فى سينما الخمسينات فى القرن الماضي، وهناك زعماء واباطرة كانت الكاريزما بالنسبة اليهم معنوية ومركبة ولها صفات داخلية، وسيبقى هذا الفقه المتعلق بالزعامة مثار سجال حتى بعد ان بلغت بعض الدول حدا كبيرا من المأسسة، لهذا نرى احيانا من يطلون برؤوسهم فى الولاياتالمتحدة واوروبا وامريكا اللاتينية حالمين بصفة البطل او الزعيم لكنهم غالبا ما يخطئون الطريق فيورطون اوطانهم بكوارث تنتظر ابطالا آخرين من الجهة المقابلة لتدارك ما تبقى !! لمزيد من مقالات خيرى منصور