رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    بعد تخفيض سعر الفائدة.. كم سجل سعر الذهب اليوم الجمعة 23-5-2025 في مصر؟    حماس: المساعدات حتى الآن لا تمثل نقطة في محيط احتياجات أهالي غزة    رويترز تكشف حقيقة صور الإبادة الجماعية التي استخدمها ترامب لإدانة جنوب أفريقيا    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة صن داونز وبيراميدز في ذهاب نهائي دوري الأبطال    مسيرة ذهبية.. ريال مدريد يعلن رحيل كارلو أنشيلوتي    سلوت: صلاح يستحق الكرة الذهبية.. وإن لم يفز بها سيعود أقوى الموسم المقبل    في الإسكندرية وأسوان.. مصرع 4 عناصر جنائية وضبط آخرين عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة    رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي الأزهري 2025 الترم الثاني فور ظهورها    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    الصحة: فحص 11 مليون و307 آلاف طالب ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس الابتدائية    وزيرة التخطيط: الابتكار وريادة الأعمال ركيزتان أساسيتان لتجاوز «فخ الدخل المتوسط» (تفاصيل)    الصحة العالمية: النظام الصحي على وشك الانهيار في غزة مع تصاعد الأعمال العدائية    شاب ينهي حياته بأقراص سامة بسبب خلافات أسرية    الأرصاد تحذر من حالة الطقس: موجة حارة تضرب البلاد.. وذروتها في هذا الموعد (فيديو)    4 جثث ومصاب في حادث مروع بطريق "إدفو - مرسى علم" بأسوان    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    الصحة تعقد اجتماعا تحضيريا لتنفيذ خطة التأمين الطبي لساحل المتوسط خلال الصيف    محافظ أسيوط يشهد تسليم 840 آلة جراحية معاد تأهيلها    الهلال يفاوض أوسيمين    النحاس يدرس استبعاد إمام عاشور من ودية الأهلى اليوم بسبب الوعكة الصحية    «الشيوخ» يناقش تعديلات قانونه ل«تقسيم الدوائر» غدا    وزير الري: تحديات المياه في مصر وأفريقيا تتطلب مزيدًا من التعاون وبناء القدرات    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 23 مايو في سوق العبور للجملة    وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى باريس لبحث القضية الفلسطينية    قراران جمهوريان مهمان وتكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل خير للمصريين    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    بروتوكول تعاون بين "الإسكان" و"الثقافة" لتحويل المدن الجديدة إلى متاحف مفتوحة    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    وزير الثقافة يشهد حفل فرقة أوبرا الإسكندرية ويشيد بالأداء الفنى    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    وزير الاستثمار يلتقي رئيس "أبوظبي للطيران" لاستعراض مجالات التعاون    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    توريد 180 ألف طن قمح لصوامع وشون قنا    وزير التعليم العالى يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين جامعتى إيست لندن إيست كابيتال    «يد الأهلي» يواجه الزمالك اليوم في نهائي كأس الكؤوس الإفريقية.. اعرف موعد المباراة    وزير الصحة يشارك في مائدة مستديرة حول البيانات والتمويل المستدام لتسريع التغطية الصحية الشاملة    الرعاية الصحية: التعاون مع منظمة الهجرة الدولية في تقديم الخدمات للاجئين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 23-5-2025 في محافظة قنا    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    اليوم.. "فندق العالمين" و"إنسان روسوم العالمي" على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    دينا فؤاد تبكي على الهواء.. ما السبب؟ (فيديو)    حقيقة انفصال مطرب المهرجانات مسلم ويارا تامر بعد 24 ساعة زواج    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    رسميًا بعد قرار المركزي.. ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 23 مايو 2025    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    ما حكم ترك طواف الوداع للحائض؟ شوقي علام يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية الشخصنة والمفاهيم !
نشر في الأهرام اليومي يوم 05 - 09 - 2015

يتردد مصطلح الشَّخْصنة فى العديد من المقاربات السياسية وإن كان الإعلام الفضائى قد أفرط فى استخدامه بمعزل عن دلالاته، و كأن هناك فاصلاً حاسماً بين الشخصنة و المفاهيم المجردة، و مقابل هذا الإفراط الفضائى فى تعويم المصطلحات ثمة إفراط آخر يمارسه المدافعون عن التجريد، والكلام المرسل، حيث تبقى الكتابة فى نطاق عام، يقول كل شيء كى لا يقول شيئا محدداً، فهذا بحد ذاته احتراز من التشخيص وإعفاء للذات بهدف تبرئتها من أى تأويل و الأمثلة فى هذا السياق عديدة، تبدأ من إطلاق مصطلح النظام السياسى العربى ولا تنتهى عند مفهوم الآخر، و كأن النظام العربى متجانس، ويخضع لاستراتيجية واحدة، والحقيقة أنه ليس كذلك، ففى النظم السياسية العربية التى كرست اختلافاتها سبعة عقود على الأقل، بدءاً من الاستقلال بمختلف صيغه، فما يسمى الناراتيف أو السردية الوطنية للاستقلال يختلف جذريا من بلد الى آخر، و كأن لهذا الاختلاف تجلياته الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية، فهناك من دفع ثمن استقلاله دماً وشقاء و حصاراً اقتصاديا مقابل من نال الاستقلال و كأنه منحة، رغم أن السياسة لا تقبل الأُعْطيات والهبات بالمجان، لهذا يقول مثل انجليزى «ما من وجبة عشاء بلا مقابل»!
ومن المدهش أن معظم من ذرفوا الدموع على إخفاق المشاريع الوحدوية وبكوا على أطلال الجامعة العربية لم يهتموا بهذا الأمر وكأن العالم العربى استقل عن مستعمريه فى ظهيرة واحدة وتحت علم واحد وضبط خطواته السياسية على إيقاع نشيد واحد!
إن الإفراط فى الشخصنة يحرمنا من التعامل مع الأفكار و المفاهيم، وهى الأشمل و الأدق فى تحليل الظواهر سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو حتى سيكولوجية. وبإمكان أى باحث عربى أن يجرى اختباراً فى هذا المجال، فإن كان أكاديمياً بمقدوره أن يرصد إقبال الطلاب على الكتابة السّردية خصوصاً اذا كانت تتعلق بسيرة ذاتية أو رواية وقائع منسوبة لأشخاص محدّدين، لكنهم لا يقبلون بالدرجة ذاتها على قراءة مفاهيم و أفكار ذات قابلية للسجال وهذا أيضا ما يفسر كون الكتب المتعلقة بالسيرة الذاتية أو الفضائح الأكثر مبيعا لأنها تستجيب لثقافة النميمة التى فاضت عن حدودها الاجتماعية فى الحياة اليومية لتشمل السياسة و شجونها !
وهناك جذر علمى لهذه الظاهرة تنبه اليه علماء النفس التربوى وعلماء الاجتماع أيضا يتلخص فى أن الإنسان فى مراحل النمو المبكرة يميل الى التعميم و تكثر لديه القواسم المشتركة حتى عندما يرسم أو يتخيل ، فالإنسان بالنسبة لطفل يرسم مجرد خطين متقاطعين وأشبه بالصليب و المثال الآخر المتعلق بمفهوم «الآخر» يعانى من عدة التباسات، فالآخرون ليسوا متجانسين، لأن الشقيق آخر وكذلك الجار والصديق والأعداء أيضا آخرون، وحين تداول المثقفون العرب مقولة سارتر الشهيرة «الجحيم هو الآخرون» أخضعوها أيضا لثقافة النميمة والشخصنة لأن الآخر يصبح نعيماً أو جحيماً تبعا لموقفه من الذات و مدى ملاءمته لمصالحها. وأذكر أن شاعرا عربياً ماركسيا تبنى الدفاع عن الفقراء حتى تحول الى ناطق رسمى باسمهم استخدم عبارة سارتر تلك فى احدى قصائده، وغاب عنه أن الفقراء الذين يدافع عنهم هم أيضا آخرون!
إن تحرير العقل من فائض الشخصنة يتطلب تأهيلاً و مرانا إضافة الى المعرفة وهذا ما نفتقده فى مدارسنا وبعض جامعاتنا لأن السّائد بل المقرر هو تحول المتلقى الى ببغاء يردد صدى ما يسمع بمعزل تام عن معانيه و دلالاته.
ومن تداعيات الخلط و التشويش بين الشخصنة والمفهوم المجرد،التعامل مع الدولة باعتبارها مرادفا للنظام و كأنهما دائرتان بمحيط واحد ومركز واحد. والحقيقة غير ذلك تماماً، فثمة نظم تتساقط لكن الدولة تبقى، ومن نتائج هذا الخلط أيضا نسبة نظام سياسى برمته إلى زعيم أو شخص بعينه، بينما هناك أمثلة عديدة عن قادة أسقطوا أو تم اغتيالهم أو رحلوا لكن النظام لم يدفن معهم. لأنه نسيج من العلاقات بالغة التعقيد و ثمة مصالح تنوب عن الشخص فى جذب أنصار النظام، لأنه مجرد اسم حركى أو مستعار لفئة أو طبقة سياسية،
وحين نسمع عبارة خرقاء من طراز «هات من الآخر» والتى يعبر فيها المستمع عن ضجره وضيقه من الحوار المفاهيمى فسبب ذلك ببساطة هو القفز الى الشَّخصنة وهذا بحد ذاته من إفرازات ثقافة موروثة بغثها أما سمينها فهو فى مكان آخر. وقد ساهم الإعلام الفضائى ووسائل التواصل الاجتماعى فى تغذية الشَّخْصنة التى تمددت على حساب المفاهيم والأفكار المجردة، وهذا ما يفسر لنا إلحاح بعض مقدمى البرامج الحوارية على ضيوفهم بأن يذكروا أسماء آخرين مما يجعل المشهد مزيجا أشبه بالتراجيكوميديا بين المحقق الجنائى وبين الواشى أو من يسعى الى إشعال فتيل الفتنة بحثا عن الإثارة وتسويق النّميمة باعتبارها سلعة مطلوبة.
والمثال الأخير فى هذه العجالة الذى تتجسد فيه الشخصنة بكل ما يصاحبها من إسقاطات نفسية وتفكير رغائبى هو مصطلح الكاريزما، الذى أصبح يطلق جزافا على أصحاب مهن وشخصيات عامة منهم رجال أعمال أو اعلام . وعناصر الكاريزما تبعا لهذا الاستخدام السطحى غالبا ما تنحو باتجاه جسدي، رغم أنها قد تكون ذهنية و أقرب الى الكيمياء العصية على التفكيك . إنها صفة مرتهنة لنموذج فى الذاكرة يقاس عليه، وهى اذ تحذف عناصر ومكونات غير عضوية تصبح مفهوماً، يحتاج الى شخصنة. كى تنسجم مع السّائد السطحي. ولو قام باحثون برصد تجليات وتداعيات الخلط بين الشخصنة والمفاهمية لربما فاجأتهم النتائج، سواء تعلقت بأسئلة خاطئة تحتاج الى إعادة صياغة حسب ما قال لوى التوسير أو بتضليل الرأى العام والعبث ببوصلته الوطنية و الأخلاقية، والشخصنة بمعناها الدقيق حذف لأبعاد اخرى فى أى مسألة مطروحة للحوار، لأنها فرار متعمد من المفاهيم والمطارحات الجذرية وتعامل سطحى مع الجزء الناتىء من جبل الجليد، حيث يصبح ارتطام السفينة محتما فى غياب الرؤية البانورامية لأى قبطان!
لمزيد من مقالات خيرى منصور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.